الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

مهرجان أبوظبي السينمائي يحتفي بفيلم «المومياء» بعد ترميمه

مهرجان أبوظبي السينمائي يحتفي بفيلم «المومياء» بعد ترميمه
17 أكتوبر 2010 22:17
“يامن تذهب ستعود/ يامن تنام سوف تنهض/ يامن تمضي سوف تبعث/ فالمجد لك/ للسماء وشموخها/ للأرض وعرضها/ للبحار وعمقها”. يبدأ شادي عبدالسلام مخرج ومؤلف وكاتب سيناريو فيلم “المومياء” بهذا النص الذي يناشد فيه الإنسان نفسه. “المومياء” حكاية تمتد منذ 3000 سنة يرويها عبدالسلام في 110 دقائق وفي فيلمه الذي رمم أخيراً في نسخة نادرة عرضت في أبوظبي ضمن مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الرابعة. قدم صلاح مرعي مدير الديكور الذي كان حاضراً أثناء العرض هذه النسخة بلقاء قصير مع الجمهور، فقرأ نصاً كتبه شادي عبدالسلام بعد 15 عاماً من إنتاج الفيلم وقبل عام واحد من وفاته، حيث قال فيه: “إن الناس لهم تاريخ، ساهموا في تشكيل الحضارة، فكيف نعيدهم للضوء، لا بد أن يعرفوا من هم، لا بد أن نوصل بين إنسان اليوم وإنسان الأمس وأن نقدم إنسان الغد.. هذه هي قضيتي”. يشعرنا “المومياء” بأنه يحمل موقفاً غير مرئي من قضية واضحة صراع بين ثنائيات هي: الموت/ الحياة الحرم/ الانتهاك الجوع/ البقاء العدم/ الوجود وفي كل ذلك، تتكئ معالجة الموضوعة على لعبة فلسفية قديمة أكدتها الحضارة الفرعونية، وهي أن الاسم يوازي الشخصية ويمثلها في الوجود والعدم. ففي الليلة التي يموت فيها الأب “سليم”، حيث تذهب قبيلته “الحربات” لتضعه في قبره، لا بد أن ينفذ أخوه وصيته بأن يكشف لابنيه “ونيس وأخيه”، “سر الدفينة”، وهي مجموعة المومياوات التي تقبع داخل كهف بعيد في الجبل لا يعرفه سوى العم والأب “سليم” الذي أوصى - الأخير - بأن ينتقل السر من بعده لابنيه “ونيس وأخيه”، حيث تعتاش القبيلة على لقى وحلي هذه المقبرة بأن تبيع مصوغاتها الذهبية واحدة بعد الأخرى إلى التاجر أيوب، وتوزع الأموال التي تحصل عليها القبيلة بالتساوي على أُسرها. في هذه الليلة التي يشيد فيها قبر الأب سليم تنتهك قبور أخرى، حيث تقتضي صدور المومياوات لتخرج منها اللقى والجواهر وتنكشف عين فرعونية برؤية عين أخرى لتتولد لنا ثنائيات جديدة وهي: الإخفاء/ الإظهار الأب سليم/ الأجداد الفراعنة العين الحاضرة/ العين الفرعونية سر الأجداد يبدأ الفيلم بصرخة العم شقيق سليم الدليل الذي يحمل سر الأجداد Follow Me اتبعوني فيكشف السر بعد وصية أخيه لابنيه “ونيس وأخيه” بأن القبيلة منذ زمن بعيد تبيع اللقى والحلي لتأكل وكأن ثنائية جديدة تتولد وهي: الجوع/ البقاء. ولا بد أن يتولد صراع بين ونيس وأخيه من جهة والعم وأحد كبار القبيلة من جهة أخرى ويقتل الأخ؛ لأنه رفض أن تأكل القبيلة من ما تركه الأجداد، هؤلاء الأجداد الذين يوصفون بأنهم لا أصل لهم ولا أحفاد ولا أبناء ولا عشيرة، وفي لغة درامية عالية يتولد الصراع بين الانتماء للأصل واللاانتماء. كما