الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

«المدينة الآسيوية» في الدوحة نموذج للتمييز العنصري

«المدينة الآسيوية» في الدوحة نموذج للتمييز العنصري
10 أكتوبر 2018 00:03

دينا محمود (لندن)

كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية النقاب عن فصولٍ جديدةٍ في سِفر الانتهاكات القطرية واسعة النطاق لحقوق مئات الآلاف من المهاجرين الذين قادهم حظهم العاثر للعمل في الدويلة المعزولة، ليكابدوا المعاناة هناك بقدرٍ جعل بعضهم يقول إنهم يُعاملون كـ «الحشرات».
مسرح هذا الفصل هو ما يُعرف بـ«المدينة الآسيوية»، وهي منطقةٌ للتسوق والترفيه تقع في قلب معسكرٍ كبيرٍ للعمال في ضواحي العاصمة القطرية الدوحة، وهي المنطقة التي يحاول «نظام الحمدين» الزعم من خلالها بأنه يوفر للعمال الوافدين احتياجاتهم، رغم أنها لا تمثل سوى نموذجٍ صارخٍ للتمييز والفصل العنصرييْن.
وفي تقريرٍ إخباريٍ مطولٍ أعده بيت باتيسُن ونافيين ناير، جالت «الجارديان» في جنبات «المدينة الآسيوية» الواقعة في «المنطقة الصناعية» بالدوحة، مُشيرةً إلى أنه لا يمكن للمرء أن يتجاهل «النغمة العنصرية» الموجودة هناك ولو على نحوٍ خافتٍ ومُتكتم، رغم أن هذا المكان أُقيم - حسبما يُفترض - لـ«تلبية احتياجات ما يصل إلى مليونيْ عاملٍ مهاجر في قطر».
وأبرزت الصحيفة البريطانية واسعة الانتشار ما يؤكده البعض من أن هذه المدينة ما هي إلا وسيلةٌ لـ«فصل» العمال الوافدين، وغالبيتهم قَدِموا من دولٍ آسيويةٍ فقيرة،ٍ عن بقية المجتمع القطري.
وأشار تقرير «الجارديان» إلى أن هذا المكان «يبدو للوهلة الأولى مثله مثل أي مجمعٍ ترفيهيٍ في قطر، إذ يتألف من مركز تسوقٍ عملاقٍ ودارٍ للسينما تضم العديد من شاشات العرض، ومدرجٍ للعروض الموسيقية»، ولكنه يستدرك بالتأكيد على أن هذا المظهر الخارجي لا يكشف عن الحقيقة السوداء لتلك المنطقة فـ«لا محال تجاريةً راقيةً أو نساءً أو (حتى) قطريين».
وفي كل يومٍ تستقبل «المدينة الآسيوية» - التي تمتلكها الحكومة القطرية - آلافاً من العمال الوافدين الشبان، الذين يتدفقون عليها من «مهاجعهم التي تنتشر حول هذه المنطقة على مساحة أميالٍ في الصحراء»، ليصل عدد زوارها إلى نحو 950 ألف شخص شهرياً؛ الغالبية العظمى منهم من العمالة المهاجرة التي تشكل 95% من سكان الدويلة المعزولة.
وفي تقريرها الفاضح لحقيقة تلك المنطقة، قالت «الجارديان»، إن هناك من يرى «المدينة الآسيوية» والمشروعات المشابهة لها في قطر «جزءاً من استراتيجيةٍ متعمدةٍّ لعزل» العمال الوافدين، لا «محاولةَ حقيقيةً لتحسين معاملتهم، التي تلقى إدانةً دوليةً».
ونقلت الصحيفة عن الصحفية الأميركية شابينا خاطري المسؤولة السابقة عن تحرير مدونةٍ «دوحة نيوز» الإلكترونية قولها في هذا الصدد، إن مشروعاتٍ كهذه تمثل «خطوةً باتجاه فصل العمال المهاجرين في قطر عن بقية (شرائح) المجتمع هناك».
وتلفت الصحيفة البريطانية النظر في هذا الشأن إلى الأساليب الملتوية التي تلجأ إليها السلطات القطرية للإمعان في ممارسة التمييز العنصري بحق العمالة الوافدة، من قبيل تخصيص مناطق لا يسمح سوى للعائلات بالإقامة فيها والتسوق والتنزه أيضاً، وهو ما يعني «عملياً» منع العمال المهاجرين من دخول هذه المناطق، في ضوء الاشتراطات المُفرطة المفروضة على استقدام الأُسَرْ، والتي تجعل هؤلاء الأشخاص عاجزين عن القيام بذلك.
وتقول «الجارديان»، إن ذلك يجعل العمال الأجانب «ممنوعين بشكلٍ فعليٍ من الإقامة في مناطق بعينها من البلاد، بما في ذلك غالبية أنحاء الدوحة».
