الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كنوز العرب الخطيّة

كنوز العرب الخطيّة
19 يناير 2011 20:07
الكتب كنوز المعرفة الإنسانيّة، وتجارب الحياة عبر السنين، فيها عِلْمُ الماضين ورُؤاهم واستشرافهم صوب آفاق المستقبل. وقد عشق العربي الكتاب وألِفه وقضى جُلّ وقته في الكتابة والقراءة والترجمة والتحقيق. ويقول الأديب الجاحظ عنه “ الكتاب وعاء مُلئ عِلْماً، وظرف حُشِي ظَرفاً، وبُسْتَان يُحْمَلُ في رُدْن، ورَوْضَةٌ تقلَّب في حِجر، ينطق عن الموتى، ويُتَرْجِمُ كلامَ الأحياء”. وقال الشاعر أبي الطيب المتنبي في حقّ الكتاب بيتاً أصبح فيما بعد مثلاً شروداً: أعزُ مكان في الدنى سرجُ سابحٍ وخير جليس في الزمان كتابُ وهناك رجال عرب مخلصون من محبي التراث الخالد قضوا حياتهم كلّها في البحث والكتابة والتحقيق والنشر، هؤلاء الأعلام في سِفر الأيام والسنين سافروا وتكبدوا المَشاق من أجل الظفر بمخطوطة بحثوا عنها وراسلوا من أجلها المكتبات القريبة والقصية ليضفروا بها في خاتمة المطاف، ومن ثمّ ليفرحوا بصيدهم الوفير، ليسهروا عليه الليالي والشهور الطويلة بحرِّها وبردها لينبشوا خفاياها وطلاسمها ويفكوا غريبها وعجيبها الذي طمسته السنون الراحلات من أيام نسخها وإهدائها لأولي الأمر من الخلفاء أو الحكام والولاة ليحققوها ويخرجوها للناس بحُلَة قشيبة ككتاب يقرأوا في مضمونه روائع التراث العربي والإسلامي ولينهلوا من عطاء السلف الصالح ما يشاءون. الكتاب الجديد الذي بين أيدينا والموسوم: “مع المخطوطات العربية ذكريات وأسفار وصلات بمحبي التراث”، لمؤلفه الأكاديمي والمُحقق التراثي العراقي الدكتور يحيى وهيب الجبوري أستاذ الأدب الجاهلي في جامعات بغداد، وقطر، وليبيا، وآل البيت، وإربد الأهلية بالأردن، الذي رفد للمكتبة العربية عشرات المؤلفات التي أبدعها خلال رحلة خمسة عقود ماضية بين الـتأليف والتحقيق نشير إلى بعض منها: أول مؤلفاته كتابه” الإسلام والشعر”، نشره ببغداد 1964م، وتبعه بمؤلفاته نحو: ديوان العباس بن مرداس السلمي، وشعر عروة بن أذينة، والشعر الجاهلي خصائصه وفنونه، والحيرة ومكة وصلتهما بالقبائل العربية” ترجمة عن الإنجليزية”، كما ترجم الجبوري لمرجليوث كتابه أصول الشعر العربي، ومنهج البحث وتحقيق النصوص، وأمالي المرزوقي، ومحن الشعراء والأدباء وما أصابهم من السجن والتعذيب والقتل والبلاء، وبيت الحكمة ودور العلم في الحضارة الإسلامية، والحنين والغربة في الشعر العربي، وتحقيق كتاب ابن الأثير مُؤنس الوحدة، وغيرها. ثلاثة فصول أما كتابه الجديد “مع المخطوطات العربية ذكريات وأسفار وصلات بمحبي التراث” فهو سرد لذكريات سنين ماضيات قضاها في البحث والتنقيب والكتابة والتحقيق والنشر فيما بعد في أصول مخطوطات عربية أثيرة أحبها فكانت حبيبة إلى قلبه وهو يخط فيها مراحل التحقيق، أو قل ذكريات زامل فيها علماء عرب وأجانب راسلهم وراسلوهم زاملهم وزاملوه فوقع العشق فيما بينهم لصول المخطوطات التي عشقوها حدّ الولَه. قسم الدكتور يحيى الجبوري كتابه إلى ثلاثة فصول ومقدمة وخاتمة، فضلاً عن توزيع مفردات كلّ فصل إلى مجموعة عناوين فرعية. ففي مقدمة الكتاب أشار المؤلف الفاضل إلى تعلقه بالكتاب منذ صغره وبحبّ قراءة المجلات الثقافية الأولى في العالم العربي وقتذاك، وشرائه للمجلات والكتب من سوق السراي بمدينته بغداد بثمن زهيد، حيث أحبّ من خلال قراءاته أن يقلد المُؤلفين والمُحققين في القراءة والكتابة. سيرة وأسفار... جاء عنوان الفصل الأول من كتاب الدكتور يحيى الجبوري بعنوان: “سيرة وأسفار وذكريات تراثية”، الذي سرد فيه التعلق بالماضي العربي وحبه وكيف كان يقرأ في المرحلة الابتدائية ما خلفه والده من كتب دينية وتاريخية، وذهابه بصحبة ابن خاله إلى المقاهي الشعبية ببغداد ليستمع من القصخون “راوي السير الشعبية”، إذ أغراه ذلك للتوجه بدءاً إلى كتابة القصص. ثم حكي المؤلف ذكرياته مع الكتب والمكتبات مسترجعاً فيها ذلك الزمن الجميل الذي قضاه في القراءة والنهل من الكتب