السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«وراء الشمس» عمل فني غير مسبوق في طرح مفهوم الإعاقة

«وراء الشمس» عمل فني غير مسبوق في طرح مفهوم الإعاقة
17 أكتوبر 2010 20:12
رغم مضي ما يزيد على شهر على انتهاء عروض الدراما الرمضانية، لا تزال الأوساط الثقافية والاجتماعية تحتفي بمسلسل “وراء الشمس” للمخرج سمير حسين، باعتباره عملاً فنياً غير مسبوق سورياً وعربياً في طرح مفهوم الإعاقة، وفي الإضاءة على حياة ذوي الاحتياجات الخاصة، فكيف تابع الجمهور السوري هذا العمل؟. وهل نجح في شق الطريق أمام ذوي الاحتياجات الخاصة وأسهم في المساعدة بدمجهم في الحياة العامة؟. وهل فتح نافذة وعي على أهمية الفحص الطبي قبل الزواج، لتلافي ولادة أطفال معاقين؟ متابعة استثنائية أجمعت الأوساط الاجتماعية المهتمة على أن مسلسل “وراء الشمس” عمل فني اجتماعي بامتياز، خرج عن مألوف موضوعات المسلسلات الدرامية العربية، وقدم لأول مرة عملاً واقعياً بمستوى فني راقٍ، بحيث نجح بطرح ظاهرة ذوي الاحتياجات الخاصة بموضوعية، ولم يحاول إثارة الشفقة تجاههم، بل أوضح حقيقة أن كثيرين منهم قادرون على القيام بدور فعال في المجتمع في حدود إمكاناتهم، لا سيما المصابين منهم بمرض متلازمة داون، ومرض التوحد. وقد ساعدت القصة الواقعية للمسلسل والأداء اللافت للممثلين على جذب المشاهدين، وتوصيل الرسالة لهم بوضوح، إذ حقق المسلسل متابعة استثنائية، وحظي بشعبية واسعة في الموسم الرمضاني، وشكل علامة متميزة في الإنتاج الدرامي السوري، ليس لأنه خرج عن المألوف في ما تطرحه الدراما السورية وحسب، بل ولأنه قدم حكاية واقعية جديدة، وطرح مشكلة مسكوتاً عنها، فأضاء عليها. ويشير المخرج سمير حسين إلى أن هذا العمل احتاج منه إلى سنتين من التفكير والبحث ليتوصل إلى نص كامل بالتعاون مع الكاتب محمد العاص، كما أن إخراج مثل هذا العمل تطلب بالدرجة الأولى معرفة طبية وعلمية موثقة من قبل ذوي الاختصاص من الأطباء، ومراعاة الدقة في توصيف الحالتين اللتين قدمهما المسلسل، مع دراسة واقعية لعلاقتهما مع المجتمع. ويضيف سمير: لقد سعينا للإضاءة على أوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة بشفافية، وكنت مصراً على عدم إثارة الشفقة، لأن هؤلاء البشر بحاجة إلى أفعال حقيقية من المجتمع ومؤسساته، وبحاجة إلى أن نتعرف إليهم أيضاً، فلا نشفق عليهم، ولا نرفضهم. وعبر سمير عن ارتياحه لتقبل الجمهور للعمل ولنسبة المشاهدة العالية التي حظي بها، رغم زحمة العروض الرمضانية. نجاحات تحققت أول النجاحات التي حققها مسلسل “وراء الشمس”، كان بالتأثير في بعض الأسر التي تضم أطفالاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث كانت “تخفيهم” ولا تعلن عنهم، لكنه وبعد عرض المسلسل بدأت بعض الأسر السورية تعلن عن هؤلاء الأطفال وتخرج معهم للنزهة. كما كان لمشاركة خمسين طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة مع فرقة “إنانا” في حفل افتتاح الأولمبياد الخاص بدمشق أثره الكبير في تعزيز الرسالة التي أطلقها المسلسل، وأخذت نظرة الناس تختلف إلى ذوي الاحتياجات الخاصة من الرفض والشفقة إلى القبول والتكيف، حيث تقول “وديعة. ب”، وهي أم لطفل مصاب بمتلازمة داون: إن هذا المسلسل ساعد كثيراً في تغيير نظرة الناس إلى “المعاق”؛ لأنه قدم لهم صورة واقعية وحقيقية عن ذوي الاحتياجات الخاصة، ونفى الصورة السلبية الشائعة عن هؤلاء الأطفال المسالمين والوديعين. “فاديا. س”، وهي شقيقة لفتى مصاب بمرض “التوحد” وإحدى الناشطات في جمعية اجتماعية تقول: إن ما حققه مسلسل “وراء الشمس” تجاوز كثيراً جهود الجمعيات الاجتماعية وتفوق عليها؛ لأنه استطاع بثلاثين