الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انهيار إمبراطورية الشر !

انهيار إمبراطورية الشر !
7 أغسطس 2014 20:15
غريب شأنها، عجيب حالها، منطقة تضم عدة قرى، يسكنها الآلاف من الأشخاص، اسمها «المثلث الذهبي»، ولم تكن هذه التسمية قد جاءت من فراغ، فيها أجود الأراضي الزراعية وأعلاها إنتاجية، بها كل أنواع التجارة الرائجة، بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يتوسط عدة مناطق مأهولة بالسكان وجميعم يقصدونها من كل اتجاه لقضاء حوائجهم والحصول على كل ما يريدونه في حياتهم اليومية، وهناك أسواق تظل عامرة من الصباح الباكر وحتى وقت متأخر من الليل كل يوم، لما تمتاز به من شبكة مواصلات متنوعة، حقق أهلها أرباحا لا تقدر وأصبحوا من ذوي الأملاك، هذا علاوة على أن المنطقة عبارة عن حدائق غناء تضم كل أنواع الفواكه والحمضيات، وبها من النعم ما ليس فـي غيرها. ولم تستمر أحوال الرخاء والاستقرار طويلاً فقد هبت عليها رياح الجريمة والانحراف فأصابتها كلها، اقتنصها تجار المخدرات والأسلحة، وحولوا زراعات الموالح والحبوب إلى مزارع للمخدرات، والأسواق أصابها الركود ولم تعد تجد روادا، فلا بيع ولا شراء إلا في الممنوعات، عائلات بأكملها تتاجر في المخدرات حتى الأطفال والنساء‏،‏ الشعار السائد والمعلن من تجار السموم، نحصل على أي شيء مقابل جرعة من الهيروين أو الكوكايين، أو أي نوع من الأقراص المخدرة الرخيصة، او البانجو الذي يعتبر سعره في متناول أيدي العمال الحرفيين، لا مانع من قبول الهواتف المسروقة وتقديرها بثمن بخس، أو موتوسيكلات تم السطو عليها جهارا نهارا عنوة رغم أنوف أصحابها ومن يحاول أن يستغيث او يقاوم فإن حياته تكون الثمن على الفور، وأيضا سيارة حديثة، دخل صاحبها المنطقة بطريق الخطأ أو سار وحده في الليل فوضعوا أمامه الحواجز وأجبروه على التوقف واستولوا عليها، والحالات ليست فردية وإنما أكثر من أن تعد، والبلاغات تمــلأ قسم الشرطة. ليس من المستغرب رؤية مشهد الأطفال يسيرون في الشوارع وهم يحملون الأسلحة، وتحول كثير من أهالي قرى مثلث الرعب، وحتى الصغار إلى مجرمين أو مشاركين في الجريمة، وشباب القرية ليسوا بعيدا عن هذا الخطر الجارف الذي لا يبقي ولا يذر واستشرى مثل النار في الهشيم، فقد أدمن الكثيرون منهم كل أنواع المخدرات، بعد أن سقطوا في بئر الانحراف عمدا ومع سبق الإصرار والترصد، والأمثلة كثيرة والقصص مروعة يشيب لها الولدان، فهذا الشاب كان من المتفوقين في الدراسة حتى حصل على شهادة الثانوية العامة بتفوق، والتحق بالجامعة، لكن سرعان ما تغيرت حاله وأصابته اللعنة بعد أن تعرف على أصدقاء سوء في الكلية ينتمون إلى هذه المنطقة الموبوءة، جرجروه إلى الطريق المعوج، زينوا له سوء الأعمال، وقع في الوحل بتعاطي المخدرات لكن مصروفه لم يكن يكفي لذلك، فبدأ يسرق ليتعاطى الهيروين، وكانت النتيجة أنه توفي نتيجة تعاطيه جرعة زائدة، وقد تبين أنه كان يبيع المخدرات وقد أصبح مدمناً لها، وكانت