الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سالم بوجمهور يبث الروح في ذكرى الطفولة بأسلوب إنساني

سالم بوجمهور يبث الروح في ذكرى الطفولة بأسلوب إنساني
22 يوليو 2011 22:45
حاول الشاعر سالم بوجمهور خلال 23 قصيدة ضمها ديوانه الجديد “ملاعب البالون” الصادر عن مشروع “قلم”، أحد مشاريع هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أن يعيش تجربته الشعرية كاملة بعد أن أصدر عدداً من الأعمال الشعرية ومنها “روائح النود” و”تصارع” و”على السيكل” و”دكان أمين “ و”طخ طر خطخ” و”بتروكولا” و”جسر الزجاج”. يكتب سالم بوجمهور بأنماط الشعر المختلفة، الفصيح والشعبي، ومن الفصيح نثراً وتفعيلة والتقليدي منه. كما أن بوجمهور يعيش حالة الإنسان بآماله وإخفاقاته ونجاحاته أينما وجد، إذ هو إنساني النزعة لا يكف عن التصريح بها في شعره، فتراه مع آلام البشر في كل بقعة بأطراف العالم الأربعة. سالم بوجمهور حالة من الاستزادة والطلب المعرفي، دائم البحث عما يغني حياته الثقافية ويضيف له شيئاً. في ديوان “ملاعب البالون” كتب مقدمة شعرية لشعره وأعقبها بـ 23 قصيدة تتمحور جميعها حول “البالون”، وكأنه يقدم نصاً واحداً في مفاصل عدة، حتى لو ابتعد عن البالون زمناً شعرياً فتراه يعود إليه ثانية وبوضوح. إذ سيطرت فكرة البالون بما تمتلك من دلالات مختلفة على شعرية سالم بوجمهور واستغرقته فتراه لذلك رفع العنوان باسمها. في مقدمة الديوان قد نكتشف سر هذا البالون وملاعبه ومساحاته وخفاياه فيقول: هنا ملاعبٌ بألوان إذا لعبا يداعب الريح والأحلام والسحبا يطير لم يتخذ ريشاً وأجنحة ولا يراها إلى عليائه سببا كأن أنفاسنا روح تجسده يانفخة تبدع الإعجاز والعجبا إن أطلق الطفل بالوناً رأى قمراً من راحتيه إلى آفاقه وثبا وليس مستبعداً أن نقترب من تأويل العنوان الذي - بحسب ما نراه - يشير الى ملاعب الطفولة بدلالة “الطفولة” و”البالون” التي أشارت لها قصيدة التمهيد أو المقدمة كونها إشارة دلالية على مجمل النص الشعري الذي يحتفي بهذا الرمز الطفولي الممزوج بالمتعة. ويبدو خطاب بوجمهور في المقدمة والذي اتسم بطبيعة كلاسيكية تتوافق مع الاسترجاع والذكرى التي يبصر منها شاعر بعد أن اكتملت تجربته ومرّ في مراحل الشعر والحياة الى أيام طفولة غضة كانت فيها عيناه تحدقان في بالون يطاول السماء. ويتحول الشاعر الى وصف البالون الأزرق: صديقنا البالون تملؤه أنفاسنا يحمله إحساسنا برغم حبه لهذه السماء لا يكره التراب ويستمر في وصف البالون من داخله، محاولاً “أنسنة” تلك المشاعر حيث يقول: صديقنا البالون يلاعب الرياح يداعب الطيور يضحك من حكاية السحاب وكلما فكر بالتراب يغصُّ باكتئاب وفي ذلك يستخدم سالم بوجمهور استعارات على سبيل المشابهة، إذ اللعب والمداعبة والضحك سمات ليست له، ولكنه أسبغها عليه لكي يحول الطفولة والبالون كونهما حالتين متزامنتين الى حياة داخل نصه الشعري. يبدأ الشاعر بـ “صديقنا البالون” كي يشير الى أن كل الصفات اللاحقة في القصيدة ما هي إلا صفات لصديق عاش مع