السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متحف القرية التراثية شاهد تاريخي على ثراء وأصالة البيئة الإماراتية

متحف القرية التراثية شاهد تاريخي على ثراء وأصالة البيئة الإماراتية
9 أغسطس 2014 17:21
رحلة ممتعة ومجانية إلى أعماق التاريخ الإماراتي، يمكن أن يقوم بها أهل أبوظبي، عبر المتحف التراثي الموجود بالقرية التراثية في منطقة الكاسر بكورنيش أبوظبي الذي يستقبل أعداداً كبيرة من المواطنين والمقيمين، بالإضافة إلى زوار العاصمة الإماراتية القادمين إليها من أنحاء العالم، ليعيشوا أجواء الضيافة الإماراتية بالغة الرقي، والتي جعلت أبوظبي مقصداً سياحياً عالمياً، لما تضمه من أرقى ألوان الحياة العصرية، جنباً إلى جنب مع مشاهد التراث والتاريخ الإماراتي الضارب في القدم، والذي يطل على الزائرين شامخاً بما أرسى دعائمه الأجداد وسار على نهجه الأحفاد. إبراهيم الحمادي، مدير القرية التراثية، اصطحب «الاتحاد» في جولة داخل المتحف، مستعرضاً أهم محتوياته التاريخية، والتي تعكس ألوان التراث والبيئات المختلفة المكونة للمجتمع الإماراتي. يقول الحمادي: «إن المتحف هو الوحيد في مدينة أبوظبي المختص بأشكال الحياة الإماراتية القديمة، ويعرض مقتنياته على الجمهور طوال العام، ويعتبر ملتقى للباحثين عن جماليات التراث الإماراتي من أفراد عاديين وباحثين تراثيين من مختلف الهيئات العلمية والتعليمية». بدأت الجولة من الجانب الأيمن للمتحف الذي أقيم على هيئة قلعة قديمة، باعتبار القلاع والحصون أبرز أشكال فن العمارة التي عرفها أهل الإمارات، وهناك يجد الزائر أشكالاً مختلفة للزي الإماراتي التقليدي للنساء ومنه ما يعرف بالـ «سويعية»، وهي عبارة عن عباءة تبدأ من الرأس ومشغولة بالزري من الجانبين، بالإضافة إلى الرداء المعروف لرجال الإمارات، والمكون من الغترة والعقال والبشت، حيث كانت المرأة مسؤولة عن صنع ملابسها، وكذلك ملابس الرجل، حيث كانت تقوم بتهيئة الصوف وغسله وفرده، ثم غزله إلى خيوط كانت تحاك منها أشياء كثيرة «كالزرابيل» مثلاً، والزربال هو بمثابة الجوارب في وقتنا الحاضر. منتجات المرأة هنا أيضاً بعض منتجات المرأة المصنوعة من سعف النخيل، التي يبرز المرأة خلالها قدرتها على الاستغلال الأمثل لموارد البيئة المحدودة آنذاك وصنع اشكال جميلة ونافعة من منتجات النخيل تفيد في الحياة اليومية. ثم ركن الحناء، حيث كانت الحناء ولا تزال من أجمل الطرق التقليدية لزينة المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي اشتهرت بها أكثر من بقية مناطق الخليج العربي. فقد كان نبات الحناء يمر بمراحل عديدة قبل تحويله إلى عجينة صالحة للزينة، حيث كان الورق يجفف أولاً ثم يطحن ويحول إلى عجينة تحفظ في حاويات خاصة تكون جاهزة للاستعمال. كذلك المشغولات الفضية التي كانت تستعملها المرأة في الزينة، كان لها حضورها ضمن مقتنيات المتحف، ومنذ أقدم العصور أدرك الإماراتيون جمال الفضة التي احتلت مكاناً بارزاً بين المعادن الأخرى التي استعملت في صناعة حلي وأدوات زينة المرأة. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة وكذلك مناطق كثيرة من الخليج العربي تغلبت الفضة على الذهب، مع أن كليهما استعمل منذ الألف الثالث ق. م. كما تدل المكتشفات الأثرة. وبالرغم من أن المصوغات الفضية كانت تستخدم للزينة بالدرجة الأولى فقد كان للبعض وظيفة أخرى، ألا وهي حماية مرتديها من الشر والحسد، فالتعاويذ مثلاً كانت سلاحاً سحرياً ضد الحسد، وكذلك «الحروز» التي كان البعض منها يحمل سورا وآيات من القرآن الكريم. الحلي الفضية تتنوع الحلي الفضية التي كانت تستخدم في دولة الإمارات، وكذلك مثيلاتها في سلطنة عُمان وتأثرت الواحدة بالأخرى بحيث يصعب التعرف على المصدر الأصلي للقطعة الواحدة. والمجموعة المعروضة تشتمل على عقود استخدم فيها دولار «ماريا تريزا» المعروف محلياً بالريال الفرنسي وهو عنصر رئيسي في صناعة العقد. وتشتمل المجموعة أيضاً على معاضد وحجول وأساور. ثم يتجه الزائر يساراً ليجد مجموعة أخرى من أدوات الزينة والأواني المنزلية المصنوعة من الفضة، حيث كانت المرأة تتزين بالفضة في السابق وتحفظ أدوات الزينة في «سحارة» من الخشب كانت تستعمل من قبل تجار اللؤلؤ، كذلك يجد الزائر آنية من البرونز ربما استعملت لحفظ اللبن، و«صفرية» لنقل مياه الشرب كانت النسوة تحملها على الكتف، ودلة قهوة ذات صناعة تقليدية، وأطباق من البورسلين وأباريق من الزجاج، بالإضافة إلى مجموعة أدوات منزلية وهي عبارة عن «محماس» وطبق خشبي للعجين وهاون من الحجر وأخرى من الحديد مع سلة من الخوص. وفي ذات المكان تطل بعض من دلال القهوة مع أباريق ومغسلة، وقدور وسلة خوص وناء ذي مصب مع صينية جميعها كانت جزءا من أثاث البيت الإماراتي، و«سعن» مصنوع من جلد الماعز مع «هبان» أصغر حجماً لحفظ السمن واللبن مع أوان ذات أشكال مختلفة مصنوعة من الجلد، وأوان وجرار فخارية، كانت تستخدم في الاستعمالات اليومية. ويعرج زائر المتحف مرة أخرى إلى اليسار ليجد معرضا للصور عن أبوظبي قديما يحتل الجدار الأيمن، ومنه صور«العريش»، وهو بيت من سعف النخيل، ومصلى العيد خارج قصر الحاكم في أبوظبي، المدرسة النهيانية واحدة من أقدم المدارس في أبوظبي، بالإضافة إلى صورة لمدينة أبوظبي في الستينيات من القرن الماضي. الركن البحري يقابل معرض الصور، الركن البحري، ويعرض أشكال الحياة البحرية في الإمارات ومنها شبكة لصيد السمك مع سنارة وحبل لقياس عمق مياه البحر ومكاشط وأداة لقياس سرعة السفينة، ومراسي لقوارب مختلفة الأحجام، ورافعتان كانتا تستعملان على ظهر القوارب، و«جرجور» لصيد الاسماك، ونماذج لعدد من القوارب التي كانت تستعمل في منطقة الخليج مع شبكة صيد، ومنظار كان يستعمل لفحص اللؤلؤ، وفرش لتنظيف اللؤلؤ. حيث استخدمت هذه الأدوات التي تشتمل على ملاقط ومغرفة من قبل تجار اللؤلؤ. وفي الجزء الأخير من المتحف نجد مجموعة من الخناجر المزينة بخيوط الفضة، ليعرف الجميع أن الخنجر كان قبل بضعة عقود من الزمن جزءاً من الزي الوطني لأبناء الإمارات وهو لا يزال كذلك في سلطنة عُمان، حيث تعددت أشكال الخناجر وطريقة زخرفتها كما اشتهرت أماكن كثيرة من أرض