الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عودة الحب

عودة الحب
17 أكتوبر 2010 20:10
المشكلة نشأنا كأي طفلين في كنف عائلة كبيرة تجمع أبناء وبنات الأعمام في أسرة مترابطة ومتحابة، وكنت أنا وهي في نفس المرحلة العمرية تقريباً. عشنا أيام الطفولة البريئة معاً، والتحقنا بالمدرسة الابتدائية معاً، ومع سنوات الصبا وبداية عمر المراهقة عشنا معاً قصة حب ولدت ونمت وترعرعت مع أيام عمرنا تحميها صلة الدم والقرابة والغيرة والخوف عليها. كبر الحب ونضج بمرور كل يوم من سنوات عمرنا وكأنه أمر طبيعي حظي بمباركة الأسرتين والعائلة، ولما لا ..؟ إذا كان السياج الأسري والأخلاقي والقيمي هو الذي يحرس ويحمي ويصون هذه العلاقة الناضجة بكل معنى الكلمة! التحقت بالجامعة، ولم تكمل ابنة العم دراستها، وفجأة تقدم إليها أكثر من شخص مناسب للزواج منها، عندها كان لزاماً علي مواجهة الواقع، وعدم جاهزيتي للزواج حينها، ونجحت في تسويف الأمر أكثر من مرة، وتهربت هي من الموافقة على الزواج بدفع حجج وأسباب معينة، إلى أن تقدّم إليها شخص مناسب أجمع عليه الأهل، ووجدت أن نداء العقل عليه أن يقنعها بالموافقة على هذا الزواج حتى لا يتحول الأمر إلى تساؤلات لا نجد إجابة لها، وضغطت عليها للموافقة، فلا يوجد حل أمامنا سوى مواجهة الواقع، ولرجاحة عقلها ورغم المرارة والآلام، وافقت حبيبة القلب على الزواج مرغمة وكارهة، ودفنت حبها ومشاعرها بداخلها، واستجابت لنداء العقل وتزوجت من شاب مناسب، وكنت أظن أن الزواج سينسيني وينسيها هذا الحب. لكنني أعترف أنني كنت مخطئاً وواهماً. تخرجت وبعد سنوات تزوجت، وظننت أنني سأنساها. لكن هذا لم يحدث! مرّت أربعة عقود كاملة من الزمن على هذا التاريخ، لم ينس كلانا الآخر، إنما كان هُناك احترام واتفاق وعقد أخلاقي ضمني سعى كل طرف منا أن يصونه ويحفظه ويلتزم به، وهو حماية خصوصية كل طرف، وعدم الإساءة أو المساس بحياة الآخر، وكلانا ـ كأحباء أو إخوة ـ يتمنى للآخر حياة زوجية سعيدة ومستقرة وهانئة، ولم يسع أي طرف أن يلتقي عمداً بالآخر طيلة هذه المدة. ومرّت السنوات الأربعين لم أر ولم أقابل حبيبة القلب إلا صدفة أو خلال المناسبات الاجتماعية التي كنا نلتقي فيها بحكم القرابة، ولم تتعدد هذه المرات أكثر من عشر مرات على الأكثر خلال الأربعين عاماً، وكانت تقتصر على كلمات المجاملة والتحية والتساؤلات التقليدية الواجبة في مثل هذه المناسبات، لكنني أستطيع أن أجزم بأن مجرد الرؤية أو حتى ذكر اسم الطرف الآخر كفيل باستدعاء ذكريات الحب الكبير وتفاصيله على مدار سنوات عمرنا. عاشت حبيبة القلب حياة أسرية كريمة مستقرة وهانئة وأنجبت شابين وفتاة شقوا دراستهم وحياتهم بشكل ناجح ومشرف وتزوجوا جميعاً وأنجبوا أحفاداً. وأنا كذلك جنيت ثمرة النجاح والاستقرار بفضل زوجة صالحة محترمة وراقية تتمثل فيها كل الخصائل الحميدة، وكانت السر الأكبر في نجاحي وتوفيقي في الحياة، وأنجبت ثلاثة أبناء أيضاً هم ثروتي الحقيقية في هذه الدنيا، أحسنت تربيتهم وتعليمهم بما يدعو إلى الفخر والحمد لله. المهم.. أن زوج حبيبة القلب توفاه الله منذ سنتين تقريباً، وصدمت بالخبر في وقتها، وبادلتها التعزية وبعدها بعام تزوج ابنها الأخير، وبالطبع بادرت بالسؤال والاطمئنان عن أحوالها من حين لآخر ولاسيما أنها رتبت حياتها ما بين بيتها وبيوت أبنائها وبناتها بعد وفاة زوجها، إلى أن التقينا مؤخراً في مناسبة اجتماعية جمعت كل أطراف العائلة. لا أعرف لماذا كان هذا اللقاء مختلفاً؟ كم شعرت بأنها في حاجة إليَّ أكثر من أي وقت مضى، ووجدت نفسي أفكر فيها طيلة الوقت، ربما وبخيالي هاجس عودة المياه إلى مجاريها الطبيعية وسألت نفسي لماذا لا أتزوجها.. وتبادلنا تداعي الذكريات.. وتحدثنا أكثر من مرة عبر الهاتف. وأصبح شريط الذكريات هو موضوع حديثنا شبه اليومي. لم نتطرق لأمر الزواج، لكنني أشعر أنه أصبح من واجبي، أو على الأقل يفترض أن أفاتحها وأعرض عليها الأمر، رغم أنني أعرف أن هذا الأمر يتعارض مع أمور كثيرة اجتماعية وأسرية ومعارضة الأهل والمجتمع والأبناء، رغم أنني على يقين أن الالتزام الأخلاقي والعاطفي يلزمني أن أعرض عليها الأمر، ورغم أنني أثق بأن هذه هي رغبتها وأمنيتها، إلا أنها ستقاوم هذه الرغبة تحسباً لنظرة المجتمع ولاسيما أننا في نهاية العقد الخمسين من العمر. هل أفاتحها في الأمر وأعرض عليها الأمر؟ هل أتزوجها؟ إنني أرغب في ذلك رغبة حقيقية لتعويضها سنوات الحب الضائع والحرمان المفقود.. لكن بلغة العقل بعيداً عن العاطفة.. هل أنا على صواب؟ أرجو النصيحة! أبو شادي النصيحة سيدي.. لقد آلمتني كثيراً، وعشت مع كل كلمة حكايتك بكل تفاصيلها المؤلمة التي تصلح لأن تكون فيلماً سينمائياً تراجيدياً.. لن أحجر على رأيك ومشاعرك وذكرياتك وحقك في أن تحلم وتتمنى وتسرح بخيالك، فعلى الأقل تعيش ولو للحظات مع ذكريات الزمن الجميل، وهذا حقك ولن أستطع أن أحجب عنك تداعياته الجميلة. وأحيي فيك مشاعرك الإنسانية قبل العاطفية، لكن دعني أسجل تقديري لموقفكما بعد زواج حبيبة القلب قبل أربعين عاماً، وأظن أن هذا أمر طبيعي بين أناس يعرفون معنى الحب والمشاعر الصادقة ويقدرون جيداً ما للحبيب عند الحبيب من حقوق والتزامات قيمية وأخلاقية. نعود إلى سؤالك.. ولكي أجيب عليه، علينا أن نستعين بلغة الحساب والأرقام قبل أي شيء آخر.. ربما هذه الطريقة لن تروق لك.. لكن نحاول: من هم الأطراف الرابحون «المؤيدون» لهذا الزواج إن تم؟ ربما أنت وهي فقط، ومن تتوقع من أصوات معارضة ورافضة لهذا إن أعلن؟ أظن أن الأبناء من الطرفين سيكونون في مقدمة الرافضين، ولا سيما أبناءك لأنهم غير متزوجين، ولم تشغلهم زوجاتهم بعد كما هو الحال في أبنائها وابنتها، وقد يكون رفض أبنائها أخف وطأة لوفاة والدهم، لكن أعتقد أن زوجتك.. وأولادك سيكونوا في مقدمة الرافضين، وربما هناك أعداد كبيرة من الأهل ستعارض هذا الزواج وان كان ليس لديهم الحق مع ظروفها كأرملة لكن الضغط الاجتماعي ربما يكون أقوى في مثل هذه الحالات. ماذنب زوجتك وأنت تقول فيها هذا الثناء؟ بالطبع لن تقدر هي كامرأة تاريخ هذه العلاقة وما جرى بينكما. إنها ستفكر في الأمر كأنثى وسيدة صاحبة مملكة مستقرة أنت وهي دعامتها معاً. لن تغفر لكما أنكما تبنيان بيتاً جديداً في «الوقت الضائع» على أنقاض مملكتها السعيدة. قد تتهم أنت بالأنانية، أما حبيبة القلب فلها عذرها كأرملة، لكن ستخسران معاً كثيراً من هذا الزواج. وأعتقد أن استمرار علاقتكما الأخوية المحكومة برباط الأسرة والعائلة والمغلفة بمشاعر الحب الحقيقي الطاهر الخال من أي هدف، ستظل الأقوى والأمتن والأدوم، ويظل الحب القوي قوياً وشامخاً وكامناً في قلبيكما حتى آخر لحظات العمر.. إن سمو العقل والمنطق فوق العواطف والغرائز قيمة لا يعرف معناها إلا من جربها. ولعلك تحظى باحترام مضاعف لنفسك وذاتك عندما تواجه هذه الحقيقة. أظن نجحت في أن أترجم ما أريد أن أنصحك به.. أتمنىَ!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©