هذه نهايته المأساوية. ضاق أهلها الأصليون والملتزمون بما يحدث ولا حيلة لهم في الإصلاح ولا يستطيعون تغيير هذا المنكر حتى بألسنتهم، سموها منطقة «مثلث الرعب» بدلا من اسمها الحقيقي المثلث الذهبي، أصبحت من أخطر المناطق التى يتردد عليها تجار المخدرات من مختلف الأماكن ويستخدمون الأسلحة الآلية، وعند اختلاف التجار مع بعضهم تقوم المعارك الضارية كأنها حرب بين دولتين، فى كثير من الأحيان تخرج طلقات الرصاص بطريقة عشوائية وتتجه نحو المنازل، هناك أشخاص يتم قتلهم، وذنبهم الوحيد أنهم يقيمون هنا، ولا حيلة لهم ولا يجدون مكانا بديلا يهربون إليه، ولا يعرفون كيف يتركون أرضهم وديارهم ولا إلى أين يذهبون. السلاح هو السبب الأول في المشاجرات، فكل من يحمله يتباهى ويستقوي به، يريد أن يفرض سطوته ويثبت قوته ولا يكون ذلك إلا باستخدامه وتصعيد الأمور عند كل خلاف حتى لو كان تافها، والسلاح هو أيضا كلمة السر فى جرائم القتل، وأهالي هذه المنطقة يبيعون ما يمتلكون من أجل شراء قطعة سلاح، الأغلبية يحملون الأسلحة من دون ترخيص لحماية تجارة المخدرات المنتشرة وسط حدائق الموالح، وأهالي المنطقة يعيشون فى حالة من الرعب والخوف من كثرة التهديدات التى يتعرضون لها، الكلام هناك بحساب شديد، ولا أحد يستطيع أن يتحدث عن أي تاجر مخدرات من قريب أو بعيد، أو يلقي اللوم عليه أو معاتبته وإذا حدث ذلك يكون مصيره القتل، ليس هذا فقط بل اصبح من المعتاد هنا العثور على جثث في وسط الزراعات وحدائق الموالح لأشخاص مقتولين بالرصاص، وربما يكونون مجهولين جاؤوا لتجارتهم ولقوا حتفهم لذا يرفض الأهالي الخروج من منازلهم، خوفا من الإصابة بالأعيرة النارية الطائشة، وكذلك لا يدلون بشهاداتهم ولا يقدمون معلومات تساعد رجال الأمن في القبض على العناصر الإجرامية، خشية التنكيل بهم والانتقام منهم. فتجار المخدرات والسلاح يقومون باقتحام المكان وإطلاق الأعيرة النارية بطريقة عشوائية، وربما يتعمدون قتل أحد الأبرياء لمجرد بث الرعب في النفوس، حتى لا يجرؤ أحد على مواجهتهم والإبلاغ عن اي منهم وتقديم أي معلومات لرجال الشرطة وقد كان لذلك أثره في تحقيق اهدافهم، فقد قتلوا معلما لأن أسرته حاولت ان تقدم شكوى ضدهم، فأثر ذلك على الجميع وكان عبارة عن «كارت إرهاب» لكل من يفكر في الإبلاغ أو مجرد التفوه بكلمة، المشاجرة البسيطة لابد أن تنتهي بقتيل، سواء كان من طرفيها أو من أحد المارة أو السكان الأبرياء، بعد أن تحولت الحال وتبدلت وأصبحت أغلبية المقيمين الذين وفدوا من تجار المخدرات والهاربين من الأحكام، وجميعهم يحملون السلاح الآلى ليس للدفاع عن أنفسهم، ولكن لمواجهة أي اقتحام عن طريق الشرطة، للقبض عليهم، هنا فعلا وكر كبير. الليل لا يعرف الهدوء ولا السكينة، وفى اي وقت منه يستيقظ الجميع فى حالة ذعر من كثرة الطلقات التى تثير الرعب في النفوس وتأتي من كل اتجاه، ولا أحد يعرف ما السبب ولا ماذا يحدث، في واحدة من تلك المواجهات لقي ثلاثة عشر شخصاً مصرعهم