الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب العَارِبَة أصبحت غَارِبَة!

العرب العَارِبَة أصبحت غَارِبَة!
5 أغسطس 2014 23:53
من النكبة في عام 1948 إلى النكسة في عام 1967 ثم إلى (الوكسة) التي نحن فيها الآن وستبقى معنا طويلاً .. أرجو ممن فهم أن يفهمني .. ولا أظن أن أحداً يفهم شيئاً مما يدور. نحن نعرف كيف نبدأ المأساة ولا نعرف كيف نُنْهيها. ومن النِكات المصرية الشهيرة قولهم: (واحد صعيدي فهم مات)، والحق أن هذه النكتة بالتحديد شهادة للصعايدة وليست شهادة ضدهم، لأن الذي يقتله الفهم في هذه الأمة لابد أن يكون حساساً وراقياً ومهموماً. أما الذي يفهم ولا يموت فهو بليد ورديء التوصيل للحرارة، فرحم الله الصعيدي الذي فهم فَمات. نحن نعرف كثيراً، لكننا لا نعلم شيئاً أو نعلم قليلاً أو نعلم ظاهراً من الحياة الدنيا ومن الأمر. والمعرفة غير العلم، والله عز وجل يقول في محكم آياته: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا)، ولم يقل (لا تعرفون شيئاً)، فنحن نولد بمعارف فطرية مثل القدرة على الرضاعة وغيرها، لكن العلم يأتي لاحقاً وقد لا يأتي أبداً عندما تكون على قلوب أقفالها وعلى الأبصار غشاوة. الوضع العربي يستعصي على الفهم والتفسير كما يستعصي أيضاً على الحل - وهناك رهان خاسر جداً على تحرِّك المجتمع الدولي لإنقاذ غزّة أو حتى تعاطف هذا المجتمع الدولي مع ما يحدث هنا - والذين راهنوا على تحريك القضية الفلسطينية من خلال القتال والحرب بعد فشل المفاوضات كان رهانهم أيضاً خاسراً وخانهم الوقت الذي لم يكن مناسباً أبداً لإشعال الحرب - لأن ما يحدث في غزّة لا يختلف كثيراً عمَّا يحدث في سوريا والعراق وليبيا. نفس المجازر ضد الأطفال، والنساء، والعجزة، والمعاقين، وكبار السن - لذلك صار القتل أمراً مألوفاً في أمتنا - وهذا بالتأكيد رأي المجتمع الدولي ونظرته لما يجري على الأرض العربية - العرب يقتلون بعضهم - ويذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ويخربون بيوتهم وبلدانهم بأيديهم .. فما الجديد والمؤلم والمدهش والمذهل الذي تفعله إسرائيل؟ العرب لا يتعاطفون مع أنفسهم، فكيف يتعاطف معهم المجتمع الدولي؟ العرب هانوا على أنفسهم ومن الطبيعي جداً والعادي أن يهونوا على العالم كله .. هذا رأي المجتمع الدولي الذي سمعته من أجانب كثيرين، وخصوصاً الغربيين وهو رأي لم أستطع الرد عليه. الأسئلة صعبة وحسَّاسة وإجاباتها مؤلمة موجعة .. هل ما زالت قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى؟ والسؤال الأكثر إيلاماً: هل ما زالت قضية فلسطين هي قضية الفلسطينيين الأولى؟ - ونوغل في الأسئلة المؤلمة: هل ما زال العرب أمة واحدة لها قضية واحدة سواء كانت أولى، أو ثانية، أو حتى عاشرة؟ كُنَّا ندرس زمان في المدرسة والجامعة أن العرب نوعان .. العرب العاربة والعرب المستعربة. والآن لم تعد هُناك عرب عاربة ولا عرب مستعربة، لكن هُناك العرب الغاربة والعرب المستغربة - أي أننا أمام أمة غاربة .. غربت شمسها تماماً ويبدو أنها لن تشرق قريباً، وفريق منا ينتمي إلى الأمة المستغربة التي غسلت أيديها تماماً من العروبة لتتجه غرباً بعد أن أصابها اليأس من استفاقة هذه الأمة من الغيبوبة التي دخلتها وتعيش فيها. ضحكت حتى بكيت عندما أصدر «حزب الله» اللبناني بياناً يُؤيِّد فيه مقاومة «حماس» للاحتلال الإسرائيلي. ضحكت حتى بكيت عندما تساءلت: وأين، ومن يقاوم «حزب الله» الآن؟ وإلى صدور من يوجه سلاحه؟ وأين حمرة الخجل؟ ومن يمكن أن يصدق أن «حزب الله» مهموم بقضية فلسطين أو أنه ما زال داخل معادلة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي؟ بل والأدهى والأمر .. من يمكن أن يصدق الآن أنه (حزب الله)؟ خسر الذين يراهنون على أن مذابح إسرائيل في غزة سوف تحرِّك الضمير العالمي، فالضمير العربي نفسه لم يتحرِّك ولم يشعر بألم لما يجري في سوريا واليمن وليبيا والعراق، هُناك منظمات إرهابية بلا ضمير ولا دين، تقتل وتذبح وتمثل بالجثث بلا رحمة، قضية فلسطين تراجعت إلى المربع صفر، فلا أحد يعرف أين هي فلسطين، هل هي فلسطين غزة أم فلسطين الضفة؟ واللاجئون الفلسطينيون انحسرت عنهم الأضواء عندما أصبح ربع سكان الوطن العربي أو يزيد لاجئين ونازحين ومشردين، والضحايا يضيعون لأنهم رهائن بين دول ومنظمات وحركات عربية تتنازع الأدوار وتمارس المناكفة وتصفية الحسابات، وهناك أصابع سوداء عربية تلعب ضد الأمة مع الإرهاب، تلعب بالنار كالأطفال لمجرد أنها تريد تصفية حسابات، وكل الأجندات الكارثية حاضرة في المشهد العربي بينما غابت تماماً الأجندات الوطنية والقومية، لا نرى إلا أجندات الحركة أو المنظمة أو التنظيم الدولي وليذهب كل الضحايا إلى الجحيم?. ? قالوا إننا لم نجن شيئاً من المفاوضات مع إسرائيل والمقاومة المسلحة هي الحل، وأقول إننا لم نجن من الحروب سوى الدمار والخراب والقتلى والمصابين، وجنينا بنداً جديداً سيكون حاضراً بقوة في أي تفاوض قادم، وهو نزع سلاح غزة كشرط لمفاوضات الحل النهائي. في المفاوضات قد نخسر الوقت لكننا في الوضع الحالي نخسر الوقت والأرواح ونحن دائماً ليس لدينا اختيار بين المكسب والخسارة، لكن لدينا اختياراً بين خسارتين، نحن لا نختار أبداً بين الفائدة والضرر ولكننا نختار بين ضررين?. ? أين فلسطين وأين المقاومة في أجندة «داعش» و«النصرة» و«الإخوان» والميليشيات الليبية المتقاتلة؟ أين فلسطين الآن في أولويات سوريا والعراق واليمن وليبيا؟ لا وجود لها ولا تمثل شيئاً، لا يمكن أن يشفق علينا أحد، أو يرفق بنا بينما نحن لا نرفق بأنفسنا ولا بقومنا، نحن أصبحنا أذلة على أعدائنا أعزة على أنفسنا وقومنا?. ? الكتابة الآن في الزمن العربي الرديء عبث ورفث وفسوق وعصيان وجدال لأن أحداً لا يقرأ وإذا قرأ لا يفهم وإذا فهم يموت إذا كان ?(?عنده دم?)?، نحن نعرف ولا نعلم وتأخذنا العزة بالإثم بما نعرف، والعصر الذي نعيشه هو عصر المعرفة وليس عصر العلم، والناس في أمتي يرددون قول أقوام الأنبياء إذا نصحت لهم ويقولون لك ?(?ما نفقه كثيراً بما? تقول)، يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، وينظرون إليك وهم لا يبصرون.. لهم آذان لا يسمعون بها ولهم عيون لا يبصرون بها ولهم قلوب لا يفقهون بها، فمن يهدي من أضل الله؟ من يهدي العرب العاربة التي أصبحت غاربة؟ من يهدي الذين يقهقهون ولا يفقهون؟ ويلٌ لنا منَّا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©