الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بعيداً عن الخطر

بعيداً عن الخطر
6 أغسطس 2006 01:55
سعاد جواد: "suad-jawad@hotmail.com" عشت في أسرة غير عادية حسب اعتقادي طبعاً· لم أكن ادري كيف حال الأسر الأخرى؟ فلربما كان نفس الوضع منتشراً في اكثر من بيت· ولكن لا أحد يشتكي مثلي· أجد ان بيتنا لا يعرف الهدوء أبداً· الكل في حالة توتر وقلق· الكل يعاني من الصراعات النفسية والعصبية· حاولت ان أعرف السبب الحقيقي وراء هذا الوضع فلم استطع· ربما كان ذلك بسبب الوراثة، وربما هي لعنة انصبت على عائلتنا نتيجة لعمل سيء قام به أحد في الدينا!· تتنازع المشاكل ساحتنا المنزلية بشراسة· منها مادية ومنها نفسية··· فوضع والدي المادي كان له تأثير مباشر على حياتنا· يعمل والدي حارسا لمدرسة ابتدائية، راتبه ضئيل ولا يقوى على مواجهة الفريق الذي أنجبه· بصراحة لا أدري كيف استطاع ذلك المخلوق ضعيف البنية من تحقيق ذلك السبق في الإنجاب؟ ربما اعتمد على قوة الوالدة الجسدية! انهما ثنائي عجيب لا انسجام فيه· فهو قصير ونحيف وهي طويلة وممتلئة تستطيع ان تحمله كما تحمل صغارها، العجيب انها تعلن بصراحة بانها تكرهه ولا تطيقه ومع ذلك استطاعت ان تنجب منه أحد عشر ولداً وبنتاً! بصراحة لا أدري كم كانت ستنجب منه لو انها أحبته وانسجمت معه! المهم ان هذا العدد الكبير لا مصدر له سوى ذلك الراتب الذي لا يساوي شيئاً· لذلك فإن المصدر الرئيسي لمشاكلنا كان مادياً بحتاً· واسمحوا لي ان اكون صريحاً معكم وأذكر لكم السبب الثاني في كل ما تعانيه أسرتنا· انه وبصراحة··· الوالدة· هي المصدر الرئيسي للتوتر والتشنج الذي انتقلت عدواه منها إلى الجميع· نعم، هي السبب في الحالة الهستيرية التي تسيطر على الجميع· لقد اعتادت على مواجهة المشاكل بالصراخ والزعيق بشكل مستمر يجعل الكل في حالة توتر··· حتى جدران المنزل وأثاثه··· المكيفات··· السيارة·· الخزائن··· الكل يزعق··· كل على طريقته الخاصة· انها سيمفونية مزعجة تجدها تعزف باستمرار في بيتنا· المشهد اليومي لم يكن في البيت سوى تلفاز واحد تجتمع حوله العائلة· هذا الجهاز اللعين صار مصدراً رئيسياً للعراك والمشاحنات في هذه الأسرة· فالصغار بالطبع يريدون مشاهدة الصور المتحركة، والوالد يريد ان يتابع قنوات الأخبار· أما الوالدة مع فريق البنات فهن يردن متابعة الأفلام والمسلسلات· أما الأولاد فيريدون مشاهدة قنوات الرياضة· هذا وضع طبيعي ويمكن ان يحدث في أي عائلة أخرى· وبالطبع فإنه بالتفاهم يتم تقسيم الوقت لإرضاء الجميع· أما في أسرتنا فإن المعارك تبدأ حين تتصاعد أصوات الصغار وبكاؤهم فيتم ضربهم من قبل الكبار، ثم تتدخل الوالدة لتضرب الأكبر··· وفي النهاية يقوم الوالد بضرب الجميع، فيتحول المشهد إلى حكاية دامية تتكرر كل يوم· حتى التجمع العائلي حول سفرة الطعام، يبدو تمثيلية مليئة بالعنف والتحدي· فالتدافع على المكان شيء وارد، لأن المساحة المحددة صغيرة، والسفرة الدائرية تتوسطها صينية واحدة فقط يجب ان تكفي كل تلك المخلوقات الجائعة· يبدأ الصراع بين الأقوياء على الاستئثار باللحم أو الدجاج أو السمك الموجود فوق الرز· وبالطبع فإن الضعفاء غالباً ما يحرمون من هذه