الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يهودي السينما التّونسيّة.. طيّب ومظلوم

يهودي السينما التّونسيّة.. طيّب ومظلوم
19 يناير 2011 20:10
تبدو صورة اليهودي التّونسي دائما صورة مثاليّة في الأفلام التونسية، ففي الفيلم الأخير للمخرج محمّد الزرن: “زرزيس” ظهرت فيه شخصية “شمعون” وهو يهودي من مدينة “جرجيس” صاحب دكان عطارة يبيع فيها ما يحتاجه الناس من لوازم المطبخ والبيت، وهو أيضا عراف يساعد الفتيات العوانس على إيجاد عريس، والمخرج يقدمه في شريطه كفاعل خير لا يبحث عن المال وإنما يكتفي أحيانا بالدعاء له، وكسّر الزرن في فيلمه الفكرة الراسخة عن اليهودي المحب للمال والبخيل ليقدم نموذج اليهودي الكريم المترفع عن المادة، ورغم أن الفيلم يقدم شخصيات أخرى حقيقية، كالمعلم، والشاب الحالم بالهجرة، والرسام العائد من فرنسا، إلاّ أن تركيزا خاصا كان على شخصية اليهودي التونسي، وحسب اعتراف المخرج نفسه فإن شمعون هو: “رجل محبوب، يساعد ضعاف الحال والمرضى”، وذهب محمد الزرن الى حد وصف شخصيّة شمعون الحقيقية بأنه “كنز”. وفيلم “زرزيس” لمحمد زرن هو أقرب للأفلام الوثائقيّة منه إلى الأفلام الروائية، والشخصيات التي ظهرت فيه هي كلها شخصيات حقيقية، فالشريط يروي قصة مدينة “جرجيس” مسقط رأس المخرج محمد الزرن وعنوان الشريط يشير الى اسم المدينة كما ينطقه الناس، وأغلب شخصيّاته هم من أهالي المدينة وقد صورهم المخرج في حياتهم اليومية مبرزا حبهم لمدينتهم وطيبتهم وتمسكهم بالعيش والإقامة فيها، وقد مات “شمعون” قبل عرض الفيلم في الصالات. ولم يكتف الفيلم بابراز شخصية شمعون بل صور الطقوس اليهودية عند زيارة معبد “الغريبة” بجزيرة “جربة” المتاخمة لمدينة جرجيس ورافق المخرج شمعون في زيارة له لما يعرف بالحج إلى معبد “الغريبة”. ويرى المخرج أنّ في إبراز أحد اليهود التّونسيين إشارة إلى التّسامح الّذي طبع دائما المجتمع التّونسي وأنّه أراد أن ينقل للغرب صورة من التّعايش السّلمي بين اليهودي والمسلم في المجتمع العربي، والحقيقة أنّ اليهود التّونسيين في مدينة جرجيس هم قلة وإن إبراز شخصيّة اليهودي التّونسي في صورة مثاليّة ربّما تخفي أيضا رغبة المخرج في تسويق شريطه في الغرب. الجدير بالذكر أن الكثير من الأفلام التونسية أقحمت اليهودي في السيناريو كما فعل المخرج النوري بوزيد في فيلم “ريح السد” ولقد أعلن النّوري بوزيد منذ بداية مسيرته السينمائيّة أنّه سينجز أفلاما “قادرة على قول كلّ شيء”، وقبل فيلم “ريح السد” لم يكن لليهودي وجود في الأفلام التّونسيّة، وقصّة الشّريط تدور حول شاب (الهاشمي) يعيش في مدينة “صفاقس” (280 كلم جنوب تونس العاصمة وهي مسقط رأس المخرج) كان تعرّض لاعتداء جنسي عندما كان طفلا، ولمّا حان وقت زواجه، فإنه تعرض لأزمة نفسية والتجأ إلى “ليفي” اليهودي التونسي ليروي له قصته ويطلب منه النصح، وتعمد المخرج إظهار اليهودي في