الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاعتذار.. فنون

11 أغسطس 2006 00:04
في حين يتبنى كثير من المخطئين مقولة ''أن الخطأ حق إنساني'' فإن قليل من التوابين يعتقد في حكمة ''أن الاعتذار واجب إيماني''· وإذا كان هناك من البشر من يجيد فن التوبيخ باعتباره مهارة فطرية وبضاعة مجانية فإنه نادراً ما نجد من يعتبره تجارة خاسرة وبضاعة مستهلكة عوضاً عن وجود رغبة في الإصلاح من الأساس· وإذا اعترفنا بأن تراكم الأخطاء يهدد بانهيار العش الهادئ، فإننا نؤكد في الوقت ذاته بأن اعتذارا واحدا صادقا كفيل بأن يقيم أعمدة أسرة بأكملها· وليس من الغريب أن تنامي ثقافة الكبر في مجتمعنا حالت دون إمكانية أن يعتذر الإنسان عن خطأ جسيم اقترفه، فكثيراً ما نجد مديرا او وزيرا قد يعتذر لفراش أو موظف بسيط لديه إذا ما تصادم معه أثناء المشي، ولكن هيهات أن يعتذر مدير عن سياسته الخاطئة في إدارته لعمله مما جعل الشاعر القروي يصفهم بقوله: عجبت لحر يستحي باعتذاره وأولى به أن يستحي بذنوبه وحين نتكلم عن فنون الاعتذار فيما يخص العلاقات الزوجية تحديداً، فإننا هنا في مقام لابد فيه أن نراعي اعتبارات عدة، منها ان أكثر ما يصعب إمكانية الاعتذار بين الزوجين هو تكرار الأخطاء بينهما، ما يجعل الطرفين يشعران أن الخطأ متعمد وليس عفويا وبالتالي تتراكم المشاعر السلبية، ولأنه - وبالعشرة - فإن كل طرف يصبح خبيراً بأغوار الطرف الآخر، فإن عملية الاعتذار تتعقد لأن الطرف المخطئ قد يسيء اختيار توقيت اعترافه بذنبه أو طريقة تقديم الاعتذار، أو ربما يخشى الإقرار بالخطأ اتقاء لردود فعل شريك حياته، أو لاعتقاده أن اعترافه بالخطأ سيفتح باب العتاب ودهاليز أخطاء السنين المتراكمة خاصة في ظل ثقافة تتبنى نظرية التعديد، حيث يهاب الفرد أن يعاتب شخصاً على خطأ واحد ارتكبه، ويرى أنه من الأفضل إعادة فتح الملفات المطوية منذ سنين ليثبت له أن الكأس قد فاض وأن للصبر حدودا· ونحن نتحدث عن ثقافة الاعتذار وفنونه، نؤكد أن الاعتذار الكاذب مقيت بين الزوجين وغير مجدٍ، لأنه يشعر الطرف الآخر أن شريكه يريد إخماد العاصفة ولا يهتم بتحسين حالته أو تفهم حقيقة الآلام التي سببها له خطأه، بمعنى أنه يعمل على إنهاء الموقف وليس إصلاحه، لذا فإن نصيف المارديني يقول: إذا كان وجه العذر ليس ببين فإن إصلاح العذر خير من العذر ويقول جونثان سويف: ''لا تجعل العذر كذبة مزخرفة'' ·ولا نستطيع إلقاء اللوم كل اللوم على المخطئ لأنه حتى لو امتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ وفضيلة طلب العفو، فإنه يدرك جيداً أن من يريد صلحه يتعامل معه على أنه خصم لم يرتكب مجرد خطأ وإنما اقترف جريمة عظمى أصابته في مقتل، لأن مجتمعنا يضخم من أخطاء الغير مما يصعب عملية الاعتذار وتصفية النفوس وفتح الستار على طريقة المذيع جورج قرداحي في برنامجه ''افتح قلبك''، ما يجعلنا نعتقد أن فتح القلوب عملية تشابه في صعوبتها مسألة فتح الخزائن والجيوب· ولكن هذا لا يعطي للمسيء حق تسليمه بالأمر على أساس أنه سيواجه صعوبة، إنما من الأفضل أن يتعامل مع الموقف على أساس أنه يواجه تحدٍيا ليثبت للطرف الآخر مدى إمكانية تحمل غضبه، فمن يتجرأ على تقديم الاعتذار يدرك تماماً أنه قد لا يفتح له الستار، ومن يطلب السماح قد لا يجد العفو ممن أساء إليه، ولكن يقينا سيجد العفو من رب من أساء إليه· والاعتذار الصادق فن له قواعده ومهارات اجتماعية نستطيع أن نتعلمها وهو ليس مجرد لطافة بل هو أسلوب تصرف ويستوجب الاعتذار الصادق، القوة للاعتراف بالخطأ ثم الشعور بالندم على تسبب الأذى للآخر استعدادنا لتحمل مسؤولية أفعالنا من دون خلق أعذار أو لوم الآخرين كما يجب أن تكون لدينا الرغبة في تصحيح الوضع من خلال تقديم التعويض المناسب والتعاطف مع الشخص الآخر· أما عن فوائد الاعتذار، فأهمها انه يساعدنا في التغلب على احتقارنا لذاتنا وتأنيب ضميرنا، وهو يعيد الاحترام للذين أسأنا إليهم ويجردهم من الشعور بالغضب ويفتح باب المواصلة الذي أوصدناه وفوق هذا كله هو شفاء للجراح وللقلوب المحطمة كما أنه يغلق مداخل الشيطان الذي يسعى لغرس الشحناء بين أفراد الأسرة تحديداً سعياً لخراب البيوت العامرة· كما نشير الى سبب جوهري يحول دون قبول الأعذار، وهو أن الإنسان، خاصة إذا ما وقع في شحناء، فإنه يكون في ظروف نفسية وانفعالية تجعل عواطفه ومشاعره هي المتحكم الأول في تصرفاته ولأن الكثيرين يجعلون مشاعرهم هي من تقود تصرفاتهم، ما يجعلهم يحكمون على من يحاول الصلح بكذب سريرته، وللإمام الشافعي قول بليغ في هذه المسألة: اقبل معاذير من يأتيك معتذراً لقد أطاعك من يرضيك ظاهره إن بر عنك ما قال وفجرا وقد أجلك من يعصيك مستترا وأخيراً فإن من أهم فنون الاعتذار، هو عدم الإسراف فيه، والسبب ببساطة أن المُساء له قد يبخس ثمن تقديم اعتذارك إلا اذا لاحظ أو شعر انك تفرط في الاعتراف بالخطأ أو تجود بكلمات الاعتذار بدون حساب، وكما قال الإمام علي رضي الله عنه، فإن المعتذر من غير ذنب يوجب على نفسه الذنب وهو القائل: أعقل الناس أعذرهم للناس· داليا الحديدي
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©