النعمة· كما ان من يستطيع تناول الطعام الساخن هو من يحظى بنصيب الأسد، أما الذي يتردد فإنه يحرم من نعمة الشبع ويبقى في النهاية محتفظاً بشرف مسح وتلميع الصينية بواسطة الأصابع· في الحقيقة أنا لا اعرض هذه التفاصيل بسبب القرف الذي أشعر به نحو البيئة التي نشأت فيها، ولكنني متضايق بشدة من أجواء الصراع وعدم التفاهم وعدم وجود الاحساس بالحب بيننا، وهذا بالطبع هو السبب الرئيسي في تشتتنا وضياعنا· لقد انحرف معظم اخوتي الكبار وصاروا عبئاً على المجتمع··· فمن هو المسؤول عما حدث لهم؟ والله لا أدري· الكل يلومني لأنني فررت بنفسي ونجوت بها بعيداً عن أسرتي· يعيبون علي تنكري لهم· لا أحد يحاول فهمي وتقدير وجهة نظري· كان من الممكن ان اكون انساناً منحرفاً كبقية أخوتي··· ولكنني اخترت الطريق الآخر· لقد اعتمدت على جهدي وتفوقي لأكون مختلفاً عنهم جميعاً· أصبحت كالنبتة الغريبة التي لا تنتمي لما حولها· وقررت الابتعاد عنهم··· نسيانهم، انكارهم ···سموها ما شئتم· ولكني اتخذت قراري وانتهى الأمر· واسمحوا لي ان أعطيكم نبذة عن أفراد أسرتي لتقدروا وجهة نظري وتعطوني الحق في هجرهم· أفراد الأسرة الوالد مريض بالسلبية وعدم التدخل في حل المشاكل، يترك كل شيء على حاله حتى تبرد الأمور الساخنة لوحدها وتنفك العقد بقدرة القادر فقط دون أي تدخل منه· وعندما تسوء الأمور وتصل إلى طريق مسدود فإنه يضطر للتدخل بطريقته الوحيدة التي لا يجيد غيرها وهي ضرب الجميع بلا استثناء بشكل قاس موجع لا يعرف الرحمة· لا يكلف نفسه مشقة التوصل إلى معرفة المذنب أو صاحب المشكلة الحقيقي، ويضرب الكل بلا استثناء ولا يتوقف حتى يسمع صراخ الألم في جميع أرجاء المنزل· الوالدة··· مصابة بمرض الكآبة وبعدم تقبل الحياة والرضا بالنصيب· تتذمر باستمرار وتصرفاتها كلها انفعالية تغلب عليها العصبية والصراخ الذي لا تمل منه· تنفعل لأبسط الأمور ولا تهدأ حتى تصل الأمور في أشدها إلى تعذيب الذات وتعذيب الآخرين بشتى الوسائل· الأولاد!! أما عنا نحن أبناء وبنات الأسرة، فمنذ ان كنا أطفالاً لم نعرف الهدوء والاستقرار وقد كبر معنا الاحساس بالنقص والحاجة قياساً لكل من حولنا· فبيتنا هو الوحيد من بيوت الفريج الذي لم تدخل عليه التعديلات ولا تعرفه الصيانة· فهو غريب الشكل عن كل ما يحيط به· ومظهرنا ليس أقل سوءاً من مظهر بيتنا، وبالطبع فإن ذلك الاحساس بالنقص انعكس علينا فتحولنا إلى شياطين صغيرة مؤذية نضرب اطفال الجيران نرعبهم ونرهبهم فيخافون منا ويبتعدون عنا· الضحية الأولى في العائلة هو أخي الأكبر، الإبن البكر· تعرض منذ صغره للضرب والإهانة والعنف والتحقير داخل المنزل··· أما خارجه فقد عانى من الاحساس بالنقص والتعامل الدوني بسبب سوء المظهر، الأمر الذي انعكس على دراسته سلباً· هجر المدرسة بشكل مبكر وراح يتنقل من عمل لآخر، فيطرد منه لعدم التزامه وعدم احترامه لرؤسائه وعدم التقيد بقوانين العمل· التقى اخي بمجموعة فاشلة علمته النصب والاحتيال، فصار يتكسب رزقه بوسائل ملتوية متعددة· الغريب هو انه ينجح في معظم ما يقوم به حتى صار محترفاً في النصب وكسب المال عن طريق السمسرة العقارية والتجارية، وقد قام بإعادة بناء المنزل وإصلاحه ليليق بشخص مثله· بالطبع