الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

هنا الضاحية.. زحف العائدين

15 أغسطس 2006 01:22
بيروت - رفيق نصرالله: انه اليوم الاول للضاحية خارج مرمى النار، كان عشرات الآلاف ينتظرون الساعة الثامنة، مرت دقائق طويلة نظر فيها الكثيرون الى السماء، وحاولوا ان يتنصتوا اذا كانت الطائرات قد ابتعدت، وهل سيمر توقيت وقف اطلاق النار على خير· لم ينتظر الناس التأكد من ان الوقت قد حان، بدأوا بالزحف نحو الضاحية من كل صوب· كانت عناصر من ''حزب الله'' تقيم حواجز عند كل المداخل في محاولة لتنظيم دخول العائدين المصدومين بما رأوا فما تراه العين غير ما نقلته الشاشات التي بدت انها عاجزة عن نقل الصورة المفجعة للواقع· العناصر من ''حزب الله'' يتحدثون بلطف: ''نرجوكم انتبهوا هناك قنابل عنقودية، وهناك انهيارات، نفضل تأجيل العودة حتى الغد''· لكن الناس تريد ان ترى، ان تتفحص وان تتأكد هل لا يزال لنا منزل هنا ام لا·· تراقب ام محمد بيتها عن بعد، تستعين بابنها: ''شايف البيت يا محمد؟ انا لا ارى البناية''· تقتحم الحاجز وتصر على الدخول، سيارات تابعة للبلدية تحاول ان تنظف الطريق، زجاج مبعثر، حطام، شرفات تهاوت، مبان صارت ركاماً، كل شيء ممزق· احمد شحرور يتحدث بهدوء اعصاب: ''لقد عدنا ولم نجد المبنى كله انا واخي وكل الجيران صرنا بلا بيوت''· يضيف على كل ''هذا فداء للمقاومة'' يقولها بثقة واضحة وابتسامة هادئة· في حارة حريك، المشهد مريع، اكثر من ستين بالمئة من المباني صارت على الارض تماماً فيما لحقت اضرار بالبقية الباقية من البيوت التي تحتاج الى ترميم· المنطقة بحاجة لاعادة تأهيل بالكامل، الاقتراب مما كان يسمى المربع الامني يعني الاقتراب من أرض ضربها زلزال· لا اثر لمبان هنا، فقط ما تبقى من ركام لأكثر من 40 مبنى هوت جميعها وحولها مبان متهالكة آيلة للسقوط· وهنا يصعب على احد ان يصل الى المكان او ان يعرف اساساً اين كان مسكنه، لقد تبدلت الجغرافية وتداخل الركام، وتوحدت الانهيارات· في منطقة حي معوض الشارع التجاري المزدهر صار كومة ركام وحطام، واجهات مبعثرة، شرفات متهاوية، لقد تبدلت معالم الشارع وكما قال احدهم لقد ''خربت بيوت الكثيرين''، لكن اللافت ان احداً لم يسمع كلمة تذمر عند احد كما لو ان الجميع توحد في المصيبة· ومن معوض الى شارع بئر العبد، حيث صارت جنبات الطريق مجرد أبنية تبدو كما لو استقالت من مكانها وسلمت الى الزلزال كي تنهار تحت ضرباته· انها الكارثة هنا في منطقة الرويس، هذا ما تبقى من مجمع كان يضم عشرة أبنية، لقد تدمر كل شيء خلال دقيقتين فقط في اكبر غارة نفذت منذ ان بدأ العدوان على لبنان· لقد دوت انفجارات متتالية قدرت بأكثر من عشرين انفجاراً خلال دقيقتين فهوى كل شيء· يقول لك الذين نجوا: كان بضعة أولاد يلهون في الساحة قرب المجمع، وعائلات قليلة عادت لتتفقد المكان، الملاصق لمسجد، فجأة هوى كل شيء، وما تم انتشاله 16 جثة و84 جريحاً بعضهم في حال الخطر· أي تسونامي وصل الى المكان وأي مجنون ضرب السقف كي يهوي بهذه الطريقة· ان ثمة من يشكك بقدرة الطائرات على نقل شيء كهذا - يقول الكثيرون - انها صواريخ كثيرة هي التي تترك مثل هذا الدمار· الطريق الى جاليري سمعان، لا يزال هادئاً، الكل مشغول بأعماق الضاحية يريد ان يرى ماذا جرى في الاحياء الداخلية التي ظلت تحت مرمى النار اكثر من ثلاثين يوماً حيث راحت الطائرات تتناوب على ما بقي صامداً كي يصير ركاماً· الشارع الذي ينطلق من محيط مخيم برج البراجنة ليشق احياء البرج والمربع الامني، وصولاً الى صفير وحي الاميركان الى الحدث تلقى الضربات الاولى، الجسور هوت، المحلات تبعثرت، المباني سقطت واجهاتها، لا شيء هنا بقي على حاله، نسبة الدمار تصل في هذا المكان الى حدود السبعين بالمئة، حفر في الطريق، التمديدات الارضية للمياه قطعت، أسلاك الكهرباء في الأرض، أعمدة انطوى نصفها ومال· ماذا فعلت الطائرات· المئات من سكان المنطقة جاؤوا، الكل مذهول، بعضهم يحاول ان يصل الى ما تبقى ليخرج بعض حاجياته من اثاث تشظى، والكل يسأل عن الكل، والكل يقول الحمد لله على السلامة، والبعض يعزي البعض فثمة عائلات غابت ولن تعود لانها استشهدت تحت الركام· وثمة من استشهد وهو يحمل اطفاله بحثا عن السلامة فيما آخرون هم في عداد المفقودين· انها الضاحية الجنوبية التي دخلت الحرب العالمية الثالثة، خرجت منها ممزقة الثوب لكن كبرياء الناس هنا تعوض عن كل الخسارات· احدهم صرخ ''سأنصب خيمة هنا وأعيش وسنبني بيوتنا من جديد ولتأت الطائرات لن نغادر''· غداً، سيسأل الناس عن كل شيء، عن الماء، عن الكهرباء، عن المواجع الكثيرة التي ستطارد الناس في همومهم اليومية، ان المنطقة تعتبر منطقة منكوبة وبحاجة الى عملية انقاذ واسعة لن يقوى لبنان وحده على مواجهتها· الضاحية الجنوبية لبيروت ربما ستبحث غداً عن اسم جديد يليق بها، فهي لم تعد ضاحية بعد ان صارت قلب الوطن الجريح، وأيضاً لم تعد احياؤها تلك التي كان يسكنها الفقراء والبسطاء الذين جاؤوا باكراً الى أطراف بيروت من قراهم البعيدة ليعملوا فيها وينخرطوا في حيوية وطن لا زالت الحرب تلاحقهم فيه اينما ذهبوا·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©