الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ألبرتو مورافيا: أنا وجودي قبل سارتر وكامو!

ألبرتو مورافيا: أنا وجودي قبل سارتر وكامو!
17 يوليو 2015 23:01
حسونة المصباحي (برلين) التقيت الكاتب الإيطالي الكبير ألبرتو مورافيا أوّل مرّة في أواسط شهر يونيو 1986 بمدينة هامبورج الألمانية، حيث انعقد آنذاك المؤتمر العالمي لنادي القلم. وأذكر أني وجدته على نفس الصورة التي تخيلتها عنه من خلال كتبه. فقد كان بشوشاً، ونشطاً، ومجادلاً رائعاً،وجنتلماناً أنيقاً في حركاته، وفي ملبسه. وفي الحوار الذي أجريته معه، تحدثنا حول مسائل كثيرة تتصل بحياته، وبمواقفه السياسيّة، وبرواياته، وبرحلاته عبر العالم. وبكلّ حبّ تحدث عن البلدان العربيّة التي زارها، مبدياً إعجابه بالمغرب. وكم كان سعيداً عندما عاين أن كتبه تباع على الأرصفة في بعض المدن العربية. وقال لي أيضا: «أنا لا أشعر بأنني عجوز. فعندما يقوم الإنسان بعمل مهمّ، ومفيد لا يمكن أن يشعر البتة بوطأة الشيخوخة. هناك الشباب، وهناك الموت. أما الشيخوخة فلا وجود لها إلا لدى الذين يضعفون أمامها». ومؤخراً قرأت كتاباً ممتعاً لإليا ايلكان يروي فيه بطريقة شيّقة فصولًا من سيرة ألبرتو مورافيا، مضيئاً زوايا معتمة في حياته. كما يتحدث باستفاضة عن علاقته بالكتاب والمثقفين الإيطاليين والأجانب، وعن آرائه في السياسة، وعن حياته الزوجيّة الصاخبة، حيث إنه تزوج ثلاث نساء: الأولى كانت الروائية المشهورة ايلزا موراتني، والثانية داشيا ماراييني، وهي كاتبة أيضا. وأما الثالثة التي تدعى كارمن ليرا فقد كانت تصغره بأربعين عاماً.. وعن السيرة الذاتية يقول مورافيا: «ليس هناك عمل أشدّ وطأة على الأديب من كتابة سيرته الذاتيّة، إذ أنه يجد نفسه مجبراً على أن يتعرّض لجوانب عديدة من حياته الشخصيّة. وهو أمر مزعج للغاية، خصوصاً أنه مطالب بأن يتقيّد بالواقع والحقيقة. والنتيجة أنه يحرم من الحرية التي يمنحها له الخيال كما هو الحال عندما يكتب الرواية». وتحدث موارفيا عن الوجوديّة في رواياته قائلًا:«لقد كنت وجوديّاً منذ البداية وخاصة عندما كتبت روايتي الأولى: «اللامبالون». وأعتقد أن دستويفسكي هو أول روائي وجودي في العالم. فلقد كانت القضية الأساسية التي اهتمّ بها الروائيون في القرن التاسع عشر مثل تولستوي، وبالزاك، وديكنز هي علاقة الفرد بالمجتمع. أمّا دستويفسكي فقد طرح في روايته الشهيرة«الجريمة والعقاب»قضيّة علاقة الفرد بذاته. وأنا اهتممت في جميع أعمالي بالذات، وبأوجاعها، وبصراعها مع نفسها. لهذا أرى أنني وجودي قبل سارتر، وكامو». ويرى مورافيا أن حياته «عادية مثل جميع الناس، لكنها فوضوية أيضاً». والعنصر الوحيد الدائم والمتواصل فيها هو الكتابة. لذا فهو يشعر دائماً بأن «الأدب هو حياته». ويعتقد مورافيا أن الشخصيات الكبيرة التي تصنع التاريخ عادة ما تسبب للناس والمجتمعات خيبات مرّة خصوصا بعد أن يتمّ التعرف عليها مباشرة. وكذلك المشاهير من الأدباء. ويروي مورافيا أنه التقى بالشاعر الكبير ت. س. إليوت الذي كان يكنّ له إعجاباً كبيراً. وقد انتهى لقاؤه به بخيبة شديدة، إذ أنه وجده شخصاً «باردا، يكاد يكون فاقداً لأي عاطفة إنسانية». ويضيف مورافيا قائلا: «التعرف على الشعراء عادة ما يترك في النفس خيبة مرة. أوضح ذلك بسرعة: عندما يكتب الشاعر قصيدته لا يكون وحيداً بل يكون برفقة جنّي الشعر. وحالما ينتهي من كتابة قصيدته يجد نفسه وحيداً. والشخص الوحيد عادة ما يكون بائساً وثقيلاً. وكان أوجينو مونتالي شاعراً كبيراً. بل باستطاعتي أن أقول بأنه أكبر شاعر إيطالي في النصف الأول من القرن العشرين. غير أنه كان شخصاً عادياً للغاية. وكان يبدو شبيهاً بموظف مصرفي. وأعتقد أنه كان يحرص على أن يبدو كذلك!». ويبدي موارفيا نفوره الشديد من الالتزام، لأنه «يتناقض مع الحرية، ويخنق الإبداع الحر، ويحدّ من حماسة الكاتب والمثقف للدفاع عن قضايا معيّنة». ويضيف:«الالتزام يشعرنا كما لو أننا مجبرون على القيام بعمل قد لا نحبه. لهذا السبب هربت دائماً من الالتزام، ومن أصحابه، ومن دعاته. أنا كاتب ولست سياسيّا مطلقاً. وأعتقد أن السياسة عمل مضجر للغاية. والأدب يغنيني عن كلّ شيء لأنه المعنى الحقيقي والعميق لحياتي ووجودي». وقال مورافيا إنه يعشق النساء، ولا يرى للحياة معنى بدونهن غير أن لا يجري وراءهن، ولا يلاحقهن. وأما الجمال فهو بالنسبة إليه واحد من أهمّ عناصر الحياة، غير أنه يعتقد أن الجمال يكمن في أشياء، وفي كائنات كثيرة يعتبرها البعض«قبيحة وبشعة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©