يتشكل صراع آخر بين القبيلة والأفندية الذين يبحثون عن مقابر السلالة الـ21 الفرعونية، حيث يرسم شادي عبدالسلام شخوصه وهم “ونيس” وأخوه وعمه وأبناء العمومة الثلاثة وأفندية الآثار وتاجر الآثار أيوب والمرابي والقواد مراد والأم وزينة “نادية لطفي” والغريب. برع عبدالعزيز فهمي في تصوير المشاهد وتوزيع الإضاءة وفي استغلال المساحات المكانية المغلقة والمفتوحة وفي تجسيد النقوش والكتابات الفرعونية على جدران المعابد، حيث بدت قيمتها المعنوية مؤثرة وفاعلة في المتلقي وفي أحداث الفيلم المكان معابد الأقصر والتماثيل والمنحوتات التي تجسد حضارة الحجر المنقوش بالإبداع البشري. “لك الخشوع يارب الضياء يا أمير الليل والظلام جئت لك روحاً طاهراً فهبني فماً لأتكلم عندك” يصادف أن تقع بردية بأيدي أفندية الآثار كان قد جلبها التاجر أيوب فيقرر هؤلاء أن يبعثوا شاباً طموحاً لاكتشاف مقابر الأسرة الفرعونية الـ21 التي حكمت مصر قبل 3000 عام. هنا ينطق الراوي “أي روح بلا اسم تهيم في عناء دائم، حيث إن ضياع الاسم يعني ضياع الشخصية”، وهذا ما تؤكده الأم أيضاً فتقول لابنها “من لا اسم له لا شخصية له”، وكأن الأم تنتمي فكرياً إلى أجداد كرسوا أهمية الاسم في صراعهم مع الوجود وهو جانب إشاري يشير إلى ترسخ هذا المفهوم، حيث الحاضر ممتداً من ماضٍ بعيد. “طيبة” هي البلدة المفقودة، وهناك شخص يبيع لقى وحلي طيبة فهو حامل السر الواقف بين المجهول/ المعلوم ضمن ثنائية لا بد أن تكسر، حيث يصبح المجهول معلوماً. يؤكد العم لونيس وأخيه بأنهما “حبات رمل في جوف الجبل” وكأنه يشير إلى أن العالم كله لن يستطيع أن يصل إلى المقبرة المدفونة في قلب هذا الجبل الذي لا تصل إليه قدم إنسان مطلقاً. يكشف العم السر لونيس، حيث العلم بالسر ذنب والجهل به ذنب أكبر ويفاجأ العم بأن ونيس يدعو إلى ترك الموتى يرقدون بسلام. يدخل ونيس في “المعرفة” وكأنه يدخل إلى الموت ضمن تعالق الثنائيات. المعرفة/ الموت الجهل/ الحياة تبدو المؤثرات الفرعونية في مجتمع قبيلة “الحربات” متجسدة في تقديس “الاسم”، وكما يتضح أن الاسم يعني الوجود وأن ضياعه يعني العدم. ويعتبر ونيس مجيء الأفندية انتهاكاً لقدسية الموت، ولكنه أهون من انتهاك القبيلة الأبدي للموتى، ولأن الموتى مطاردون منذ 3000 عام، لذا كان لا بد أن يتم الانتهاك النهائي بمغادرتهم إلى عالم مجهول، حيث يقف الأحفاد صامتين، مودعين مومياوات أجدادهم الصامتة الغامضة. ماذا أراد شادي عبدالسلام أن يقول؟ بكل بساطة ودون طروحات فلسفية يقف شادي عبدالسلام ليقدم بكائية الموتى منذ قرون على يد الأحفاد الذين ضيعوا جثامين أجدادهم ولم يدافعوا عنها - إنه موقف صارم وحاد وموضوعي - يتقاطع فيه الماضي بالحاضر والانتهاك بالحرمة والمجهول بالمعلوم وكشف السر بالحفاظ عليه واللصوصية بالشرف والبائع (سليم) بالشاري (أيوب) الذي كان يقول: لقد رحل سليم، وسيأتي سليم آخر. لقد برع شفيق نور الدين بتجسيد دور “أيوب” وأحمد