الجزيرة بصناعتها، وهناك ثلاث من البنادق المسماة محلياً «الصمعة» وجمعها «صمع» وهي تمثل النوع الأحدث من البنادق التي استعملت قبل عدة عقود من الزمن. ومحفظة بارود التي تعرف باسم «تلاحيج» بلهجة أهل الإمارات، وبندقيتان من النوع المسمى «بوفتيلة» وهي من أقدم البنادق التي استعملت في دولة الإمارات العربية المتحدة. واستمتاعاً بجمال العمارة الإماراتية العريقة التي بني بها المتحف وتتسم بالبساطة والاعتماد على المكونات المحلية، يتابع الزائر جولته وهو يطالع أدوات الإضاءة البسيطة التي زينت أسقف المتحف، واستخدمها الإماراتيون قبل عقود طويلة، وتم استخدام نفس أشكال الإضاءة لتنير ردهات المتحف لتعطي الشعور بجمال التراث وقيمته في نفوس أبناء الإمارات وزائريها. أدوات الحياة ويشير الحمادي، إلى أن المتحف يجمع مشاهد البيئات في دولة الإمارات العربية المتحدة ويعكس ثراء مكونات المجتمع المحلي للدولة، عبر عرض أدوات الحياة التي استخدمها أهل الإمارات، كما أن وجود المتحف ضمن القرية التراثية في منطقة كاسر الأمواج بأبوظبي يجعل منه ملتقى لعشاق التراث الإماراتي على اختلاف جنسياتهم وثقافتهم وهو ما نراه عبر الأعداد الكبيرة التي تزور المتحف شهريا وتصل إلى 3500 شخص مختلفة الثقافات والأفكار والشرائح العمرية والمجتمعية، والمتحف يفتح أبوابه للجمهور طوال أيام الأسبوع من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً عدا يوم الجمعة حيث يبدأ العمل به من الثالثة والنصف عصرا وحتى التاسعة مساءً، أما في أيام المهرجانات والمناسبات والعيد الوطني يكون العمل من التاسعة صباحا وحتى التاسعة مساء، وكل مرافق المتحف والقرية التراثية المحيطة به، متاحة للجمهور مجاناً، وهو ما يجعل عدد رواد المتحف في ازدياد مستمر، خاصة وأنه مقام على مساحة مناسبة تبلغ حوالي 500 متر ضمن القرية التراثية ذات الطابع الإماراتي الخالص والمقامة على مساحة 1680 متراً في منطقة هي الأروع جغرافيا ومناخيا في أبوظبي. تحديث وتطوير يوضح الحمادي أن اختيار القرية التراثية لإنشاء المتحف بها في عام 1995، يشكل إضافة للأجواء التراثية التي تجمع البيئات المختلفة في الإمارات من زراعية وبرية وبحرية، حيث يلعب المتحف دوراً كبيراً في تعريف زوار القرية وضيوف الدولة وطلاب المدارس والجامعات على الموروث الإماراتي، كما أنه يتيح لكثير من الطلاب عمل مشاريع تخرجهم في المتحف أو القرية التراثية من خلال عمل تصميمات هندسية وأبحاث تراثية بمساعدة مدربين تراثيين، بخلاف المترجمين الذين يقومون بترجمة محتويات المتحف للزوار. ويلفت إلى أنه الآن يتم إخضاع المتحف لعمليات تطوير وتحديث لأنظمة التكييف والإضاءة وغيرها من الأمور بغرض توفير أقصى درجات الراحة لزوار المتحف، حيث توجد كثير من المساحات الخضراء المحيطة به، التي تتيح للزائر التجول فيها والاستمتاع بمشاهد تراثية مختلفة مثل السوق الشعبي وبيوت الشعر وغيرها من نماذج الحياة الإماراتية القديمة التي انتشرت أشكالها بعناية في أرجاء القرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©