السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أدوات التدخين وتاريخها في الفنون الإسلامية

أدوات التدخين وتاريخها في الفنون الإسلامية
8 أغسطس 2014 22:26
رغم أن التبغ عرف في الشرق الإسلامي بعد اكتشاف الأميركتين وعقب استخدامه في أوروبا كمخدر لتسكين آلام الصداع، إلا أن الصورة الذهنية السائدة تجعل من تدخين التبغ عادة شرقية، وذلك بسبب النرجيلة (الأركيلة) التي كانت شائعة الاستخدام في مناطق عدة من ديار الإسلام حتى قبل معرفة زراعة التبغ. بغض النظر عن عادة التدخين شديدة الخطر على حياة الإنسان والتي هاجمها الفقهاء ونظروا إليها بكل التوجس، فإن الفن الإسلامي لم يتأخر لحظة عن مواكبة انتشار تلك العادة، فصنع لها ما يقوم بوظائفها من أدوات لم تخل من طابع الجمال مهما كان زهد ثمنها وامتهان مادتها. ويجب أن نشير بداية إلى أن التدخين في الشرق يسبق نقل كريستوفر كولومبوس، ثم بحارته التبغ إلى أوروبا في القرن 16م، إذ انتشرت في بقاع مختلفة منه عادة تدخين نبات القنب الهندي كمخدر أباح بعض المتصوفة تعاطيه. النرجيلة ومن عالم تدخين حشيشة الفقراء أي المتصوفة إلى مجال تدخين التبغ انتقلت عدة أدوات ممتهنة لعل أهمها الشبك، ثم النرجيلة التي يدل اسمها على أنها من أصل هندي يعتمد على استخدام هيكل ثمار جوز الهند. وينبغي الاعتراف بأن تدخين التبغ الذي تمت زراعته في المناطق الشمالية المحيطة بشرقي البحر المتوسط، وبالتحديد في تركيا وسوريا الكبرى قد اجتذب الفئات العليا من المجتمع أيضاً وأصبحت جلسات التدخين في المقاهي، وفي الدور جزءاً من الحياة الاجتماعية اليومية بدءاً من القرن 11 الهجري «17م»، وهو ما حفز الصناع على تجويد منتجاتهم من أدوات التدخين ومنحها طابعاً من الجمال الفني. ويعد الشبك أبسط أدوات التدخين ويعرف صانعه بالشبكشي، وهو يتألف تقليدياً من بوصة تختلف أطوالها وحجر يوضع به التبغ ومن فوقه قطعة الجمر ويصنع هذا الحجر من الفخار بأشكال فنية شتى، وبعضها له رأسان لزيادة فاعلية التدخين وعادة ما تتم زخرفة تلك القطع الفخارية بزخارف نباتية أو هندسية بسيطة. لمسات فنية ويمتد الفن بلمساته الثرية إلى بوصة أو قصبة التدخين التي قد يصل طولها إلى أربعة أو خمسة أقدام، كما لاحظ الرحالة البريطاني وليم ادوارد لين خلال رحلاته إلى مصر في الثلث الأول من القرن 19م. فكانت القصبة تغطى بالحرير المحكم عند طرفي البوصة بأسلاك من الذهب وأشرطة الحرير الملون أو توضع عند طرفيها ماسورتان من الفضة المذهبة، ويجري بشكل دائم ترطيب الغطاء الحريري لتخفيف حدة الحرارة عن طريق التبخير، أما الفم فيتكون من قطعتين أو أكثر من الكهرمان الأصفر يصل ما بينهما أو بينها زخارف من الذهب المرصع بالمينا والحجر اليماني واليشب والعقيق وهو بالجملة أفخم أجزاء الشبك. وتشهد أسواق تجار العاديات في العديد من الدول العربية مزادات شبه يومية لبيع أجزاء من الشبك التي لم تعد تستخدم اليوم في التدخين، وخاصة من الحجر الفخاري الذي يزدان غالبا بزخارف محلية معروفة. مخترع النرجيلة أما النرجيلة أو الأركيلة والتي يعرفها البعض باسم «الشيشة»، فهي أكثر أدوات تدخين التبغ انتشاراً في