السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«فراق».. صيغة إيرانية للعيش

«فراق».. صيغة إيرانية للعيش
20 يوليو 2011 19:43
فيلم إيراني جديد صنع الحدث في عالم السينما، حتى إن كبريات شركات التوزيع في العالم اشترت حقوق عرضه في قاعات السينما في مشارق الأرض ومغاربها، بل وتنافست بشراسة للفوز لثقة القائمين على هذه الشركات بأن الاقبال على مشاهدة الفيلم سيكون كبيراً، وبالتالي سيجنون من عرضه ارباحا مالية ضخمة. فعلا فقد أثار الشريط الإيراني “فراق” للمخرج أصغر فارهادي، بموضوعه وإخراجه وممثليه الإعجاب، بل الإعجاب المفرط الذي وصل حد الانبهار، وحصل إجماع من النقاد الغربيين على جماله وروعته وبأنه قادر على جلب عدد كبير من الجمهور الغربي لمشاهدته، وليس من باب الصدفة حصول هذا الفيلم على الجائزة الأولى في مهرجان “برلين” السينمائي في دورته الأخيرة الواحدة والستين، وهو مهرجان عريق يكاد يضاهي في شهرته وسمعته وقيمته الافلام التي يتم اختيارها للمشاركة في مسابقته الرسمية مهرجان “كان” ذائع الصيت. ورغم ان هناك من علق قائلا ان الجائزة الاولى لمهرجان برلين التي اسندتها لجنة التحكيم لهذا الفيلم هي “سياسية” أكثر منها “فنية” اعتبارا لاهتمام العالم بايران وتتبعه لكل وجهة نظر نقدية من الداخل، إلا ان الحقيقة التي جزم بها كل النقاد هي ان الجائزة مستحقة فنيا ولا غبار عليها. صراع طبقي وتدور قصة فيلم “فراق”، الذي يعرض هذه الأيام في عدد كبير من الصالات الأوروبية، حول زوج وزوجة ينتميان إلى النخبة الإيرانية المثقفة كانا يعيشان عيشة راضية، إلا أنه عصفت الأيام بعلاقتهما وقررا الانفصال رغم أن لهما بنتا في الحادية عشرة من عمرها، فالزوجة قررت رغم بقية حب لزوجها أن تسافر ـ ولها إمكانيات ذلك ـ فهي لم تعد تحتمل العيش في ايران لأسباب مختلفة، في حين إن زوجها لم يكن يرغب في ذلك، ومما زاد المسألة تعقيدا رغبة الزوجة وقرارها بأخذ ابنتها معها. ويبدأ الفيلم بمشهد الزوجين وهما أمام القاضي للنظر في قضية “الفراق”، والحوار في الفيلم كله حوار سلس بسيط في ظاهره عميق في من يمعن فيه النظر والتدقيق، وتتالى بعد ذلك أحداث تبدو عادية لو تم سردها في شريط آخر، ولكن براعة كاتب السيناريو في هذا الفيلم أضفت على تلك الأحداث تشويقا دراميا مما يجعل المتفرج مشدودا الى الفيلم الى آخر لقطة فيه، علما وإن عرضه يمتد الى ساعتين وثلاث دقائق. ويروي الشريط قصة “نادر” الذي فارقته رغما عنه زوجته وطلبت الطلاق، فالتجأ الى ممرضة للعناية بوالده المسن المريض بداء “الزهايمر”، المقيم معه في نفس الشقة، ولم يكن الرجل يعلم ان هذه الممرضة الشابة هي حامل وإنها قبلت العمل بدون موافقة زوجها المضطرب نفسيا والعاطل عن العمل والعنيف معها. هي امرأة شابة فقيرة نسبيا، ومشغلها نادر هو من الطبقة البورجوازية، ويبرز الفيلم الصراع الذي عاشته المرأة بين قناعاتها الدينية وبين اضطرارها للعناية برجل غريب عنها والاهتمام بخصوصياته بحكم هرمه ومرضه، ثم تتشابك الأحداث عندما يطردها نادر من عملها بسبب ما يراه اهمالا لوالده، واحتد ذات مرة النقاش بين الممرضة ونادر الى درجة أنه دفعها فوقعت بعد ان تعثرت بالسلم، وادعت أنها أجهضت جنينها نتيجة لذلك، وتقدمت بشكوى للقضاء. وقد أراد المخرج من خلال مثل هذه الأحداث والوقائع اظهار الصراع بين الطبقات الاجتماعية في ايران اليوم، والرسالة الضمنية للفيلم هي دعوة مبطنة لمجتمع اكثر عدلا واقل طبقية، وقد لاحظ بعض المشاهدين ان الفيلم يكاد يكون وثائقيا لقربه من تصويره الصادق للواقع، ويصح القول انه فيلم ملتزم، وقد تضمن نقدا للقضاء الايراني. الانسان ومتناقضاته إن قراءة متعمقة لفيلم “فراق” يقف على الرسالة التي اراد المخرج تمريرها، وهي ان “الفراق” هو في الحقيقة يخص الزوجين، ولكنه يخص أيضا الطبقات الاجتماعية