الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قسوة الرحيل

19 يوليو 2015 21:02
قد تجبرنا الدنيا على الابتعاد والرحيل، ولكن هذا لن ينسينا أشخاصا عرفناهم وتعلّقنا بهم، وأماكن محفورة بداخلنا، فقلوبنا لاتزال معلّقة بمن نحب ونعشق فتبقى الذكريات مرسومة نتذكرها مع كل هبة نسيم تذكرنا بالماضي. نكره مراسم الوداع، الذين نحبهم لا نودعهم، لأننا في الحقيقة لا نفارقهم، لقد خُلق الوداع للغرباء وليس للأحبة، ففي كل لحظة نلعن الوداع ألف مرة وننهال عليه باللوم والعتب، لأنه يحول دون بقائنا مع من نحب ومن نصادق، ولكن هل فكرنا يوماً بإلقاء اللوم على اللقاء، في دواخلنا بقايا راحلين وقلب ينادي الغائبين، لطفاً بنا فقد أرهقني الحنين. لحظات الوداع لحظات شبيهة بالصدق، كثيفة الفضول، بالغة التوتر، تختزل فيها التفاصيل التافهة وتتعامل مع الجواهر، تتألق البصيرة وتتوهج الروح، وأسوأ الراحلين إنسان يرحل عنك، ولم يرحل منك، ساعتنا في الحب لها أجنحة ولها في الفراق مخالب وكم يمضي الفراق بلا لقاء ولكن لا لقاء بلا فراق. إذا جلست يوماً وحيداً تحاول أن تجمع حولك ظلال أيام جميلة عشتها مع من تحب، أترك بعيداً كل مشاعر الألم والوحشية التي فرقت بينكما حاول أن تجمع في دفاتر أوراقك كل الكلمات الجميلة التي سمعتها ممن تحب، وكل الكلمات الصادقة التي قلتها لمن تحب، فقمة العذاب أنك تشتاق لشخص وأنت تحاول أن تنساه. وإذا فرقت الأيام بين المحبين فلا تتذكر لمن كنت تحب غير كل إحساس صادق ولا تتحدث عنه إلا بكل ما هو رائع ونبيل فقد أعطاك قلباً.. وأعطيته عمراً وليس هناك أغلى من القلب والعمر في حياة الإنسان، فأصعب شعور بالدنيا عندما نحب بشكل كبير ونطرد من قلب من نحب دون سابق إنذار. ما أصعب أن تبكي بلا دموع، وما أصعب أن تذهب بلا رجوع، وما أصعب أن تشعر بضيق، وكأن المكان من حولك يضيق. هل للوداع مكان أم أنه سفينة بلا شراع؟ عند الرحيل، اجعل لعينيك الكلام فسيقرأ من أحبك سوادها، واجعل وداعك لوحة من المشاعر، يستميت الفنانون لرسمها ولا يستطيعون فهذا آخر ما سيسجله الزمن في رصيدك، فلولا الصدمات لبقينا مخدوعين لمدة أطول، هي قاسية لكنها صادقة. الرحيل حزن كلهيب الشمس يبخر الذكريات من القلب ليسمو بها إلى عليائها، فتجيبه العيون بنثر مائها، لتطفئ لهيب الذكريات. الرحيل نار ليس لها حدود، لا يشعر به إلا من اكتوى بناره. بعد الفراق.. لا تنتظر بزوغ القمر لتشكو له ألم البُعاد.. لأنه سيغيب ليرمي ما حمله ويعود لنا قمرا جديدا.. ولا تقف أمام البحر لتهيج أمواجه وتزيد على مائه من دموعك لأنه سيرمي بهمك في قاع ليس له قرار ويعود لنا بحرا هادئا من جديد.. وهذي هي سُنة الكون.. يوم يحملك ويوم تحمله. محمد أسامة - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©