صورة رجل طيب مسامح، وهو شخصية حقيقية، أي أن الدور لم يجسده ممثل محترف بل أدّاه “ليفي” نفسه، وتظهر في لقطات نجمة داوود، ولأنّ فيلم النّوري بوزيد لاقى نجاحا جماهيريّا كبيرا مما دفع بالبعض إلى حدّ تحرير عرائض (عام 1986) معارضين دس قصّة اليهودي الذي يلتجأ إليه الشاب طالبا النّصيحة، وقد توقف الناقد المصري سمير فريد لدى مشاهدته لفيلم “ريح السدّ” عند مشهد اليهودي وقال حرفيّا: “لو يحذف المخرج هذا المشهد من الشّريط فإنّ الفيلم يصبح إبداعا عربيا”، والتّونسيون يقولون إنّ هناك يهودا تونسيّين ناضلوا أيّام الاستعمار الفرنسيّ إلى جانب الحركة الوطنيّة، وقال النّاقد المصري أنّ اليهودي في شريط النّوري بوزيد “هو أحد مفاتيح الفيلم رغم قصر المشاهد”. أما فيلم: “صيف في حلق الوادي” للمخرج فريد بوغدير فإنّه يروي قصّة ثلاث عائلات مسلمة، ويهوديّة ومسيحيّة تعيش في مدينة “حلق الوادي” (المتاخمة لتونس العاصمة)، وهناك مشهد في هذا الفيلم الأخير يظهر فيه التونسي المسلم ظالما لليهودي حينما طرده من البيت الذي أجره له، ورغم أن القصة تدور أحداثها عام 1967 بمدينة “حلق الوادي” إلاّ أنّ المشهد كان محمّلا برموز وإشارات لا تخفى وتم تمريرها في مجرى الأحداث، فأن يظهر اليهودي في الشّارع مع حاجياته بعد أن طرده صاحب الدّار وهو عربي مسلم فهو مشهد لا يمكن أن يكون اعتباطيا، ولمّا سئل المخرج فريد بوغدير المعروف بميولاته نحو إرضاء الغرب في أفلامه عن هذا المشهد أجاب بأنّه لم يقصد من ورائه شيئا! يعيش اليوم في جزيرة جربة (500 كلم جنوب تونس العاصمة) أكبر عدد من اليهود التونسيين (حوالي 900 شخص) يقيمون في “الحارة الكبيرة “ و”الحارة الصغيرة” حيث يقع معبد “الغريبة” وهم من اليهود المحافظين المتدينين، أما بقية اليهود التونسيين فهم حوالي 700 شخص يعيشون في تونس العاصمة و120 بمدينة “جرجيس” (بالجنوب التونسي) وبضع عشرات ببقية المدن التونسية الكبرى، وهم يعيشون حياتهم بصفة عادية وينعمون بالأمان والطمأنينة ويمارسون شعائرهم بكل حرية ولهم مدارس دينية لتعليم التوراة واللغة العبرية ولهم من يسهر على مقابرهم ومراقبة تطبيق تعاليم دينهم والمرتبطة بالذبائح وختان الأطفال وإتمام مراسم الزواج وإحياء المناسبات الدينية، ففي جزيرة “جربة” وحدها هناك 12 معبدا الى جانب معبد “الغريبة” جميعها مفتوحة وآمنة. وقد كثر الحديث منذ عامين عن اليهود التونسيين بعد الانفجار الذي وقع وقتها بمعبد “الغريبة” بجزيرة “جربة “ والذي أدى الى مقتل 19 شخصا أغلبهم من السياح الالمان، ولكن ذلك الحادث العابر اصبح اليوم في طي النسيان وتواصلت الحياة عادية في المعبد المذكور (بعد أن تم ترميمه وإصلاح ما هدمه الانفجار)، ويأتي آلاف اليهود كل عام خصيصا من أوروبا وأميركا في شهر مايو لأداء مناسكهم الدينية “الزيارة” السنوية لمعبد “الغريبة”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©