الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سرديّة سوريّة جديدة للطائفية

سرديّة سوريّة جديدة للطائفية
6 أغسطس 2014 20:20
* "قميص الليل" تتميز بالموقف النقدي الصارم وهي ترصد تلوينات اللحن الطائفي الدامي * "رمش إيل" تتميز بالطابع الملحمي الذي نتأت فيه الطائفية وأبهظت السياسة على الفن ------- أسرعت الطائفية إلى تلويث الزلزلة السورية، بعد قليل من وقوعها عام 2011، ومن تخافت صوت السلميّة فيها مقابل جلجلة صوت العسكرة. وسرعان ما كان لذلك سرديّته الجهيرة، مما نمثل له بالرواية الأولى لفخر الدين فياض (رمش إيل)، وهي التي فازت بالمرتبة الأولى من جائزة المزرعة 2014 التي نظمتها رابطة الكتّاب السوريين، وموّلها رجل الأعمال والمثقف السوري يحيى القضماني. كما نمثل لهذه السردية برواية سوسن جميل حسن (قميص الليل) والتي فازت بالمرتبة الثالثة من جائزة المزرعة نفسها. وقد صدرت الروايتان للتوّ عن دار نون الإماراتية. رمش إيل تنادي (رمش إيل) السيرة المجتمعية الفلسطينية اللبنانية السورية منذ هزيمة 1967 حتى العام الثالث للزلزلة السورية. وتحفل الرواية في جزئها الأول بالعديد من الشخصيات والأحداث ذات الطابع الملحمي الذي نتأت فيه الطائفية، كما نتأت في الجزء الثاني، حيث أبهظت السياسة على الفن. في حي الصليبة (السني) من مدينة اللاذقية نزل بطل الرواية نجيب، وصديقه سعيد. ومما يفيض به السرد هنا قصة الجار الفقير الطالب العلوي (حيدر) الذي سيصبح عقيداً في الأمن العسكري، ويقتحم حي الصليبة في نيسان 2011 ليقضي على انتفاضة أهلها. وفي هذا السياق، يتابع السارد أن (روزيت) تختفي، وهي المعارضة عكس زوجها الموالي للنظام. وتشرح الرواية أن الاختفاء كان انتقاماً للعقيد حيدر منها، استجابة لما ورث من عهد فتوته. وفي واحد من التعميمات التي تضيق بها الرواية، وبعد سردية مجزرة قرية البيضا الشهيرة، يشرح نجيب لسعيد، وقد صارا عجوزين، أن المجزرة رسالة للأقلية القروية –العلوية؟- تقول: إما أن نغرق معاً أو ننجو معاً. من قبل، وعن الحركة التصحيحية التي جاءت بحافظ الأسد إلى سدة الحكم في سوريا عام 1970، تروي الرواية أن احتفالات كثيرة حصلت في القرى المجاورة للاذقية، لكن الصليبة لم تكن سعيدة بذاك الحدث. وبصدد حرب 1973. يقرر السارد أن تلك الحرب مرت على الصليبة سريعاً، ووحدها تلك القرى المحيطة بالصليبة، شعرت بالانتصار والتحرير، وارتفعت أصوات أهلها في شوارع الصليبة بالظفر والثقة بالنفس!. يمضي السارد هنا إلى التزوير، كأن لم يكفه خطل القول ومجانيته. وأهون ذلك أنه ما من قرية محيطة بالصليبة، البتّة. أما أن حرب 1973 مرت سريعاً على الصليبة بينما شعرت القرى بالانتصار، فهو أرذل القول الطائفي الذي سيتواصل حين يقرر السارد أن المخابرات ذات طيف واحد، اختير رجالها من قرى الساحل البعيدة من الجهلة والسذّج، وجرى تدريبهم على أن الموت من أجل الرئيس هو موت من أجل أبنائهم وزوجاتهم، كما جرى تدريبهم على كره أهل البلاد، وليس المعارضين فحسب. لكن الرأفة الطائفية بالعلويين تدرك السارد أخيراً، حين يفرّ عبدالرحمن من الاعتقال، ويلجأ إلى بيت من (الساحل) في حي الزاهرة الدمشقي، ليخاطب فادي من بعد عن حجم الضغط الذي تعانيه الطائفة العلوية التي تساق إلى الذبح مثل الماشية. وفي إشارة إلى المستقبل، يشبه عبد الرحمن العلويين بكائن مدفوع للقتل، وهو يدرك أن القصاص آت لا ريب فيه. وهكذا تفوق محنة هذه الطائفة محنة أي طائفة أخرى. وللدروز نصيبهم الكبير في الرواية التي تصوّر أن النظام يتعامل مع الجبل بحذر وعناية، خشية أن تتحول المظاهرات المعارضة الصغيرة إلى حالة شعبية، إذا ما مارس عنفاً على