حلقة درامية، أن ينشر من الوعي والمعرفة أكثر بكثير مما استطاعته الجمعيات والجهات المعنية خلال سنوات، وهذا ما يثبت أن الدراما التلفزيونية عندما تكون متقنة فنياً وتوظف في خدمة هدف اجتماعي محدد، فإنها تحقق ما يشبه المعجزة. وأشارت فاديا إلى أن شقيقها “م” كان سعيداً بمتابعة المسلسل والتفاعل معه أكثر منها. وتقول “سامية عبد الرؤوف” العاملة في مجال رعاية الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة: إن ما يسجل لهذا العمل الفني عدا حكاياته الفنية، أنه دقيق علمياً في تقديمه لشخصيتي “ (علاء وبدر”، مما يدل على أنه استند إلى خبرات طبية مختصة، وقدم توصيفاً دقيقاً وصحيحاً لحالتي مرض متلازمة داون ومرض التوحد. سابقة ومغامرة السابقة اللافتة التي بادر إليها مخرج العمل كانت مغامرة حقيقية، فقد اختار فتى مصاباً بمتلازمة داون ليقوم بأحد دوري البطولة في المسلسل، وليؤدي شخصيته كما هي في الواقع، وهو علاء الزيبق ـ وهذا اسمه الحقيقي ـ وقد قدم شخصيته باسمه نفسه. وقد فرضت هذه المغامرة على المخرج سمير حسين أن يُخضع علاء الزيبق لدورة تدريبية استغرقت أربعة أشهر كاملة حتى استطاع تحويله إلى ممثل، لا يمثل، لكنه أصبح يتقن التعامل مع الكاميرا ويدرك أنه يقوم بأفعاله، ويؤدي أقواله أمامها، وأنه سيظهر على الشاشة. وإذا كانت هذه السابقة هي مفاجأة المخرج سمير الأولى، فإن المفاجأة الثانية تمثلت في الفنان الاستثنائي بسام كوسا، وهو يجسد شخصية بدر المصاب بمرض التوحد. وقد عمد إلى الاحتكاك بمرضى التوحد والرجوع إلى الكتب والأطباء المختصين وإلى مشاهدة بعض الأفلام كي يتمكن من الحالة، فجاء تجسيده رائعاً، بحيث نسي المشاهدون أن هذا الرجل المختلف هو بسام كوسا. وهذا الأداء المبدع للفنان الكبير، لعله سبب رئيس في ما حصد العمل من شعبية واسعة، بل إن بعض المشاهدين الذين فتنهم تمثيل بسام كانوا ينتظرون الحلقة الجديدة ليستمتعوا بأداء هذا الفنان المدهش. كما تألقت الفنانة نادين في لعب شخصية والدة علاء، وهي تعترف أنها لم تجسد في حياتها دوراً مثل هذا الدور، وكذلك تألقت صبا مبارك وباسل خياط في المحور الخاص بحكايتهما ضمن محاور المسلسل، أما الممثلة الكبيرة منى واصف فقد حققت حضوراً مميزاً، إضافة إلى الفنانين والفنانات ميسون أبو أسعد وعلي كريم وعزة البحرة وضحى الدبس وثناء دبسي. الفحص الطبي والإجهاض يرصد مسلسل “وراء الشمس” بشكل رئيس حياة ومعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف أعمارهم من الطفولة والشباب، كما يتوقف عند محاولات البعض استغلالهم ومعاناة ذويهم من خلال حكاية أسرة علاء وأسرة بدر، وموقف المجتمع منهم. ويفرد المسلسل محوراً خاصاً مشوقاً عن زوجين شابين “باسل خياط وصبا مبارك” يعيشان بحب وسعادة، ثم يكتشفان أن الجنين الذي تحمل به الزوجة معاق، فينشأ خلاف يتحول إلى صراع بينهما، فالزوجة التي تحس بجنينها ترفض بقوة أن تتخلى عنه وتجهض، بينما يصر الزوج على التخلص من هذا الجنين. وعبر هذا الصراع المثير والمشوق يطرح العمل أهمية “الفحص الطبي” للزوجين قبل الزواج، والذي يحول بنسبة كبيرة دون وقوعهما في هكذا مأزق. كما يطرح العمل موضوع “الإجهاض”، وهل هو مشروع أم مرفوض؟ مما يجعله مادة للنقاش بين مختلف الآراء. لقد حرك مسلسل “وراء الشمس” مياهاً راكدة وكشف المستور وأخرج قضية المختلفين من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى ساحة النقاش العلني بواقعية وصدق وشفافية، وهو ما أسهم في النجاح الذي حققه، وفي النتائج التي أسفر عنها، مما يجعل منه عملاً يستحق التقدير، ويسجل في صفحة المخرج وفريق العمل بكامله.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©