فإنه ونتيجة لما يقوم به أدخل السجن عدة مرات، ولكنه في النهاية يخرج منه وهو أشد تماسكاً وصلابة في أعمال النصب والاحتيال· أما الأخ الثاني، فقد بقي متعثراً في دراسته وهو ميال للجنوح والتمرد· امتهن الضرب وتفنن في العنف· قام بضرب أحد مدرسيه بشكل عنيف فتم حجزه في السجن لفترة وتم طرده من المدرسة··· فتفرغ لنا وصارت مهمته الوحيدة هي ضربنا وتأديبنا لأننا أصغر منه، فوجد فينا المتنفس الوحيد لهوايته المفضلة· وفي أحد الأيام ضبطه الوالد وهو يضربنا بعنف فقام بطرده من المنزل فخرج إلى غير رجعة، و لا ندري إلى أين ذهب وما هو وضعه الآن· أما الأخ الثالث، فقد تميز بذكاء غير اعتيادي ولكن ذكاءه لم يكن في جوانب الدراسة أو التفوق وانما كان في الخداع والتحايل· اعتمد على مواهبه وقام بتأسيس عصابة صغيرة تضم مجموعة من الأولاد المشردين وصار يخطط لهم عمليات السرقة للبيوت والدكاكين، وكلما أمسكت بهم الشرطة وأدخلوا السجن لفترة، يتم إخراجهم فيعاودون نشاطهم حتى اصبحوا محترفين لا يجاريهم أحد في أعمال السرقة التي توسعت وصارت تشمل سرقة السيارات والمحلات التجارية الكبرى· أما الأخ الرابع، فهو مختلف عن غيره· نشأ مستهتراً لا مبالياً بالقيم والمبادئ والتقاليد، شغله الوحيد هو ملاحقة الفتيات وإقامة العلاقات العاطفية مع هذه وتلك ممن يستهويهن الانفاق على الشباب· صار يتكسب احتياجاته من صديقاته اللواتي تكفلن بكل مصاريفه تقريباً، فظهرت عليه علامات العز والثراء بشكل ملفت للنظر·سيارات جديدة··· ساعات تحمل ماركات عالمية··· نظارات غالية الثمن··· وبالطبع فإن مشاكله كثيرة ومتعددة كلها تتعلق بعالم الحريم· الأخت الكبرى تزوجت رجلا عجوزا بخيلا أذاقها مر العيش ولكنها صابرة لا تفكر بالعودة الى منزل الأسرة مهما كان الثمن· الأخت التي تليها تزوجت من شخص حاقد··· معقد، كرهنا من أول نظرة، وما ان تزوجها حتى أغلق عليها الأبواب ومنعها من الخروج ومن زيارتنا أو الاتصال بنا··· ولا ندري كيف تقضي أيامها في ذلك السجن· الأخت الثالثة، فتاة جميلة استغلت جمالها للعبث والحصول على المال دون خوف من ضرب أو تأديب· انها تتحمل الضرب والإهانة وكل العقوبات وفي النهاية تهرب من البيت وتنطلق في الشوارع بحثاً عن الفرائس· وهي تنتقيهم من كبار السن الذين يملكون المال وهم يعتقدون بأنهم لازالوا شباباً ويمكن للفتيات الصغيرات الوقوع بحبهم· هم كثيرون وهي شاطرة في الضحك على ذقونهم·ألم أقل لكم اننا عائلة ممزقة غريبة لا يمكن تصورها؟ عندما كبرت ووجدت بأنني أعيش في بحر هائج لا ينجو من بطشه أحد، قررت ان اتمسك بدراستي لأنجو· وفي غفلة من الجميع انهيت دراستي بصمت كامل· تفوقت واستطعت ان احصل على وظيفة جيدة وحملت أشيائي وابتعدت عن أسرتي لأبدأ حياتي بعيداً عنهم معتمداً على نفسي· لا أرغب في أي نوع من الارتباط باسرتي· في البداية لم يسألوا عني، ولكنهم عندما عرفوا بأنني موظف جيد ووضعي المادي ممتاز، صاروا يلاحقونني ويحاولون احراجي بحجة صلة الرحم، فصرت بدوري اتهرب منهم· اتهموني بالعقوق والنكران· بصراحة لم أكترث لهم، ويكفي انني استطعت ان أنجو منهم وابعد نفسي عن الخطر·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©