وقبل عقدٍ من الزمان، كان الجانب الأكبر من العمالة الوافدة يقيم في العاصمة القطرية ومحيطها، ولكن الارتفاع الكبير في أعداد هؤلاء العمال من مليون ومئة ألفٍ في عام 2008 إلى مليون وتسعمائة وسبعين ألفاً تقريباً خلال العام الجاري، أدى إلى جعلهم يتكدسون في «معسكراتٍ ضخمةٍ للعمال؛ تقع غالباً في مناطق نائيةٍ لإفساح المجال أمام إقامة مشروعاتٍ عقاريةٍ جديدةٍ» في عاصمة الدويلة المعزولة.
وفي ملمحٍ آخر للفصل العنصري القائم ضد العمالة المُهاجرة في قطر، قالت الصحيفة البريطانية، إن «بعض مراكز التسوق والمتنزهات والمناطق العامة محظورةٌ بدورها على العمال الأجانب، خاصةً في أيام الإجازات وعطلات نهاية الأسبوع».
وتتذرع السلطات القطرية في ذلك الشأن بالخشية من اختلاط «المهاجرين العُزاب» بالنساء، ولذا تُخصص مناطق مفتوحةً للعمال المهاجرين وحدهم، وهو ما يُشعر «كثيرين من (العمال) الرجال بالإقصاء من المجتمع»، كما تقول خاطري.
وأشارت الصحيفة البريطانية - ذات توجهات يسار الوسط - إلى أن الأمر يصل في بعض الأحيان إلى المنع الفعلي للعمال الوافدين من دخول أماكن بعينها من جانب حراس أمنيين، وهو ما حدث، كما قال تقريرها في «أغسطس الماضي، على مرمى البصر من ملعب خليفة الذي سيستضيف (كما هو مُفترض) مباريات كأس العالم لكرة القدم» المقررة في 2022.
ويشكو بعض العمال المهاجرين من أنهم يتكبدون مبالغ كبيرةً للقدوم إلى مراكز تجاريةٍ مختلفةٍ في قطر، ثم يُمنعون في نهاية المطاف من دخولها.
ونقلت «الجارديان» عن الناشطة في مجال حقوق العمال فاني ساراسواثي - التي عاشت في الدوحة 17 عاماً كاملة - تأكيدها على أن تخصيص مناطق لـ«العائلات فحسب» ما هو إلا «تمييزٌ مُقنّعٌ».
واعتبرت ساراسواثي أنه يتم في هذا الإطار اتخاذ «إجراءاتٍ متعمدةٍ» لثني المهاجرين عن جلب عائلاتهم معهم، ثم تبرير وضع «القواعد التي تؤدي إلى تكوين جيتوهات (معازل) ومناطق مُقسّمة بذريعة الأمن».
وقالت الناشطة العمالية في تصريحاتها لـ«الجارديان»، إن هذا الاستهداف المتعمد يتجلى في منع «العُزاب» من العمال الآسيويين من دخول المناطق المخصصة للعائلات، بينما لا ينطبق ذلك على أقرانهم من الزوار أو المقيمين الغربيين، وهو ما يجعل الأمر ينطوي على عنصريةٍ «لا يمكن تجاهلها».
الأكثر من ذلك، أن زيارة «المدينة الآسيوية» تمثل، بحسب «الجارديان»، النمط الوحيد المقبول من الترفيه الذي يتسنى للكثير من العمال المهاجرين الاستمتاع به في قطر بسبب «الرقابة الشرّطية المشددة المفروضة على تحركاتهم»، في ظل «ساعات العمل الطويلة والإقصاء المتعمد» من المجتمع.
ونقلت الصحيفة عن أحد هؤلاء العمال، وهو من باكستان، قوله: «غالباً ما نبقى (في المدينة الآسيوية).. لا نذهب إلى مراكز تجاريةٍ أخرى، أو إلى الجانب الآخر من المدينة (الدوحة). الشرطة تحاول دائماً التحقق من أوراق إثبات الشخصية، فلِمَ نذهب إلى أماكن أخرى ونجلب لأنفسنا متاعب غير ضرورية؟».
وقال عاملٌ آخر - وهو من بنجلاديش هذه المرة - إنه لم ير من قبل «أي مركز تسوقٍ آخر.. ليس لدينا وقت للذهاب إلى أي أماكن أخرى».
ولكن «ّالمدينة الآسيوية» بكل عنصريتها الكامنة لا تمثل سوى رأس جبل الجليد لمحنة العمالة الوافدة في قطر، إذ تقول «الجارديان»، إن الغالبية العظمى من أفرادها لا يزالون يقيمون «في معسكرات العمل الكالحة» القائمة في ما يُعرف بـ «المنطقة الصناعية» الواقعة قرب هذه «المدينة». وأشارت الصحيفة إلى أن أكثر من 364 ألفاً من هؤلاء العمال يقيمون هناك - بحسب إحصاءٍ جرى عام 2015 - وذلك وسط «مساحةٍ واسعةٍ لا تنتهي (تكتظ) بالمستودعات والمصانع ومهاجع العاملين». وفي عباراتٍ مُفعمةٍ بالمرارة، قال أحدهم وهو من الهند: «لا توجد عواقب على (الشركة التي يعمل فيها) جراء أي شيءٍ يحدث لنا.. نحن بالنسبة لهم كالديدان والحشرات» لا أكثر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©