الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مصطفى الحفناوي.. البطل الحقيقي لمعركة تأميم قناة السويس

6 أغسطس 2006 01:14
عرض - حلمي النمنم: كان من المقرر أن تقام عدة احتفالات في مصر بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأميم قناة السويس ولكن ما يجري في لبنان من عدوان إسرائيلي أدى إلى تقليص تلك الاحتفالات والاكتفاء بندوتين بمكتبة الاسكندرية، وبمدينة الإسماعيلية· وكشف المهندس محمد عزت عادل الرئيس السابق لهيئة القناة عن أن قرار التأميم الذي أعلنه الرئيس الراحل ''جمال عبدالناصر'' من ميدان المنشية بالاسكندرية يوم 26 يوليو 1956قد أعده من الناحية القانونية وكتبه د· مصطفى الحفناوي الذي لا يعرفه أبناء الأجيال الجديدة رغم الدور المهم الذي قام به· ومنذ وفاته في عام 1980 لم يتذكره احد، وخلط بعض الباحثين والمعلقين بينه وبين د· مصطفى الحفناوي الذي كان يشغل موقع وزير الإسكان في مصر وقت وفاة الحفناوي الأول، رغم ان الحفناوي الوزير كان مهندساً معمارياً والحفناوي الذي نعنيه كان قانونياً وصحفياً· وقد ولد الحفناوي بمحافظة الشرقية والتحق بكلية الحقوق عام 1935 وكان متشبعاً منذ صغره بسيرة وكفاح الزعيم مصطفى كامل وانتمى الى الحزب الوطني وما أن وقعت حكومة مصر معاهدة 36 حتى انبرى يهاجمها واصدر كتاباً في تفنيدها مما عرضه للاعتقال بعض الوقت وانشغل بالعمل السياسي والكتابة للصحف لذا تخرج بعد سبع سنوات في الكلية وعمل بالصحافة وبالمحاماة، وكانت القناة قد أصبحت هماً وطنياً لدى قطاعات كبيرة في مصر· فرنسا·· ووثائق القناة لذلك قرر الحفناوي أن يواصل دراساته العليا بكلية الحقوق وان تكون قناة السويس ووضعها القانوني موضوعاً لدراسته، ولكنه اصطدم بعقبة لأن كل وثائق القناة كانت في مقر الشركة بباريس، أي أن القناة على أرض مصر والعمل داخل مصر، لكن إدارة الشركة وكل الأوراق والوثائق المتعلقة بها تنقل الى باريس والأوامر العليا المتعلقة بتشغيل القناة تصدر من باريس· ولم يكن غريباً أن الرسائل العلمية عن القناة والتي أعدها مصريون كانت في فرنسا، مثل رسالة د· حسين حسني التي أجيزت من جامعة مونبيليه عن القناة عام 1933 ولم يكن بمقدور الحفناوي اقتصادياً ان يسافر الى باريس للبحث فلجأ الى وزير خارجية مصر في حكومة الوفد الأخيرة د· محمد صلاح الدين الذي أرسله الى باريس ليكون مستشاراً صحفياً بالسفارة المصرية هناك وكلفه بمهمة محددة هي عرض قضية استقلال مصر ومكنه ذلك من ان يدخل مقر الشركة العالمية لقناة السويس ويطالع وثائقها جيداً، واكتشف ان الشركة في عقد تأسيسها عام 1854 طبقاً لفرمان والي مصر محمد سعيد باشا الى ديليسبس هي ''شركة مساهمة مصرية خالصة'' وقد أخفت الشركة هذه الوثائق تماماً· وفي يوليو 1951 انتهى من إعداد رسالته ونوقشت في جامعة باريس، وانتهى في هذه الرسالة الى أن وظيفة القناة عالمية، تمر بها السفن من كافة أنحاء العالم، وطبقاً لاتفاقية القسطنطينية في عام 1888 فإن القناة يجب ان تكون محايدة ويرتبط بهذه العالمية أن القناة مصرية، على أرض مصرية، وحفرت بأيد مصرية وتحملت مصر وحدها كافة تكاليف الحفر، والوظيفة لا يترتب عليها تغيير صفة الملكية ولا أن تمس قوانين الدولة التي تقع فيها المنشأة الدولية وإدارة القناة يجب أن تكون مصرية، وقد أحدثت الرسالة رد فعل قوي في باريس وفي القاهرة· جرح غائر في القاهرة كانت القناة تمثل جرحاً غائراً، وفي مفاوضات معاهدة عام 36 حاول مصطفى النحاس فتح ملف القناة واستعادتها، لكن الانجليز رفضوا، وازداد القلق المصري بعد الوثائق التي كشفها الحفناوي وتثبت تخطيط الشركة لعدم تسليم القناة للمصريين بعد انتهاء الامتياز في عام 