أبناء السويداء –والكاتب منها– على الرغم من أن بينهم من نال من عنف النظام قدراً، ومنهم من قتل تحت التعذيب. ولئن جرى اعتقال مئات لأيام أو أسابيع أو شهور، فالسارد يؤكد أنهم معززون مكرمون بالقياس إلى معتقلي الطوائف الأخرى –بينما عقوبة المعارض العلوي مضاعفة، كما سبق للسارد أن قرر– فالنظام أراد هذه التفرقة والفتنة حتى في المعتقل. وحين ألجأت أسرة شاباً درزياً من الشبيحة في مظاهرة، بدا هذا الشاب حانقاً على أهل الجبل لأنهم بحسبانه قد تقاعسوا عن مشاركة السوريين ثورتهم. لا يوفر السارد تنسيقية السويداء المعارضة، فيحدث عن فسادها بسبب المال السياسي. ويذهب إلى أن "المعارضة التي امتطت الثورة تشبه النظام في انتهازيتها. النظام يسفح دمنا والمعارضة تتاجر به". ويروي السارد أن معظم شباب جبل الدروز يشترطون قبل المظاهرة المعارضة ألا يتم تصوير أي فيديو، لأن الفيديو يباع، والعصابة تقبض ثمنه على شكل تبرعات من الخارج تضعها في جيوبها. بعد سنة من الثورة، ترسم الرواية أن لا أحد يثق بأحد، وأن النظام ربط كبار الطائفة بالمناصب والمال. وعلى لسان الصحفي عامر الحاصباني الذي تلوح الرواية به للسيرية، أن معظم شباب الدروز صاروا في الغربة، ويقرر أن محنة الشباب المتظاهر في الجبل هي أن الجميع حوله يتآمرون على جذوة شجاعته. وتفسح الرواية لأحد شيوخ العقل الثلاثة، ليقول: "ربما لله حكمة في تحييد الجبل هذه المرة"، وليقول أن لا ضير لسوريا إن خرجت محافظة دون تدمير. وما يمكن للمشيخة فعله هو (الحرم) الذي رماه الشيوخ على من يخرج في مسيرة مؤيدة. ولا يخفي هذا الشيخ الذي لا تسميه الرواية أنه يحب من أبناء الطائفة الذين هم جميعاً أبناؤه، أولاء الذين يتظاهرون من أجل حرية البلاد وكرامتها، وهو يكره أبناءه الشبيحة الذين يعتدون على المتظاهرين. وقد استهوت فادي (لغة السلام) التي يتكلم بها الشيخ، ويقول: "سأتأخر كثيراً لأدرك أنه كان يرى أبعد منا جميعاً". في هذا السياق، من رواية (رمش إيل) يشرح فادي أن السويداء تحولت سريعاً إلى موالية للنظام جراء تخويفه للأقليات. وفي موقع آخر يعلن السارد أنه لم يتفهم أسباب تخاذل الأقليات، وأنهم خارج النسيج السوري. لكن فادي سيذهب إلى أنه حين يكون لدى الأقليات مشكلة في الانتماء، فالأمر مشكلة الأكثرية أيضاً، وربما يكمن جذر المشكلة في التاريخ الذي تتحمل الأكثرية مسؤوليته دائماً. لا يهوّن حديث الأقليات هذا مما سبقه من الرطانة الطائفية في الخطاب الروائي لرواية (رمش إيل)، وعلى أية حال، ليس كل ما تقدم إلا بعض ما انطوت عليه، ولذلك لا بد من قولٍ آخر في إنجازها الفني وبخاصة منه: البناء المميز للشخصية الروائية. قميص الليل وداد وحياة صديقتان من قبل أن يعصف العصف بحماة عام 1982 ومن ذلك العصف إلى السنة الثالثة من الزلزال السوري، كان تدمير الصداقة، ومنه ما كان للطائفية، كما يجلو الحوار - النقار حين تسأل وداد صديقتها عن ذنب الأطفال والنسوة والكبار الذين يقتلون كل يوم "فقط لأنهم ليسوا منكم". ولا يحتاج المرء إلى الذكاء كي يدرك إذن أن وداد (الحموية) سنية، وحياة (اللاذقانية) علوية، وأن السؤال اتهامي. تتساءل حياة ملتاعة عما إن كان يحق لوداد أن تحاسبها عن أخطاء لم ترتكبها، أو يحق لها أن تتهمها بالانتماء إلى جماعة ترفض الانتماء إليها، كما ترفض الانتماء إلى أية فئة أو جماعة أو تنظيم أو مذهب غير وطنيتها السورية التي (تفتح لي باب الانتماء إلى إنسانيتي). لكأن هذا الحوار- النقار، قادم للتوّ من فضائية ما أو صحيفة ما، حيث يجلجل صوت سوري معارض ما بالطائفية. لكن الصوت قادم من رواية سوسن جميل حسن (قميص الليل). ولسوف يلي في الحوار - النقار الأسئلة والاتهامات التي من سجّيل: ألم تصمت جماعتك عن مجازر حماة، وتوالي الظالم لأنه ابن طائفتك؟ أليست القيادات بأيدي أبناء ملّتكم، فما ينفع أن منهم من اعتقل ومنهم من مات في السجون؟ لماذا بقيتم صامتين عندما قصفت الحفة (وهي من ريف اللاذقية) واندفع إليها الشبيحة مثل الجراد يقش الأخضر واليابس، بعد ما هرب أهلها من الموت؟ في ردود حياة – وهي كاتبة تلوّح لسوسن جميل حسن بالسيرية – تتساءل عن دور بعض تجار الشام وصنّاع حلب ورؤساء العشائر وأصحاب الأموال. . في النظام الذي تحاكم وداد بجريرته طائفة أفقرها النظام وجعلها مرتهنة لوجوده. وليس يخفى في هذا الذي تدافع به حياة أنها انزلقت إلى الحوار – النقار من موقع طائفي. أما وداد التي نصّبت نفسها قاضية في محكمة ميدانية، فهي ترى أن جماعة حياة لو التحقوا بالثورة، لغسلوا ماضيهم، فماذا ينفع حياة أن تسأل عما إذا كانت الثورة قد قامت من أجل الدعوات إلى حرب طائفية وإلى إبادة العلويين، والتي تراها وداد دعوات محقة؟ في زمن الحب الذي جمع بين حياة وحمدي –شقيق وداد– عدّت الطائفية من آليات التفكك الاجتماعي، ويتضاعف خطرها في الأزمات. وكان حمدي الذي سيرميه النظام في السجن، يرى أن التصنيفات الفئوية الصغيرة ضرورية لاستمرار النظام. ومن ذلك الزمن، ترصد حياة على إيقاع مجزرة حماة 1982 أن الرموز الطائفية كانت قد بدأت تروج: الصلبان، سيف ذو الفقار، وأزياء غريبة ليست إلاّ أزياء التشدد الإسلامي بأفغانيته الصاعدة آنئذٍ، وإن تكن حياة لم تحدد بصراحة. لكن حمدي سيرتد عن يساريته مثل وداد بعد خروجه من السجن. ومثل تشدد الشقيقين إسلامياً، يفرق الطلاق بين حمدي وحياة التي تظل مشبوحة بين ابنها الذي تربيه وداد على نهجها، أولاً، وبين شقيقها المريض نفسياً والمذعور من المخابرات والحرب الطائفية، ثانياً، وثالثاً بين التجييش الطائفي وسيطرة بعض الفصائل الإسلامية المسلحة المتشددة والطائفية. وفي هذا تترجّع أصداء سنة 2013 في ريف اللاذقية الشمالي، وذلك في ختام الرواية، حين كانت المجازر الجماعية تتكشف عن إبادة عائلات بكاملها في قرى علوية، منها: بارودا، عرامو، بلوطة، بيت الشكوحي، الحمبوشية. . . . . فالمسلحون ذوو العصابات والرايات السوداء، –وبينهم غرباء عن سوريا– ويحملون الأسلحة البيضاء التي أمعنوا بواسطتها في أجساد الضحايا، يكبرون ويتوعدون بالانتقام لضحايا المجازر السابقة في مناطق أخرى. ولا تنسى حياة من خطفهم المسلحون من النساء والأطفال. كما لا تنسى الكتائب المؤازرة للجيش، والتي يشكل جزءاً كبيراً منها ما يدعى بجيش الدفاع الوطني. وتبين حياة أن قوام هذا الجيش من الشباب الذين تجرى لهم دورات قصيرة (يدججون خلالها بالعقيدة: الدفاع عن وجود الطائفة التي يتهدد أمن الوطن وأمنها). وتشرح حياة: عقيدتان هما من التطرف الكافر الحاقد، تتواجهان على رقاب الآمنين، كما جرى في البيضا والحولة وعقرب وغيرها من المجازر. . . لقد تميّزت رواية (قميص الليل) بالموقف النقدي الصارم، وهي ترصد تلوينات اللحن الطائفي الدامي، أياً يكن من يعزفه: علماني أم قومي أم إسلامي، وموالٍ أم معارض، وإلى مثل ذلك تتضاعف الحاجة السورية كل يوم. وعلى أية حال، لم يبدأ حديث الطائفية في سوريا روائياً مع روايتي (قميص الليل) و(رمش إيل)، ففي روايات عديدة صدرت قبل زلزال 2011 مما كتب حيدر حيدر وممدوح عزام وروزا ياسين حسن وسمر يزبك وهيفاء بيطار وكاتب هذه السطور، وسواهم كان للطائفية سردية ما، أو جزء من سردية، بيد أن روايتي (قميص الليل) و(رمش إيل) جاءتا بتسريد جديد للطائفية على إيقاع الزلزال الذي زلزل بسورية منذ ربيع 2011.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©