الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الحرب على لبنان وزمن تبرئة العدو

13 أغسطس 2006 01:39
خالد عمر بن ققه: اتخذ الحديث عن الحرب الدائرة رحاها منذ شهر على الأرض اللبنانية صيغاً متعددة، لعل أهمها تلك التي ركزت على مسألة الأمن القومي العربي، مع أن ذكر ذلك يحتاج إلى إعادة نظر، وعلينا النظر إلى اجتماع وزراء الخارجية الأخير في بيروت ثم تشكيل وفد يضطلع بمهمة التأثير على قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن ضمن هذا السياق، ولن نناقش هنا مدى القبول الدولي للمطالب العربية لجهة تعديل المشروع الأميركي ـ الفرنسي، ولا إعطاء إيحاءات جديدة لمواصلة تدميرها للبنان، ولا حتى ردود أفعال الشارع العربي والإسلامي والعالمي، إنما الحديث هنا سينصب حول التراجع الملحوظ ليس فقط للوعي بأبجديات الأمن القومي، إنما بحدود الدولة القطرية من ناحية الوجود والحفاظ على أمن هذا الشعب أو ذاك ، مادامت الصورة الراهنة قد كشفت عن تغير في الأولويات، وعلى تكريس واقع يتناقض مع الفعل السياسي الدولي حيث تدفع العولمة إلى مزيد من التكتلات، وهو ما يختلف مع الماضي القريب سواء في الحروب العربية التي حملت شعار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو في السلام، تحديداً لقاء مدريد، وما سبقه من موقف فلسطيني في أوسلو في ما عرف بـ(غزة - أريحا أولا) · تراث التحرر··والحروب في تراث حركات التحرر العربية اعتماد واضح على البعد المحلي لجهة المشاركة البشرية إلا في حدود ضيقة من ذلك مثلاً مشاركة بعض العرب والأجانب في القتال إلى جانب الجزائريين أو إلى جانب الفلسطينيين، لكن هناك مساهمة واسعة في الدعم المادي، وهذا على عكس الحرب الحالية ضد إسرائيل، ففي كل الحروب السابقة، كانت الجيوش العربية موجودة لتعبر عن مشاركة معظم الدول العربية مع أن حرب 1973 كان هدفها تحرير الأراضي المصرية والسورية وليس فلسطين، ثم أتضح بعد أن وضعت الحرب أوزارها أن الهدف منها - على الجانب المصري- هو تحريك المبادرة السياسية نحو الاعتراف بإسرائيل، ثم تغطية ما تقوم به في سنوات لاحقة، ما يعني التغير في الذهنية السياسية العربية على مستوى القيادات على اعتبار أنه لا يمكن محاربة أميركا، إذا بهذه الأخيرة تأتي لمحاربة العرب، بما في ذلك الأنظمة المتحالفة معها - أو هكذا ادعت- مثل النظام العراقي السابق، أو قوى 14 مارس في لبنان · وبناء على التاريخ العربي المعاصر الذي يجعل من فلسطين القضية العربية الجوهرية ولب الصراع، حتى لو حارب العرب في شتى بقاع الدنيا، فإن التخلي عن الفلسطينيين بأساليب مختلفة ودفعهم إلى مزيد من التنازلات، يعتبر إعلاناً من النظام الرسمي العربي للتخلي عن العمل العسكري، ليس فقط لكون السلام خياراً استراتيجياً حتى لو رفضت إسرائيل ذلك، أو موت العملية برمتها كما جاء على لسان الأمين العام لجامعة الدول العربية، وإنما لما هو أهم، حيث يدور الخطاب السياسي العربي حول مسألة أساسية هي تكريس دور الدولة القطرية بعيداً عن المجموعة العربية، وبالتأكيد أن الذي يقصده هو طبيعة السلطة وشرعية النظام، لأن الدول لا تقوم بمعزل عن علاقات تحدد وجودها ضمن خيارات الحرب والسلام أو التنمية والاستقرار· الخطاب السياسي العربي - السابق الذكر- لا ينطلق من التفكير في تحويل القضايا الكبرى إلى قضايا صغرى، ومن قومية إلى شعبية، ثم إلى جمعية، وفي أحسن الأحوال مجتمعية ، بل إنه بدأ في تنفيذ ذلك بغض النظر عن ردود أفعال الجماهير، حيث لا يرى أهمية في الاستناد على الموقف الشعبي، الذي اتخذ منه مدخلاً ومبرراً لرفض العمل القومي، والحرب