التي تتوافر في مكتبات بغداد، ثم روى مراسلته للمجلات المصرية، ومن ثم توجهه إلى التراث وتحديداً المخطوطات وتحقيقها حيث بدأ تحقيق ونشر أول ديوان للشاعر عباس بن مرداس السلمي سنة 1966م. كما حدثنا عن رحلته الشاقة والشائقة في البحث والسفر عن المخطوطات هنا وهناك والعناء الذي كابده من أجلها، وأوضح لابتعاد أولاده عن تخصصاته لأنهم اتجهوا صوب الهندسة والاقتصاد واللغات. أما “مع المخطوطات العربية” فهي محور آخر في الفصل الأول أشار فيه إلى واقع المخطوطات العربية، موضحاً لذكرياته مع المكتبات التي تحتوي على المخطوطات داخل وخارج العراق، مع التذكير بحرق المخطوطات والحصول عليها، الذي يكابده المحققون للظفر بواحدة نفيسة أو خزائنية، ومشاهداته لمخطوطاتنا العربية في المكتبات الغربية، وبخبرة الباحث المثابر الحصيف والمحقق الضليع قدم الجبوري مقترحات لصيانة ونشر التراث العربي، بعدها تحدث عن” قدوة الباحثين- مُحب العرب والعربية” المستعرب الروسي إغناطيوس كراتشكوفسكي مشيراً إلى علاقته بالتراث العربي ولأبحاثه ولكتبه التي حققها ونشرت فيما بعد. وختم الفصل الأول بمبحث” حرق المخطوطات والكتب الإسلامية وما نزل عليها من آفات وبلايا على مرّ العصور”، موضحاً فيه لأعلام وشخصيات من تراثنا العربي قامت بحرق، وغرق، وغسل، ونهب، ودفن، وبيع الكتب بثمن بخس...! مع الخيرين... خصص يحيى الجبوري الفصل الثاني “مع الخيرين من مُحبي التراث” ليحكي فيه عن الراحلين من العاملين في تحقيق التراث العربي، مشيراً لثلاثة أعلام عرب وهم: الشيخ حمد الجاسر، والشيخ فالح، وقاسم الرجب ومكتبة المثنى ببغداد. فكتب عن الجاسر صاحب مجلة العرب ومسيرة أربعين عاماً من العطاء الفكري المتميز له، مشيداً بجهوده في مجلته العرب التي كان يكتب فيها صاحبها مع عدد كبير من مُحققي وأساتذة التراث في العالم العربي. ثم حدثنا عن الشيخ فالح آل ثاني وهو من محبي الكتب والتراث أيضاً، وإلى مجلسه العامر في مدينة الدوحة بدولة قطر، ومكتبته العامرة المقسمة إلى قاعات كل واحدة متخصصة لفن من الفنون، موضحاً للكتب والمخطوطات والمجلات التي تضمها مكتبة آل ثاني. بعد ذلك تحدث الجبوري في هذا الفصل عن صاحب الأدب والأدباء قاسم الرجب صاحب مكتبة المثنى الأشهر في شارع المتنبي ببغداد والعراق، سارداً فيها ذكرياته مع هذه المكتبة الكبيرة وإلى مجالس المكتبة، وما تضمه من مخطوطات نادرة ومن أمهات الكتب القديمة وما يصلها من جديد المطابع العربية كافة، كما تحدث عن دور الرجب في نشر الثقافة والمعرفة بين الباحثين وطلاب العلم بما كان يزودهم به من مراجع ومصادر عديدة. المُحققون من مُحبي التراث ثالث فصول كتاب: “مع المخطوطات العربية ذكريات وأسفار وصلات بمحبي التراث”، هو “المحققون من مُحبي التراث”، أشار فيه المؤلف إلى أحد عشر عًلماً من الأعلام العراقيين والعرب الذين كانت لهم باع طويلة في ميدان التحقيق والنشر والإبداع. فقد أشار الجبوري أولاً إلى جهود العلامة العراقي الراحل الدكتور مصطفى جواد أبرز وأشهر اللغويين في العراق والعالم العربي، وإلى جهوده في تحقيق المخطوطات والتأليف والتدريس، ذاكراً مُصنفاته الوافرة في مختلف مجالات اللغة والأدب والحضارة. أعقبه الحديث عن العوادين المرحوم كوركيس عواد أحد أعلام التحقيق والتأليف في العراق الذي أثرى المكتبة بوافر من التحقيقات والمؤلفات في التاريخ والببلوغرافيا والفهرسة، وشقيقه المرحوم ميخائيل عواد أحد العلماء الذين اثروا الثقافة العربية بأبحاثهم ومؤلفاتهم وتحقيقاتهم منذ خمسينيات القرن الماضي إلى وفاته عام 1995م. كما تناول في حديثه جهود الدكتور خليل العطية أحد اللغويين العراقيين الذين كانت الفصحى غريزة في نفوسهم ووجدانهم، حيث أصدر تحقيقات لعدد من الشعراء العرب القدامى وترك تسعة عشر كتاباً مطبوعاً بين مُحقق ومُؤلف، وثلاثة عشر أثراً مخطوطاً، وعشرات الدراسات والبحوث اللغوية والأدبية المنشورة في الدوريات والمجلات المتخصصة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©