المتفاوتة في ايران اليوم، فصراع عائلة نادر الغنية البورجوازية العلمانية مع عائلة الممرضة الفقيرة والمحافظة والمتدينة، هو وجه من وجوه واقع المجتمع الايراني اليوم، وقد أبرزه المخرج بشكل سلس ممتع رغم قتامة الأحداث أحياناً. والفيلم يتعرض الى العلاقة بين الزوج وزوجته ويعرج على مكانة الدين في المجتمع ويحلل أسباب صراع الطبقات الاجتماعية وكذلك مشكلات المراهقة والمسنين والشيخوخة، وفي نهاية الأمر فان الفيلم هو تحليل فني جميل للانسان في صراعه اليومي بين متناقضاته، وهو بذلك يتجاوز الواقع الايراني الى واقع الانسانية من خلال نقاط الاستفهام الكثيرة التي يطرحها امام المشاهد الذي يبقى مرتبكا، اذ يجد ان كل الشخصيات هي في نفس الوقت على حق وعلى خطأ. وقد تعمد المخرج من خلال أسلوب السرد للحكاية ان يترك المتفرج حكما من خلال مقاييسه الشخصية الذاتية، كما تعمد كاتب السيناريو أن يترك الاحداث المتسلسلة دون حلول، وهو ما يترك المشاهد في شك دائم بل ان تقدم الاحداث تدفعه دفعا الى تغيير احكامه، وهو ما زاد الفيلم تشويقا، كما ان هناك أيضا ظلال تبقى مخيمة على أحداث الشريط وأبطاله، فلا احد يملك الحقيقة والنظرة للاشياء وللناس وللحياة تبقى نظرة غير موضوعية في أغلب الاحيان. والحقيقة ان مخرج الفيلم أصغر فارهادي والذي لم يتجاوز التاسعة والثلاثين من العمر سبق ان لفت انتباه النقاد في فيلمه السابق أيضا وعنوانه “عن إيلي”، الذي سبق له أن شارك في العديد من المهرجانات السينمائية، ومنها مهرجان أبوظبي، وهو شريط يروي قصّة مجموعة رفاق وأصدقاء، هم طلبة بكلية الحقوق بجامعة طهران، غادروا العاصمة في رحلة ترفيه إلى البحر، وفجأة تختفي الفتاة “ايلي” وهو الحدث الذي يشكل منعرجا في الاحداث، وأظهر المخرج فاراهادي براعة في سرد الاحداث التي تنقلب في الأخير الى أحداث درامية. وأجمع النقاد على ان حبكة الشريط محكمة وان السيناريو متقن والممثلين ادوا اداورهم بتفوق واقناع. صورة المرأة الإيرانية والمميز ان نظرة المخرج للمجتمع الايراني من خلال القصة هي نظرة متفهمة، ولكنها واضحة وثاقبة وناقدة طبعا. والفيلم ـ الذي تحصل هو أيضا في دورة سابقة على الجائزة الفضية لمهرجان “برلين” أبرز براعة فاراهادي وتفوقه وجرأته في نقده للمجتمع الايراني نقدا لاذعا من خلال تقديم شخصيات يغلب عليها الغموض والريبة، كما سعى في فيلمه السابق وفيلمه الجديد أيضا الى تحليل علاقة الرجال بالنساء في ايران اليوم، وكشف مدى تغلغل ظاهرة الكذب والنفاق بين الاشخاص، فالكل يكذب على الكل من اجل صيانة المظاهر. وقد لاقى شريط “عن إيلي” اهتمام النقاد الغربيين الذين اجمعوا على انه احد اجمل الاشرطة السينمائية، وقال ناقد معلقا عليه: “ان السينما الايرانية تقول الكثير بقليل من الكلفة”، ولا يخلو الفيلم من شاعرية وجمال اذ تم تصوير أكثر مشاهده في شمال إيران في مكان تكسوه الخضرة قرب نهر. والمخرج فاراهادي له أفلام أخرى من بينها “حفلة النار” الذي صور فيه 24 ساعة من حياة زوجين يمران بأزمة في علاقتهما. وما لفت الانتباه في فيلم: “عن إيلي” هي الصورة الايجابية التي يقدمها عن المرأة الايرانية اليوم ـ وذلك خلافاً للصورة النمطية التي يقدمها الاعلام الغربي عنها ـ فالمرأة في الفيلم متحركة وفاعلة وهي التي تقود أحيانا، وهي أيضا التي تجد الحلول للمشاكل ونفوذها واضح وهو نفوذ لا يلاقي اعتراضا من الرجال. وفي تحليله للعلاقة بين الزوج وزوجته فإن الشريط أظهر مكانة المرأة المحددة، فهي لها دور مهم ولكن الحدود واضحة، خصوصا وان فيلم “عن ايلي” يصف حياة اشخاص ويحللها، ولكن هناك من النقاد من رأوا في الشريط وصف وتحليل لايران، ولأن الغرب متعطش بل ومتلهف لمتابعة ما يجري في ايران فإنه يلتقط بعين فاحصة كل ما يأتي من هذا البلد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©