الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

خط أنابيب «ساوث ستريم» يواجه مشكلات بسبب التكلفة

خط أنابيب «ساوث ستريم» يواجه مشكلات بسبب التكلفة
22 يوليو 2011 20:26
هل من الممكن أن يتبين أن مشروع بناء أغلى خطوط أنابيب الغاز الطبيعي في العالم ما هو إلا خدعة مدروسة؟ ذلك المشروع هو خط أنابيب ساوث ستريم (المجرى الجنوبي) الذي تدعمه جاز بروم، الشركة التي تحتكر تصدير غاز روسيا الطبيعي، المخطط أن يمتد أسفل البحر الأسود وينقل كميات ضخمة من الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي خلال النصف الثاني من هذا العقد. ورغم سنوات من الدعاية والترويج لا تزال تكلفة مشروع ساوث ستريم ومسار خطه المحدد غير واضحة. ومع ذلك حققت الخطة الصاخبة غرضاً مفيداً لروسيا حيث إنها ألقت بظلال من الشك على جدوى مشروعات منافسة من شأنها إضعاف قبضة موسكو على السوق الأوروبية، كما أضعفت أيضاً من قدرة الوسطاء على المفاوضة (مثل أوكرانيا) الذين يسعون إلى الاستفادة من موقعهم الاستراتيجي. وقال كريستيان اجنهوفر خبير الطاقة في مركز دراسات السياسة الأوروبية المتمركزة في بروكسل: “يبدو مشروع ساوث ستريم أكثر من أي وقت مضى استثماراً ضخماً منطوياً على المخاطرة ولكن كلما أظهرت روسيا جديتها فإنها تقنع أوروبا ربما عن طريق الخداع بأنه لا يوجد بديل ذو جدوى عن الغاز الروسي”. يذكر أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على روسيا في الحصول على 25% من احتياجاته من الغاز الطبيعي، ويرجح أن تزيد هذه النسبة ما لم يؤمن الاتحاد الأوروبي إمدادات بديلة. في عام 2006 بعد أن أغلقت روسيا خط أنابيبها إلى أوكرانيا وسط شتاء قارس، بدأت المفوضية الأوروبية في تفعيل خطط سبق تطويرها قبل ذلك بعدة سنوات لبناء خط أنابيب يسمى نابوكو يهدف إلى تصدير الغاز إلى أوروبا من منطقة بحر قزوين مع تجاوز روسيا تماماً. خط نابوكو بعد ذلك بسنة اشتركت جاز بروم مع إيني (شركة الطاقة الإيطالية الكبرى) في استحداث خطة مشروع ساوث ستريم، وفي ذات الوقت سعت روسيا إلى حرمان خط نابوكو من إمداد غاز آسيا واجتذاب عملائه في الغرب في مباراة شبيهة بمباريات الشطرنج المنطوية على الحيل التكتيكية. وفي عام 2007 اتفق فلاديمير بوتن رئيس روسيا آنذاك مع زعماء تركمانستان على بناء خط أنابيب جديد شمال روسيا ليحرم نابوكو من إمدادات غاز محتملة. وفي ذلك العام ذاته سافر بوتن إلى تركيا ليعقد اتفاقية تتيح لجاز بروم إجراء فحوص بيئية وزلزالية لبناء ساوث ستريم بعد شهر واحد من توقيع حكومات أوروبية على اتفاقية عبور مع أنقرة بشأن خط أنابيب نابوكو. ولذلك ليس من المستغرب أن يظل كلا المشروعين محاطين بشيء من عدم اليقين. وهناك سبب قوي آخر يثير الشك وهو التكلفة، حيث تقدر تكلفة خط ساوث ستريم بما لا يقل عن 15,5 مليار يورو أو 22,3 مليار دولار، وهو ما يقارب ضعف تكلفة خط أنابيب نابوكو المتوقعة، ما يعزى في المقام الأول إلى أن خط أنابيب نابوكو لن يمر تحت كتلة هائلة من المياه كالبحر الأسود وإلى أن نابوكو سينقل كميات أقل من الغاز. تعديل التكلفة ويقول العديد من المحللين إنهم يتوقعون أن تقوم جاز بروم بصفتها أهم طرف داعم بتعديل تكلفة خط ساوث ستريم هذا العام مع ارتفاع أسعار السلع اللازمة مثل الصلب والإسمنت. وفي ذات الوقت تشكل مصادر جديدة مثل الغاز الصخري والغاز الطبيعي المسال ضغوطاً على أسعار الغاز الطبيعي ما يجعل المستثمرين المحتملين يخفضون توقعات عائدات المشاريع. وستضطر نابوكو للتعامل مع تلك الضغوط، غير أنها ستحصل على تأييد عام بما يشمل الإعفاء من قوانين الاتحاد الأوروبي التي تلزمها باقتسام بنيتها الأساسية وبالحصول على تمويل من بنك الاستثمار الأوروبي. أنكر مارسيل كرامر رئيس تنفيذي ساوث ستريم الهولندي الجنسية مؤخراً أن خط أنابيبه لا يعدو أن يكون سوى محاولة من موسكو للقضاء على مشروع نابوكو. وأكد كرامر أن عدداً متزايداً من شركات الطاقة الأوروبية البارزة تشمل إي دي إف شركة الكهرباء الفرنسية الأكبر أوروبياً ووينترشال وحدة النفط والغاز الألمانية التابعة لشركة بي إيه إس إف تبدي بالفعل تأييدها لمشروع ساوث ستريم ما يدل على أنه مشروع يحظى باهتمام أوروبي. غير أن المسألة الأهم لأوروبا تكمن في مصدر الغاز وليس فيمن يمتلك خط الأنابيب. وقد أدت الخلافات بين روسيا وأوكرانيا - التي تعد المسار المقرر لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا - الى قطع جاز بروم إمدادات الغاز في السنوات الخمس الماضية، ما ترك أجزاء من أوروبا دون وقود كافٍ لتدفئة المنازل. ومنذ ذاك اعتبر زعماء الاتحاد الأوروبي البحث عن مصادر غاز غير روسية شأناً ذا أولوية أولى. وتعطل مشروع نابوكو وتأخر مرة تلو الأخرى ما يعزى في المقام الأول إلى عدم وجود عقود توريد ملزمة بين مجموعة شركات الطاقة المعنية بالمشروع وهو الأمر الذي يعيق تمويله. وقال رينهارد ميت شيك مدير خط أنابيب غاز نابوكو مؤخراً إنه من المنتظر أن يبدأ تدفق الغاز عام 2017 متأخراً ثلاث سنوات عن التاريخ المخطط الأصلي. ولم يعلن عن أي عقد نهائي مع أي مورد. وأضاف أن المحادثات مع حكومة أذربيجان للحصول على غاز من حقل شاه دنيز 2 لم تؤد حتى الآن إلى أي التزامات جادة. في واقع الأمر طالما كان لروسيا نفوذ في منطقة بحر قزوين وتريد أن تنقب عن الغاز الطبيعي فيها أيضاً. وربما تقرر العراق تصدير غازها في شكل مسال إلى أسواق عالمية بدلاً من تصديره عبر خطوط أنابيب إلى أوروبا. آسيا الوسطى وقال اجنهوفر خبير الطاقة إن ساوث ستريم يستخدم فعلاً لبث الشك بين دول آسيا الوسطى عن جدوى نابوكو. ويقول مؤيدو ساوث ستريم إن أوروبا يلزمها أن تدعم حصولها على الغاز الروسي في الوقت الذي يتضاءل فيه إنتاج أوروبا المحلي في مناطق مثل بحر الشمال وتثير فيه اضطرابات العالم العربي تساؤلات عن مدى موثوقية مصادره. وهناك دول مثل ألمانيا ينتظر أن تعمل على زيادة الطلب على الغاز من خلال إغلاقها محطات الطاقة النووية في أعقاب الكارثة النووية في محطة فوكوشيما دائيتشي في اليابان على عكس مؤشرات إفراط المعروض من الغاز. وقال باولو سكاروني رئيس تنفيذي شركة إيني شريك جاز بروم في مشروع ساوث ستريم في إحدى فعاليات الترويج للمشروع إن هناك عدة أسباب تشير إلى توجه الطلب على الغاز نحو الزيادة. ورغم أن جاز بروم حققت أرباحاً بلغت نحو 19 مليار يورو عام 2009 فإنها تواجه تحديات مالية. تضغط جاز بروم والحكومة الروسية على المسؤولين بالاتحاد الأوروبي لتخفف القوانين التي تلزم المشغلين مثل ساوث ستريم بفتح خطوط الأنابيب لمنافسين بحجة أن ذلك من شأنه تقليل عائدات المشروع وجعل تنفيذه أمراً بالغ الصعوبة. وفي ذات الوقت تحتاج جاز بروم تأييد شركائها الأوروبيين، حيث تدرس إيه دي إف جدوى مشروع ساوث ستريم الاقتصادية والعملية بحسب برونو ليسكور رئيس قسم غاز جنوب أوروبا بالشركة. وقال ستيفان لونيج المتحدث الرسمي في وينترشال إن شركته لا تزال تتفاوض على كميات الغاز المحددة التي ستأخذها من ساوث ستريم ضمن الاتفاقية مع جاز بروم التي قد تسفر عن استثمار 1,5 مليار يورو أو أكثر للمساعدة على بناء الجزء البحري من خط الأنابيب. كما قال سفن بوسوالد المتحدث الرسمي في أو إم في شركة الطاقة النمساوية التي تعمل أيضاً مع نابوكو إنه يلزم إجراء دراسة محددة تشمل تكلفة خط الأنابيب ومساره قبل مباشرة الأعمال. ومع عدم بدء ساوث ستريم أو نابوكو العمليات قريباً يقول بعض الخبراء إن الخطر الذي يهدد أوروبا ربما يكمن في الاستمرار في التركيز على خطوط أنابيب جديدة بدلاً من النهوض بالمسارات القائمة. كما قال ماسيمو دي ادواردو كبير محللي الغاز في وود ماكينزي الاستشارية: “بصراحة ليس لكلا خطي الأنابيب فائدة اقتصادية، وسيكون أرخص كثيراً لروسيا وأوروبا أن تتفقا على نقاط محددة وملزمة والبدء في العمل الجدي على نحو يجعل من أوكرانيا ممر غاز أكثر موثوقية”. وقال رومانو برودي الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية ورئيس الوزراء الإيطالي الأسبق الذي رفض طلب بوتن عام 2008 بأن يرأس ساوث ستريم، إن قراراً من هذا القبيل يعود في نهاية المطاف إلى القادة الأوروبيين. وأضاف أنه ما زال هناك احتمال أن يتسبب الغاز الصخري في إرباك السوق تماماً ويقلص الحاجة للواردات عموماً. غير أنه في إحدى المقابلات ذكر أن احتياطيات الغاز الصخري في أوروبا وقبول الرأي العام لتأثير استخراج الغاز الصخري على البيئة لا تزال محل تساؤل. وينطبق نفس الشيء على خطوط أنابيب جديدة، حيث قال برودي إن خطوط الأنابيب الجديدة والقائمة على السواء من المشروعات الممكنة ولكنها تتطلب إرادة سياسية قوية. عن انترناشيونال هيرالد تريبيون ترجمة عماد الدين زكي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©