الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سنان الأوسي مقتنياته تتحول شاهداً على حراك الزمن

سنان الأوسي مقتنياته تتحول شاهداً على حراك الزمن
22 يوليو 2011 19:52
البعض تجذبه الهواية، لكنها أحياناً تتحول هاجساً مقيماً يصعب التحرر منه، لعل هذا هو حال المهندس سنان الأوسي، الذي عشق منذ طفولته فكرة تجميع المقتنيات القديمة، لتغدو عادة تجذرت في كيانه، وظلت مهيمنة على سلوكه، ومنذ البدء تملكت من الرجل فكرة مفادها «كيف يمكن الاحتفاظ بأكبر قدر من المقتنيات بأفضل شروط من الحماية»، سؤال أمضى الأوسي قدراً كبيراً من عمره يحاول الإجابة عليه، وفي المحصلة تحول منزله إلى متحف صغير، حيث الأولوية لتخزين المقتنيات وعرضها، أما ما فاض عن ذلك من مساحة فهو لتدبير شؤون العيش. مرصد العقل حاجات شتى يحتفظ بها الأوسي في منزله «المتحفي»؛ مبراة يكاد عمرها أن يوازي عمره، اشتراه له والده وهو في بداية تدرجه في الحياة، ولا يزال يحرص على ترميمها كلما أصابها عطب جراء تقادم الأيام. كذلك هو يجاري في أغراضه المخزنة تطور الزمن وحراكه، فالأدوات تراها في خزانته متدرجة بين أشكالها البدائية التي عرفها النصف الأول من القرن الماضي، وبين الإنجازات المبتكرة التي تشكل علامات متآلفة مع آخر اختراعات العصر، هكذا لا يعود الموقف مقتصراً على التبحر في القديم من الآلات والأدوات، بل يصبح بمثابة متابعة حثيثة لمسار تطورها، ليؤول لاحقاً، بفعل قليل من التبصر، إلى عملية تتبع للتحولات التي خضعت لها الذهنية البشرية، وجعلتها تضيف إلى منجزاتها الكثير من عناصر التطوير والتحديث، هكذا ودون أن يتعمد، حول الأوسي مخزنه مرصداً لمراقبة التطور المستجد على العقل البشري المبدع، ووسيلة لقياس القفزات النوعية التي يجترحها الإنسان في رحلته السرمدية الهادفة لإخضاع الطبيعة من حوله، ودائماً وفق القاعدة المأثورة «الحاجة أم الاختراع». أشياء كثيرة تكاد لا تتجمع ولو بالمصادفة في ذهن متابع، راكمها الأوسي في خزائنه المتعددة من بينها المصابيح التي يشكل حضور الأجيال المتعاقبة منها استعراضاً لمسارها التطوري عبر الزمن، فهناك المفرط في تقليديته، الذي لم يعنيه اتساق الشكل بقدر ما شغله جوهر المهمة أي إرسال الضوء دون التوقف عند جمالية المنظر، امتداداً إلى الأنواع الحديثة التي تحتمل أن توصف بالتحف الفنية لفرط تناغم أجزائها، وجاذبية مظهرها، وبينها الكثير من المحاولات التحديثية التي يمكن الحكم على بعضها بالنجاح، وعلى غيرها بالفشل، وعلى كثير منها بالتأسيس لقفزة نوعية في مجال تصميم الأداة، حتى يكون ممكناً الوصول إلى إعادة استنتاج المقولة السائدة «الفرق تصنعه تجارب متراكمة». مفارقات الزمن يقول الأوسي إنه بدأ مبكراً رحلة الاستجابة لرغبة الحفاظ على ما تطاله يداه، وعندما قادته الظروف للعمل مهندساً في الصحراء ابتكر ما يشبع به هاجسه التحنيطي، فاستخدم مواد كيميائية تستعمل في سد الشقوق التي تعتري المنشآت الهندسية عادة، في تحنيط