وأصيب عشرون آخرون، في معركة حامية بين عائلتين كانت كل منهما تحاول أن تفرض سطوتها وتثبت أنها الأقوى، لتعيد الناس إلى زمن كانت القوة فيه هي القانون، والقوي هو من يتحكم ويجعل الجميع خاضعين لأوامره، بل أصبح تجار السموم البيضاء يلعبون دورا مهما في حالة القلق والاضطرابات الأمنية، مستغلين حالة الفراغ الأمني في فرض سيطرتهم على المنطقة وترويع المواطنين الشرفاء، هنا عدد كبير من المجرمين الخارجين على القانون والمحكوم عليهم بالإعدام في قضايا من كل أنواع الجرائم والاتهامات التي تجرمها القوانين، والمنطقة شهدت العديد من حوادث السرقة والقتل طالت بعض الرموز السياسية والأمنية. وأعلنت قوات الشرطة التحدي ووضع نهاية لهذه البؤرة السرطانية، وقررت المواجهة مهما كانت النتائج والتضحيات، وقامت بعمل ما يشبه المعسكر الدائم لمكافحة تجار المخدرات والخارجين على القانون، والدوريات تقوم بصد الإجرام الذي سيطر على البلدة وعشش فيها، شنت قوات الأمن بكل تشكيلاتها وأجهزتها حملة موسعة تم خلالها مداهمة أخطر البؤر الإجرامية بمثلث الخوف والدمار، وتم ضبط عشرات العناصر الإجرامية شديدة الخطورة وعشرين سيارة مسروقة، وكميات كبيرة من الذخائر، ومدفع وبنادق آلية وخرطوش وأسلحة خفيفة ومسدسات والغريب أيضا انه تم ضبط قنبلة يدوية هجومية، بجانب كميات كبيرة من كل أنواع المخدرات، وسقوط عدد من العناصر الإجرامية شديدة الخطورة الذين استغلوا طبيعة المكان في نشاطهم الإجرامي، وبمداهمة القوات الأمنية لتلك البؤرة الإجرامية بادرت العناصر الإجرامية بإطلاق الأعيرة النارية تجاه القوات، ما دعاها لمبادلتهم الرصاص لإحكام السيطرة الأمنية على تلك المنطقة، حتى تم ضبطهم، وإصابة بعضهم، ومع ذلك فإن عددا كبيرا من تجار المخدرات والخارجين على القانون وزعماء العصابات وقطاع الطرق فروا هاربين لأن معظمهم هاربون من أحكام بالإعدام، ورؤوسهم مطلوبة للعدالة. وبعد هذا كله نجحت أجهزة الأمن، فى القبض على «سامح» المعروف بجبروته، يطلقون عليه هناك اسم «المرعب» فهو زعيم أخطر بؤرة إجرامية، وبسقوطه سقطت إمبراطورية الشر التي كان يتزعمها بالمثلث الذهبي، وكان السبب الرئيس في تغيير اسمه إلى مثلث الرعب، وقد سبق اتهامه فى أكثر من خمس عشرة قضية جنائية، ما بين إتجار في المخدرات والسلاح، والقتل والسرقة وقطع الطرق، ولم يستسلم بسهولة، فهو عنيد وبلا قلب، لا يعرف الخوف ولا الرحمة، يرددون هناك ان قلبه ميت، تم التأكد أولا من أنه يختبئ داخل أحد الأوكار وسط الزراعات، بادر بإطلاق الرصاص على الشرطة كما يفعل كل مرة عندما تتم مداهمة الوكر الكبير، وقد أفلت عدة مرات وسط زراعات الموالح، لكن هذه المرة تم تطويقه وتضييق الخناق عليه ولم تترك له ثغرة ليفر منها، وتم ضبطه وبحوزته بندقية آلية وعدد كبير من الطلقات النارية، وبعض المشغولات الذهبية وكيلو هيروين، وانتهت الأسطورة وتم تطهير المثلث ليعود ذهبيا كما كان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©