الراهنة على لبنان تكشف عن عمل منظم هدفه تكريس قناعات سياسية يرى أصحابها: أن لا جدوى من الحرب مادامت القوة غير متوازنة · رسالة فلسطين تلك عدم قراءة واعية للتاريخ البشري، لأن الحروب ليست مقابلات لكرة القدم، ولكنها دائماً تفرضها قوة كبرى هي فريق المستكبرين على الشعوب الضعيفة، التي تمثل فريق المستضعفين، أو يقوم به هؤلاء للتحرر من العبودية والاستعمار، يحركهم الشعور بالظلم والوعي والأيديوجيا وفطرة الإيمان، ويدفعون من أجل ذلك حياتهم، تجارب الأمم ملآى بمثل تلك الحالات لو انتظر الفيتناميون أو الجزائريون توازن القوة وتوافر الشروط الموضوعية للنصر لما واجها المستعر الأمريكي والمستعمر الفرنسي· · لقد كشفت الحرب الدائرة الآن على أرض لبنان التخلي العربي الرسمي من الناحية الاستراتيجية عن القضية المحورية - فلسطين - وبالتبعية لبنان، والوقوف ضد أي عمل فيه روح المقاومة، على اعتبار أن ذلك يؤدي للحرب ونحن غير مستعدين لها، بل ولا ننوي الاستعداد لها في المستقبل، بدليل أن إسرائيل تقصف لبنان وبعض الزعماء العرب يرى أن الحل في الحوار مجتمعين وتبادل المنافع والمصالح معها، وفي الوقت الذي تدمر فيه لبنان، هناك من يراهن على حدود معينة لا يمكن أن تتجاوزها، رسالة لبنان موجهة للفلسطينيين، حيث إن القبول بالقضاء على دولة قائمة، ينتهي بعدم السعي إلى استرجاع دولة محتلة منذ خمسة عقود· الملاحظ أن الأمن القومي العربي قد اختصر في الحدود الجغرافية بالنسبة للحروب الماضية، أما الآن فإن احتلال دولة عربية وتفكيكها كما هي الحال في العراق، وتدمير لبنان وإشعال حرب أهلية جديدة في السودان وتهديد سوريا لم يعد ضمن الحفاظ على جغرافية الدول العربية، ويروّج لهذا ضمن سياق سياسي وخطاب إعلامي مركز، ظهرا جلياً خلال أيام الحرب الراهنة، مع وجود تناقض بين الشعارات والفعل العسكري، حيث يحمل الاعتداء الإسرائيلي على لبنان اسم الحرب السادسة، المقصود هنا بين العرب والكيان الإسرائيلي· الحزب··والعرب حزب الله لا يعامل باعتباره يمثل دولة عربية تقف في مواجهة إسرائيل، وإنما كمنظمة دفعت بالبلاد إلى التدمير، ما يعني تبرئة العدو، والمراقب للخطابين الإعلامي والسياسي العربي، يجده لا يختلف كثيراً عن نظيره الإسرائيلي، لجهة التأكيد على انفراد حزب الله باتخاذ قرار الحرب، ولذلك فهو ليس مقاومة تمثل الإجماع اللبناني، ولهذا يحاولون نزع صفة المقاومة الوطنية عنه، بل أحياناً لا تذكر عبارة المقاومة الإسلامية، ولولا إفشال اللبنانيين للفتنة التي يعمل العدو على بثها بينهم، لوجدنا الآن من يحارب إلى جانب إسرائيل كما حدث في الماضي القريب· من ناحية أخرى نلاحظ تغير العبارات السياسية نتيجة لتغير المواقف آخذة في التراجع فمن قضية الأمة العربية جميعها من الخليج إلى المحيط إلى قضية دول المشرق العربي، ثم أصبحت خاصة بدول الطوق، وبعد مدة قصيرة صارت قضية مسارات: المسار المصري، ثم الفلسطيني، ثم المسار الأردني - المصري، ثم المسار السوري ـ اللبناني، ثم انفصل المساران، كل عن الآخر، وذهب كل في طريقه ووفقاً لحساباته السياسية والنتيجة ما نراه اليوم حرب حزب الله، وليست حرب العرب أو حلقة جديدة من الصراع العربي ـ الإسرائيلي، مع أن لبنان دافع عن عروبته ثقافياً وحضارياً وعسكرياً، وقد قام ولا يزال بذلك اختياراً وليس إكراها على حد قول رئيس الحكومة اللبناني فؤاد السنيورة، حين ذرف الدموع حزناً على بلد قدم الكثيرمن أجل العرب، حافظ على الأمن القومي العربي على المستوى الثقافي حين تخطف الأمم العرب وأرضهم ولغتهم ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©