مرعي بتجسيد “ونيس” وكلاهما شكّل عنصراً متقاطعاً، حيث يقول ونيس مخاطباً أيوب: “حضورك لم يعد مرحباً به بعد الآن، هذه التجارة لن تستمر بعد اليوم” فيكسر أفق توقع “أيوب” الذي كان يردد: “لقد ذهب سليم وسيأتي سليم آخر” و”كان أبوك أكثر من أخ لي”. جاء الأفندية ـ كما يقول الغريب تابعهم الذي أرسلوه قبلهم ـ يبحثون عن قوم كانت أجسادهم هنا وهم لا أهل لهم ولا أبناء ولا أحفاد، إنهم الفراعنة الذين دفنوا في طيبة. ومن خلال هذا المنطق، يحاول شادي عبدالسلام أن يقدم رؤية جديدة ومغايرة أساسها أن “ونيس” هو الحفيد المجهول لأولئك الأجداد دون أن يدري. ولكن هل كان قرار “ونيس” حينما توجه إلى الأفندي وكشف له “سر الدفينة” القابعة في قلب الجبل صائباً، وهل كانت دوافعه موضوعية أم هي تنطوي على هاجس الانتقام من القبيلة التي استأجرت قاتلين لقتل أخيه والقائه في لجة النيل، هنا يستفيد شادي عبدالسلام من الأسطورة الفرعونية التي تفدي هياج النيل بقتيل، وكأن الأخ القتيل كان المفدى والدافع لكشف السر الكبير كون إعلان ونيس السر جاء بعد سماعه مقتل أخيه على يد عمه. وتتدخل المعرفة بعد انكشاف السر ليفاجأ المتلقي بأن في المقبرة 5 أسر حاكمة وليست الأسرة 21 بل هي الأسر 17 و18 و19 و20 و21 والكتابة تقول إنهم نقلوا إلى هذه المقبرة بعد انتهاك حرماتها منذ أكثر من 3000 سنة، وأن 40 تابوتاً نقلت إلى هذا المكان المجهول، البعيد، القابع في قلب الجبل. طابور جنائزي رمسيس الثاني، تحتموس الثاني، وغيرهما الكثير ينقلون ليلاً بطابور جنائزي يمر بين الجبال ويشارف القرية متوجهاً إلى مركب الأفندي في النيل، حيث سيذهبون مع الفجر إلى مكان مجهول. وبصمت مطبق يترصد الحربات الموكب المأساوي وفي توديع مهيب يضع “ونيس” يديه على صدره وهما متقاطعان في حركة لا إرادية وكأن شادي عبدالسلام يشير فيهما إلى أن الحفيد لا يزال بشكل لا شعوري يسلك سلوك الأجداد الراحلين عن أرضهم التي استوطنوها أكثر من 3000 عام بفعل إشاري يدلل على الانتماء دون أدنى شك. يقول صلاح مرعي في تعليقه على الفيلم إنه فيلم غير واقعي وليس فيه حياة يومية بمعنى آخر نقول إنه فيلم تجريدي فعلاً، أراد أن يجسد فكرة في ذهن شادي عبدالسلام، فصارت الفكرة المجردة لوحة صورية مجردة وأعتقد أنها لو تحولت إلى لوحة حية يومية لفقدت موضوعيتها لكونها تصبح انتماء للحاضر، بينما قدم شادي عبدالسلام حكايته من عمق التاريخ الفرعوني بأدوات حاضرة وبشخوص حاضرة. هنا لعب شادي عبدالسلام على مفهوم الاسم ومن ثم الإشارة ومن ثم الرمز “الأجداد والأحفاد” وألغى الديكور واستعاض بالواقع التاريخي لا بالواقع الآني، إنها مدينة مجردة تعيش وسط تاريخ بعيد، هذا بالإضافة إلى أن شادي عبدالسلام كرّس الثنائيات القديمة التي أرقت فكر وفلسفة الحضارة الفرعونية في صراع الموت/ الحياة، والوجود/ العدم ليؤسس عليها فيلماً استحق أن يقال عنه إنه فيلم أكثر من رائع وهو بحق من روائع 100 فيلم عالمي