الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كل الأحداث تتشابه مع الواقع

كل الأحداث تتشابه مع الواقع
20 يوليو 2011 19:39
أثارت الفورة الروائية النسوية في السعودية الكثير من الجدل حولها سلباً وإيجاباً، لاسيما ما يتعلق منه بالقيمة الجمالية والفنية لتلك الأعمال والتجارب التي شكلت قضايا المرأة ومعاناتها الاجتماعية والثقافية في مجتمع شديد المحافظة محورها، إذ رأى البعض في تلك التجارب علامة مهمة تعكس مدى تطور الوعي النسوي والتجربة السردية النسوية، فيما عاب عليها آخرون ضعف مستواها الفني واستغلال موضوع المرأة والجرأة في الطرح لتحقيق شهرتها ورواجها. إن أحادية الرؤية والقراءة في هذين الموقفين تكشف عن الإشكالية النقدية التي ما نزال نعاني منها، إذ إن كلا الموقفين ينطوي على شيء من الصحة لكن تعميمه بهذا الشكل أو ذاك هو المشكلة في تقييم تلك التجربة السردية، وتعد الروائية سارة العليوي واحدة من الأصوات النسوية في المشهد السردي السعودي، فقد صدرت لها روايتا “سعوديات” و”لعبة المرأة رجل”، وصدرت مؤخرا لها رواية جديدة حملت اسم “وللكذب رجال”... تفصح الرواية منذ عنوانها الرئيس عن مقاصدها الدلالية التي تشكل بؤرة العمل السردي ومحوره والتي تتمثل في حكم القيمة الذي تلخص فيه الكاتبة موقفها الأنثوي من العلاقة مع الآخر الرجل والنظرة إليه، كما تكشف عنه تجارب بطلات الرواية الثلاث شهد وسلطانة وداليا اللواتي يمثلن ضحايا لكذب الرجل وممارساته الذكورية مع المرأة، ينطوي هذا العنوان على بعد إيديولوجي نجده واضحاً في الربط بين الرجال والكذب. ولعل استخدام الكاتبة لصيغتي الجمع والتنكير على مستوى البنية النحوية للعنوان ما يشي بجانب التعميم الذي يحاول هذا العنوان تأكيده ومنحه طابع الإطلاق في الحكم. لكنه قبل الحديث عن الدور الذي يلعبه العنوان على صعيد أفق التوقع والتأثير في المتلقي الذي ينبع من العلاقة التي يقيمها مع القارئ بوصفه صلة الاتصال الأولى بين الكتاب والقارئ، لابد من الإشارة إلى أن استراتيجية بناء العنوان واختياره تنطوي هي الأخرى على تلك المقاصد التي يسعى العمل السردي إلى إيصالها إلى القارئ، وبالتالي إدانه الرجل من خلال فضح ممارسته وألاعيبه مع المرأة. ولما كانت شعرية العنوان تتضمن حكماً تلك العلاقة الجدلية القائمة بين العنوان والمتن، وعلاقة الإحالة المتبادلة على الآخر، فإن هذا العنوان الذي يشكل تكثيفاً واختزالاً لعالم العمل ـ وهو ما سنجده واضحا في المتن السردي الحكائي من خلال تجارب تلك الشخصيات الأنثوية الثلاث ـ يقوم على الربط بين الرجل والكذب الذي تكون المرأة ضحيته، لكون الكذب يطبع سلوك الرجل دوما ذلك أنه يحاول استغلال مشاعرها بغية الإيقاع بها، للوصول إلى حاجته باعتبارها جسداً يثير رغباته وحبه في امتلاكه والتمتع به. على خلاف العادة المتبعة عادة في بعض الأعمال الروائية من وضع تنويه في بداية الرواية يعلن فيه الكاتب أن وجود أي تشابه بين شخصيات الرواية ووقائعها وبين الواقع هو أمر غير مقصود، فإن الكاتبة تصرّ على وجود هذا التشابه بغية إعطاء الوقائع والموقف الأخلاقي الذي يفصح عنه عنوان الرواية مصداقية تحاول تأكيدها والإصرار عليها، بهدف فضح الواقع وممارسات الرجل الذكورية اتجاه المرأة في المجتمع، وتأتي جملة الاستهلال أو عتبة السرد التي تقتحم حدث الرواية مباشرة من خلال تقديم شخصية بطلة الرواية الأولى شهد، وهي تحاول نسيان مرارة وخيبة التجربة التي عاشتها مع زوجها بعد مرور عام، لكي تؤسس للعلاقة بينها وبين الراوي العليم (ضمير الغائب المتكلم) الذي يقوم بمهمة السرد حيث ترتبط الرؤية التي يقدمها العمل السردي بشخصية هذا السارد عادة، وحيث تتخفى الكاتبة خلفها عبر تلك الرؤية الأحادية الاتهامية التي تقدمها المرأة إلى الرجل، ما يجعل العلاقة القائمة بين الطرفين تظل علاقة تقابل ثنائية يكون فيها الكذب