الشاعر وليس البالون من الهواء، إنه حالة من الذات والاندماج بها حين تخرج روح الشاعر/ الطفل لتستقر في جسد البالون “تملؤه أنفاسنا” لتتأكد صفة الصداقة التي ينشدها الشاعر والتي تجعل البالون يطير من أحاسيسه العميقة اتجاه صديقه المحلق عالياً. وتتعمق “الأنسنة” هنا في القصيدة حيث: صديقنا البالون يقول للأطفال: لولاكم ما كانت الطيور أطير في الفضاء أنفاسكم تبدعني تبث فيّ الروح والحياة في هذا المقطع يتحول الشاعر الى أن يكون البالون شخصية النص الشعري الأول، فهو الذي يحاور ويتكلم ويوجه الخطاب، ويتحول الخطاب السابق الذي اضطلع به الشاعر الى خطاب لاحق بطله البالون نفسه الذي يخاطب الأطفال واصفاً ذاته كالطير في الفضاء بفعل الأنفاس التي بثت في جسده. في السطر الشعري “أنفاسكم تبدعني” محاولة تبدو إقصاء واستنكاراً لهذا البعد “ كما أرى في استبدال اللفظة الى تبعدني من البعد كي تتحقق النشوة عند الطفل “ الذي أسهمت فيه الأنفاس، إلا أن السطر الآتي “تبث فيّ الروح والحياة” تقرب الصورة باتجاه إيجابي، إذ كلما بعد البالون من كثرة أنفاس الأطفال زادت البهجة في الروح والحياة، أي أن المتحقق في الطيران البعيد هو روح الطفولة في جسد البالون، وهنا تتفجر البهجة: أشعر أني مثلكم أحس بالطفولة وأعشق الألعاب أود أن أرسم بالألوان أشكل المعجون قطة وبطة وأنباً ومركباً هذه القصيدة هي مفتح موضوعة الديوان، حيث بثها سالم بوجمهور كل شعريته التي حلم بأن يهبط بها الى أبسط المشاعر وأرق الخطابات “أشعر، أحس، أعشق، أود، أشكل” وجميعها أفعال غير حسية، بل هي مليئة بالمشاعر التي توافق الحالة ولا تفارقها. فالإحساس بالطفولة بعشق اللعب وبنزول البالون ثانية الى الأرض، حيث الأطفال يرسمون قطة وبطة وأرنباً ومركباً، وهو في ذلك يعود الى أحضان الأطفال وليس الى التراب. ويبدو أن هبوط البالون في خطابه ذاك بعد أن صعد بأنفاس الأطفال الى السماء قاد سالم بوجمهور الى أن يحلق بالصورة الشعرية على لسان البالون: أحبابي الأطفال تسحر قلبي لعبة سحرية أحبها لكنكم سميتموها خطأً “كتابة” يسحر قلبي قلم تواضعت صفاته أراه دوماً في سجود كأنه نبيّ يعلم العالم والوجود في هذا المقطع يقترب البالون من الطفولة ويعبر عما يسحر قلبه، وهي “لعبة سحرية” أطلقنا عليها “الكتابة”، يفهمها البالون على أنها لعبة ونحن نفهمها على أنها معرفة وعلم. هو يفهمها بشكل بريء، ونحن نفهمها بشكل مقصود، ويستغل سالم بوجمهور هذه النظرة فيقول على لسان البالون “يسحر قلبي قلم” ويعطيه صفة أخلاقية “تواضعت صفاته” وشبهه “كأنه نبيّ”. هنا يتحول سالم بوجمهور بغرض القصيدة من معناه الطفولي الى معنى أخلاقي، من البراءة الى التوجيه داخل البراءة ذاتها، الى التعليمية في النص “تواضعت صفاته”. ولم تبق أنسنة سالم بوجمهور للبالون في اطارها الخاص، بل تعداها الى زمان ومكان مختلفين، مبحراً مع البالون، وهو يحلق عالياً فوق خرائط الزمان والمكان وهذا ما أطلقنا عليه بالإنساني في شعره.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©