الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إسأل الغبار يتابع مصائر البشر بين الحطام والأحلام

13 أغسطس 2006 00:55
طرحت قصة العلاقة بين الإنسان والمكان نفسها على كثير من الأعمال الهوليوودية والسينمائية عموما، وكانت في أغلبها مستلة من اعمال روائية شهيرة· لكن في فيلم روبرت تاون الجديد إسأل الغبار ، ask the dust تضيء القصة مناطق ظليلة في تلك العلاقة· من هنا، تعكس مشاهد الفيلم تلك المناطق بما هي عليه منذ الحركة الأولى للكاميرا في المشهد الأول· عادل علي: الألوان الباهتة التي تسود الفيلم، لا توظف فقط للإشارة إلى الفترة التاريخية التي جرت فيها أحداث الرواية ـ أواخر الثلاثينات من القرن الماضي ـ وإنما لتحكي بمشهدية واعية أسرار تلك العلاقة الصعبة بين الإنسان ومحيطه الجغرافي، بيئته الإجتماعية، وبالتالي بينه وبين دواخله والآخرين· ''إسأل الغبار'' هي أيضا عمل روائي كتبه جون فانتي في العام 1939 كجزء من سيرته الذاتية· وككل سيرة ذاتية لكاتب، تسود النبرة الشاعرية في إعادة تكوين عناصر الاحداث، سواء عند الإفراج عن فيض الأحاسيس أو عند رسم معالم المكان· هنا، مثلا، يصبح المناخ القائظ جزءا من الحدث، كما تصبح شجرة النخيل عند شباك غرفة الكاتب في الفندق الفقير الكهل مرآة للتوترات الداخلية· لولا هذه المناخات لأصبحت الرواية، وبالتالي الفيلم مجرد ''حدوتة'' قرأنا مثلها، وشهدنا شبيها لها في كثير من الأعمال الروائية والسينمائية· قصة في مدينة الغرباء تروي القصة حكاية الكاتب الشاب آرتورو بانديني (يقوم بدوره الممثل كولين فاريل) القادم الى مدينة لوس آنجليس، مدينة الغرباء والوحشية، ومدينة الأحلام والحظ· يأتي بانديني أحد أفراد الجيل الثاني للمهاجرين الإيطاليين الى أميركا، متسلحا بآخر قروشه وبآلة كاتبة وسجائر وزجاجة شراب· هي الصورة النمطية التي أعطتها الروايات الأميركية للكتاب المكافحين من أجل أحلامهم الشخصية أو العامة· بانديني، أيضا لديه حلمه: أن يصبح كاتبا ذائع الصيت، وأن يلتقي بفتاة أحلامه الشقراء· يبحث في المدينة، ومن داخل حياته الشخصية عن نماذج لشخصيات كتاباته· في مقصف قريب يلتقي بانديني مع كاميلا لوبيز (سلمى حايك) جميلة، مكافحة، أمية، حالمة بالزواج من ثر أميركي يسلخها عن أصلها وعن إسمها المكسيكي· بين الحطام والأحلام التنافر الشكلي الذي طغى على اللقاءات الأولى بين أرتورو وكاميلا، كان يغلف نوعا أعمق من اللقاء· فكل شيء يجمع بينهما، من الحطام··· إلى الأحلام· فكلاهما أسير لعقدة الانتماء الأولى والمأمولة، وكلاهما ضحية التمييز العنصري في تجلياته القاهرة داخل المجتمع الاميركي في إرهاصاته الجنينية· إضافة إلى ذلك فكلاهما يبحث عن ملجأ روحي، يحصن القلب من عثرات الحياة· هكذا تصبح قصتهما مشتركة· سواء أحبا بعضهما أو لم تجمع بين قلبيهما عواطف واحدة· هو مصير واحد جمع بين شخصين وحدت بينهما المنطلقات ومقادير البشر والأشياء· فهل كانت لازمة حالة الحب لتكتمل عناصر الرواية والفيلم؟ دراميا نعم، على الأقل في رأي الكاتب والمخرج· لكن واقعيا، فان الحب بين أرتور وكاميلا، ظل ''حالة'' أكثر منه حلولا في الروح والقلب· لم نشهد خلال الفيلم، بعد ارتباط البطلين بعلاقة عاطفية، نوعا من الهيام العاطفي أو شغف المشاعر· ظلت الوتيرة الدرامية في الأحداث، على ضفاف الحدث العاطفي، لم تخترقه ولم تتصاعد به· حتى عند لحظة موت كاميلا في المشهد ما قبل الاخير بعد معاناة مع مرض السلّ، لم يكن مشهدا عاطفيا مقنعا لموت حبيبة بين ذراعي حبيبها، بقدر ما كان مشهدا يحكي عن مصائر الأحلام، بعضها يحتضر بين يدي الخيبة، وبعضها يتحقق ـ كما حصل مع الكاتب ـ ولكن بين يدي القلق المفتوح، في مجتمع طارد إذا لم تتسلح لمواجهته بأسلحته· معادلات هندسية هذه القراءة للعلاقة العاطفية بين أرتورو وكاميلا، قرأها أحد أبرز نقاد السينما الأميركية روجر إيبرت، على نحو آخر· قرأها من زاوية العلاقة بين سلمى حايك (الممثلة) وكولين فاريل (الممثل)· يرى إيبرت أنه لم يتلمس معادلات كيميائية بين الإثنين، بل وجد معادلات هندسية بينهما· فهو إذن يعيد المسألة الى الجانب الشخصي بين ممثلين، يفترض أن يتخليا عن إعتباراتهما الذاتية لحظة دخولهما إلى بلاتوه التصوير· وأيا ما كان الحال، فان فيلم ''إسأل الغبار'' يبقى عملا سينمائيا متفردا في الإضاءة على أبعاد إجتماعية وإقتصادية وسياسية لا تشير إليها السيرة الذاتية الأصلية، بل تغلفها بالجانب الشخصي أو تمظهر الذاتي من خلال العام· وبهذا المعنى فإن الفيلم هو فيلم المخرج، يحسب له، سواء في كتابة السيناريو، أو في نسج لغته السينمائية، أو خياراته الفنية التي تعكس دواخل الإنسان وتوحي بمظاهر المكان· ومن هنا كان اختياره موفقا للتصوير بمدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا، التي أعطت أفضل انطباع عن لوس آنجيليس في ثلاثينيات القرن الماضي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©