بعض العقارب التي أمكنه اصطيادها، وهو لا يزال يحتفظ بها بعد الكثير من الزمن. ولاحقاً توجه نحو شراء الأدوات الغريبة والتي تدين بجزء كبير من تميزها إلى تناقض أشكالها وأحجامها بالرغم من وحدة الوظيفة، الساعات مثلاً تشكل مساحة واسعة لترسيخ هذه الازدواجية المعبرة فعلى أحد جدران المنزل تنتصب ساعة عملاقة تصلح للعرض في إحدى الساعات العامة، وفي خزانة تشغل الجدار المقابل ثمة عدد لا يحصى من الساعات التي يبدو بعضها مفرطاً في تواضع حجمه، بحيث يمكن إخفاؤها في راحة اليد، إنما تؤديان المهمة نفسها، وهي مهمة رصد الزمن، ولعل ما يسع تجربة بهذا الكم من التناقض البوح به أن الزمن ليس واحداً، وقد أمكن لتباين لحظاته أن يكشف عن وجود هذا القدر من الاختلاف. يقول الأوسي إنه لم يدار ولعه باقتناء الأشياء الغريبة، وكان يحرص على إغناء مجموعته بكل ما يسعه أن يمثل إضافة نوعية لها، السكاكين السويسرية مثلاً أخذت حيزاً من اهتمامه، وهي متعددة الاستعمالات، وتوحي بإمكانية الاستفادة منها في شتى الأماكن والظروف، أيضاً البوصلة التي شهدت الكثير من التطور على امتداد زمن ليس بالطويل، كذلك القداحات التي شكلت فرصة للكثير من التفنن في صناعتها، فمنها النوع التقليدي الذي يعبر عن نفسه مباشرة، وهناك الكثير من الأصناف المموهة التي تأخذ أشكالاً متعددة: مسدس يكاد يتماهى مع الحقيقي، وبطارية لا تدرك أنها قداحة قبل أن ينبعث اللهب من فوهتها المزيفة، وصولاً إلى السيوف والخناجر وسائر الأدوات الحادة التي يأخذ بعضها شكل المعروضات الفنية على طاولات العرض. إلى جانب طاووس خشبي يتربع على إحدى المنصات فهو ليس مجرد منظر تجميلي، لكنه في رأسه وريشه المتعددة، عبارة عن طاقم من السكاكين والشوك المتعددة الأحجام، التي يسعها النهوض بحاجات مائدة طعام باذخة. معارك خاسرة هذا الولع الاستثنائي الذي تحكم بذهنية الأوسي على امتداد الجزء الأكبر من حياته لم يكن إيجابياً في مجمل نتائجه، بل ترك الكثير من الآثار السلبية على نفسيته اضطرته للتخفيف من حدة الرغبة الجامحة في إعطاء هوايته مداها الكلي، ذلك أن الزمن ليس حليفاً للجودة بالضرورة، وأحياناً يمكن لبعض المقتنيات أن تصاب بالتلف بالرغم من كل احتياطات السلامة التي يسعى إليها أصحابها، هكذا كان عليه أن يعترف بعجزه عن استعادة الكثير من أشيائه المحببة من براثن السنين، وكان عليه أن يخوض تجارب مضنية، فشل كثير منها، بغية إعادة تحريك عقارب ساعة ضرب الصدأ متنها، وكان لكل فشل أن يترك آثاره السلبية عليه، الأمر على بساطته، هو نوع من المعركة الخاسرة، وقد أمكن للرجل أن يربح الكثير، لكنه خسر الكثير أيضاً، فالنسبة له كل الأشياء إنما هي وسائل تتوسل الإدهاش عبر التراكم والتعاقب. يختم الأوسي حديثه بما يشبه الوصية «عندما أغادر هذه الدنيا أريد لعائلتي الصغيرة أن تحتفظ بما يعجبها من هذه المقتنيات، أما الباقي فأرغب في توزيعه على الأقارب».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©