و10 أفلام مصرية. قدم شادي عبدالسلام طقوس الموت القديمة والحديثة، فكان موت الأب يوازي موت الأجداد، إلا أن الانتهاك هنا أفسد هدأة القبر. مخبأ خرافي لا يتصوره عقل اجتمعت فيه مومياءات 5 أسر فرعونية ملكية، حيث اكتشف عام 1881 فاستعاد حكايته شادي عبدالسلام في “المومياء” عام 1969. قصة الخبيئة عندما تولى كهنة آمون الحكم، وبدأت الأسرة الواحدة والعشرون، رأى كاهن آمون مدى الحالة السيئة التي وصلت إليها مقابر فراعنة الدولة الحديثة، فقام بعملية أطلق عليها (تجديد دفن الملوك) باعتبار أن أسرة الكهنة قامت بتسمية بداية عصرهم باسم تكرار الولادة أو بمعنى آخر عصر النهضة. وقد كان عليهم حينئذ أن يعيدوا تكفين هؤلاء الفراعنة ويضعوهم في توابيت جيدة ثم يسجلون ما فعلوه فوق هذه الأكفان التوابيت. واختاروا مقبرة كانت للأميرة انجابي في جبل الدير البحري والتي استولت عليها الملكة “نسخنسو” زوج الكاهن الأكبر بينوجم وتم وضع كل هذه التوابيت في سرية تامة في تلك المقبرة وكان ذلك كله حوالي عام 1010ق.م. شادي عبد السلام.. عبقرية مبكرة ورحيل مبكر شادي عبد السلام (15 مارس 1930 ـ أكتوبر 1986) مخرج مصري متميز، حاز العديد من الجوائز الدولية، خصوصاً فيلم المومياء. ولد المخرج العبقري شادي عبدالسلام في الإسكندرية في 15 مارس 1930م وتخرج من كلية فيكتوريا بالإسكندرية عام 1948م. درس فنون المسرح في لندن في الفترة من 1949م إلى 1950م . التحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخرج منها عام 1955م.. وأتاحت له تلك الفترة أن يكون تلميذا للمعماري الكبير “حسن فتحي” فعرف من خلاله الفنون الإسلامية. بدأ شادي عبدالسلام حياته الفنية مصمماً للديكور وعمل مساعداً للمهندس الفني رمسيس واصف عام 1957م ثم عمل مساعداً للإخراج في عدة أفلام كان أغلبها لمخرجين أجانب. شارك شادي في الفيلم البولندي الفرعون من إخراج كافليرو فيتش.. وهي نقطة البداية الحقيقية في مشواره. وقد شارك في إعداد ديكورات الفيلم وأزيائه واكسسواراته. عمل أيضاً كمساعد مخرج في فيلم واإسلاماه إخراج اندرو مارتون.. والفيلم الإيطالي “الحضارة” للمخرج روبرتو روسليني والفيلم الأميركي “كليوباترا” للمخرج جوزيف مانكوفيتش. قدم للسينما المصرية عدداً من الأفلام القصيرة المهمة ومنها فيلمه الرائع “الفلاح الفصيح” 1970م، والفيلم مأخوذ عن إحدى البرديات الفرعونية القديمة والمعروفة باسم “شكوى الفلاح الفصيح”، وقد فاز فيلم الفلاح الفصيح بجائزة السيدالك في فينسيا في العام نفسه. أخرج شادي عبدالسلام أيضاً أفلام “جيوش الشمس” (1974م)، و”كرسي توت عنخ آمون الذهبي”، و”الأهرامات” وما قبلها (1984م)، وفيلم عن رمسيس الثاني (1986م). توفي الفنان العبقري شادي عبدالسلام في أكتوبر من عام 1986م قبل أن يتم أحلامه للسينما والفن والتي بدأها برائعته “المومياء”، الفيلم الذي نال إعجاب العالم كله.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©