الشرق ورغم ابتكار أميركا للسجائر التي نشرت عادة التدخين الفردي، فإنها ما زالت تقاوم خطر الانقراض بكفاءة لافتة. ويغلب على الظن أن مخترع النرجيلة هو الطبيب حكيم عبد الفتاح الذي عاش بالهند في عصر أباطرة المغول، وذلك بغرض تدخين الحشيش، ومن الهند انتشرت النرجيلة شرقاً لتتخذ عدة مسميات محلية ثم غزت أوروبا لاحقاً والأميركتين مع المهاجرين العرب بوجه خاص. وعلى الرغم من التخلي عن استخدام لحاء ثمار جوز الهند في صناعتها، إلا أن مسمياتها الأكثر انتشاراً اشتقت من اسم تلك الثمرة في لغات الهند المختلفة فهي تعرف باسم نركيلة في العراق، وأركيلة في فلسطين والأردن وسوريا، وأركيلي في لبنان. أما الاسم الأكثر انتشاراً في شمال أفريقيا والخليج العربي، فهو الشيشة ومعناه بالفارسية الزجاج، فهو عائد لاستخدام الزجاج في صناعتها عوضاً عن ثمار جوز الهند. وتعرض بعض المتاحف العالمية قطعا فنية غاية في الفخامة والجمال الفني من النرجيلة أو الشيشة بعضها يحمل صور أمراء، بل وملوك وسلاطين من الهند المغولية وإيران الصفوية وتركيا العثمانية صنعت من أجلهم تلك التحف الثمينة، إذ كان وجودها من ضمن تقاليد البلاط في القرنين 12 و13 للهجرة «18 - 19م»، ونقلت تلك الصورة الذهنية إلى أوروبا بوساطة الرسامين المستشرقين، مثلما نرى في صورة رسمها الفنان الإيطالي فاروتشا لسلطان أو أمير يدخن الشيشة في عام 1883م، وكانت هذه الصورة قد بيعت مؤخراً في إحدى صالات سوثبي للمزادات الفنية. القليان ويحتفظ متحف اللوفر في باريس بعدة نماذج من النرجيلة أو الشيشة من بينها قليان أي فقاعة بالفارسية، وهو الاسم المعروفة به قاعدة الشيشة في الفارسية نظراً لظهور فقاعات الهواء بها أثناء عملية التدخين. وهذه القاعدة صنعت من خزف صلصالي في أواخر القرن الحادي عشر الهجري «17 م»، وهي تعكس بأرضيتها البيضاء القصديرية ورسومها النباتية باللون الأزرق مدى تأثر صناع الخزف بقطع الخزف منذ عهد أسرة مينج، مثلما تبرهن على مدى تعقد روابط الاتصال الحضاري بين الأمم، فتلك القطعة الفارسية التي صنعت تقليداً لخزف الصين، إنما كانت تستخدم لتدخين التبغ القادم من الأميركتين. ومن الهند المغولية يعرض متحف اللوفر قاعدة نرجيلة، وهي تعرف في اللغة الأوردية باسم «هوكا»، وهي من الزجاج المشكل بالنفخ وقد طليت زخارفها بالميناء والذهب وترجع تلك التحفة الفنية للقرن الثاني عشر الهجري «18م». قطعة نادرة ومن اللافت للنظر في زخارف الهوكا ذات الفتحة الواحدة أنها تعتمد على باقة زهور الخشخاش في الوسط، بينما تزدان عند القاعدة والعنق بشريط من زخارف الزهور الصغيرة والأوراق النباتية، ويبدو طابع الفخامة فيها واضحاً في كثرة الزخارف المذهبة فيها ولا عجب في ذلك إذ كانت عادات تدخين التبغ، بل والحشيش منتشرة داخل البلاط المغولي بالهند وتعتبر من قطع الزجاج المغولي النادرة في العالم. وفي مجموعة الشعلان الفنية بالرياض هوكا مخروطية الشكل ذات فتحة واحدة تعود لذات الفترة من القرن 12هـ، ولكنها مصنوعة من الفولاذ المكفت بالفضة، بينما تدور حول العنق صفيحة من النحاس الأصفر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©