خليقاً بالرجل، وكراهية الرجل خليقة بالمرأة، كما تصرح بذلك داليا في خاتمة الرواية ملخصة طبيعة العلاقة القائمة فيما بينهما، ومكثفة مضمون الرؤية التي تحكم حركة السرد والأحداث وبناء الشخصيات ومواقفها في هذه الرواية. في ضوء هذه الرؤية تتسم علاقات الشخصيات الأنثوية الثلاث مع الرجل بالاختلال والتأزم وعدم التوافق، بسبب علاقات التقابل الثنائي بين تلك الشخصيات على أساس الهوية الجنسوية لكل من الرجل والمرأة، ما يجعل المرأة تأخذ موقع الضحية في هذه العلاقة، والرجل موقع المخادع والمستغل والمضطهد الذي يحاول فرض سطوته وسيطرته على المرأة دون أن تخرج إحدى الشخصيات عن هذا التصنيف الثنائي، أو يحدث أي تحول أو تبدل في تلك الشخصيات الثابتة ما يكشف مرة أخرى عن هذا التقسيم الثنائي القائم في العلاقة بين المرأة والرجل. في بنية الرواية تعتمد لغة السرد في هذه الرواية على تعدد اللغات لاسيما اللهجة السعودية التي يدور بها حوار الشخصيات، بغية إعطاء شخصيات الرواية بعدها الاجتماعي والواقعي، لكن استخدام هذه اللهجة جعل القارئ العربي يعاني مشكلة فهم الكثير من الكلمات والعبارات نظرا لمحليتها الخاصة، لاسيما أن الرواية أعطت الحوار مساحة واسعة على حساب الوصف ولغة السرد. استخدمت الكاتبة الترقيم بدل العنونة، حيث تميزت فصول الرواية بالقصر والتكثيف، إلى جانب الانتقال السريع من حكاية إلى أخرى حتى بدت حكايات زواج الشخصيات الثلاث، أشبه بموتيفات سريعة تلخص فيها الكاتبة تجربة تلك الشخصيات الخائبات. تتميز الرواية من حيث بنيتها السردية باعتمادها على السرد التقليدي والتنامي الخطي التصاعدي لأحداث الرواية وصولا إلى الخاتمة، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول هذا الاختيار الذي يميز أغلب الأعمال الروائية النسوية السعودية التي تبتعد عن التجريب والبحث والمغامرة، بحيث لا يطغى الجانب الحكائي والتحفيز الواقعي على بنية تلك الأعمال التي تحاول من خلال ذلك تحقيق التماهي بينها وبين الواقع الذي تحاول تلك الأعمال تعريته وفضحه وإدانته بوصفه مجتمعا ذكوريا تعاني المرأة فيه الاستلاب والقهر والتسلط والخذلان. لكن ما يلفت النظر في هذه الرواية وفي البعض الآخرى من تلك الروايات أنها على الرغم من تلك الرؤية النسوية التي تحكم تلك الأعمال، فإن تلك الكاتبات يستخدمن صيغة التذكير في الحديث عن المرأة باعتبار أن التذكير في اللغة هو الأساس، وهو ما يعكس وعياً مستلباً على مستوى العلاقة مع اللغة كان الأجدر بهذه الكاتبات أن يتخلصن منه دون الاكتفاء بفضح صور الواقع الاجتماعي الذكوري، لأن هذه اللغة تعكس هذا الواقع وتعبر عنه. صور نمطية لا تختلف صور المعاناة عند شخصيات الرواية كثيرا عن صور معاناة المرأة في أي مجتمع عربي آخر، فإلى جانب التسلط الذكوري على المرأة ومصادرة حريتها، هناك مشاكل المرأة المطلقة التي تحرم من حرية الحركة بحكم وضعها الاجتماعي الذي يزيد من تقييد حريتها، كما هو الحال في تجربة (شهد) التي يحاول شقيقها سجنها في المنزل لكونها مطلقة، فكيف إذا كانت المرأة تعاني أصلاً من تقييد للحرية. كذلك هناك موقف المجتمع وثقافته من الرجل الذي لا يعيبه شيء حتى سلوكه الذي يتنافى مع قيم المجتمع على خلاف المرأة التي عليها أن تقبل بالواقع، ولعل تجربة شهد التي يجبرها الأهل على الزواج من شاب يعرف الأهل سلوكه المنفلت من أي التزام بالأعراف الاجتماعية السائدة هو خير دليل على مدى ظلم المرأة والانتصار للرجل، وتكاد شخصية سلطانة تكون هي الشخصية الأنثوية الوحيدة التي تخوض مواجتها مع الرجل في محاولة لتبادر الأدوار في علاقتها مع خطيبها سيف، من خلال السعي لإخضاعه لسلطتها وإذلاله ما يكشف عن رغبة في الانتقام أكثر من محاولة تصحيح تلك العلاقة وبنائها على أساس التكافؤ والود والاحترام المتبادل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©