1968 بدعوى ان القناة دولية ولا يجب أن تترك للمصريين وأن ''العالم الحر'' هو المستفيد منها، وكانت الصحف الفرنسية والبريطانية وبعض الكتاب قد أثاروا بقلق مستقبل القناة، منذ أن وقعت مصر اتفاقية إلغاء الامتيازات الأجنبية في عام 1937 وفي فبراير 1952 بدأ الحفناوي نشر رسالته بالعربية، وصدر الجزء الأول منها بمباركة الملك فاروق شخصياً ومساندة الديوان الملكي، خاصة وأن د· حسين حسني كان السكرتير الخاص للملك· وفي أغسطس عام ،1952 أي بعد أقل من شهر على خلع الملك فاروق دعا البكباشى جمال عبدالناصر د· الحفناوي الى مكتبه ودار بينهما نقاش طويل حول القناة، وفي نوفمبر من نفس العام دعا عبدالناصر الحفناوي الى نادي ضباط القوات المسلحة بحي الزمالك لالقاء محاضرة حول القناة، حضرها عدد من ضباط الحركة المباركة ''التي سيصبح اسمها فيما بعد ثورة يوليو'' وتحدث الحفناوي عما توصل اليه وطالب بتشكيل وزارة خاصة بالقناة تعمل على استعادتها من ''الشركة العالمية'' ثم تشكل مكتب خاص بالقناة في مجلس الشيوخ، ويتبع رئاسة مجلس الوزراء مباشرة· وكان د· الحفناوي أبرز العاملين به، وكان المكتب يدرس كل ما يتعلق بالقناة، وفي نوفمبر عام 54 صدر قرار جمهوري بإعادة تشكيل مكتب القناة برئاسة د· حامد سلطان وعضوية محمد الغتيت ومصطفى الحفناوي وكان المكتب يتبع رئاسة الجمهورية ومهمته ''دراسة أوضاع القناة واحتمال تأميمها'' ثم كلف عبدالناصر ضابط المخابرات المسؤول عن منطقة القناة بجمع المعلومات عن شركة القناة وما يدور فيها، ودخلت مصر مفاوضات مع الشركة العالمية لزيادة دخل مصر من القناة ولزيادة عدد المصريين الذين يعملون مرشدين ورفضت الشركة بإصرار، وكان دخل القناة 35 مليون جنيه سنوياً نصيب مصر منها 3 ملايين وكان بالقناة 250 مرشداً بينهم 40 مصرياً فقط، وكان كل المسؤولين والمدراء بالقناة من الفرنسيين· وهكذا اختمرت فكرة التأميم في ذهن عبدالناصر، لكنه كان ينتظر التوقيت، وفي 24 يوليو 56 استقبل عبدالناصر د· الحفناوي وصارحه بأنه قرر تأميم القناة وطلب الحفناوي تأجيل القرار عدة شهور لحين تهيئة الرأي العام لتلك الخطوة، وعهد عبدالناصر الى مكتب القناة بإعداد قرار التأميم، ولأن أستاذ القانون ورئيس المكتب د· حلمي بهجت بدوي كان متغيباً في الخارج فقد تولى الأعضاء وضعه ومن أبرزهم الحفناوي نفسه ومحمد علي الغتيت والمستشار بدوي حمودة ممثلاً لمجلس الدولة والمستشار حسن نور الدين بوزارة الداخلية· وطلب ناصر من الحفناوي ألا يتصل بأحد مطلقاً واحضر له مجموعة من الأشخاص في مجلس قيادة الثورة كي يشرح لهم قصة القناة بالكامل وكان من بينهم عبدالحكيم عامر، وفي اليوم التالي استدعاه عبدالناصر الى مكتبه بمجلس القيادة وطلب منه ان يكتب الخطاب الذي سيلقيه مساء 26 يوليو، وكان عبدالناصر يتفاءل بذلك اليوم ويلقي فيه خطاباً بالاسكندرية، باعتبار انه اليوم الذي غادر فيه الملك الأسكندرية، وطلب منه ايضاً ان يقوم بالصياغة النهائية لقرار التأميم· وحين تشكل مجلس إدارة الهيئة عند اتمام عملية التأميم كان الحفناوي عضواً به ومستشاراً قانونياً للشركة المصرية وتولى كافة القضايا التي رفعت على مصر بعد التأميم في أوروبا، وكان قانونياً ومحامياً بارعاً، وارتبط اسمه بالقناة، وفي عام 1957 أصدرت هيئة القناة طبعة أنيقة من موسوعته عن القناة في خمسة مجلدات، ومن يومها لم تطبع ثانية حتى هذه اللحظة، ورغم أن له مجموعة أخرى من المؤلفات ولم يتوقف عن الكتابة ورغم تاريخه مع الحزب الوطني فإنه يذكر بكتابة عن القناة، ونسى الجميع كل إنجازاته سوى دوره في تأميم قناة السويس وأنه أول من نادى بهذه الفكرة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©