السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ريتا شرارة: مشكلة المزارع في تجاذب الفرقاء وجذور التاريخ

6 أغسطس 2006 01:14
بيروت - الاتحاد: ''شبعا أولاً ''، عنوان كتاب الزميلة ريتا شرارة، العضو في المجلس الوطني للإعلام في لبنان ،التي أوضحت أنها قصدت من العنوان انه '' لا يمكن ان يصبح لبناننا كاملاً وواحداً من دون ان يبت في مصير مزارع شبعا نهائياً''· الملاحظ أن ريتا شرارة لم تركز في كتابها ''شبعا أولاً'' على الخرائط للتدليل على لبنانية مزارع شبعا نظراً '' للتشويه الكبير الذي شابها على مر السنين وتبدل الحقب''، بل عوّلت لإبراز حقيقة لبنانية المزارع على الاتفاقات الدولية التي أظهرت بوضوح خطوط الهدنة وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا· تبدو أطماع إسرائيل أعمق وأبعد من مزارع شبعا التي قال عنها ذات يوم الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في رسالته الوداعية قبيل ساعات من رحيله عن البيت الأبيض ونشرت في جريدة نيويورك تايمز ضمن مقالة للصحافي الأميركي توماس فريدمان:'' إن الحرب القادمة في الشرق الأوسط لن تنطلق من الأراضي الفلسطينية ولا من العراق بل من قرية الغجر ومزارع شبعا في جنوب لبنان· بناء على ما تقدم تعود المؤلفة إلى وصف التوراة ''أرض الميعاد'' في سفر الثنية 11-24 '' أنها كل مكان تدوسه أقدامكم يكون لكم من البرية ولبنان'' وذلك للتدليل على الأطماع التوراتية - الصهيونية بهذه الأراضي وذلك كمنطلق تاريخي ضروري للتوسع لاحقاً في الأسباب السياسية والاقتصادية والأمنية· وترى شرارة انه لذلك اجمع الصهاينة '' على أن تضم حدود فلسطين الشمالية مصب نهر الليطاني ونهر الأردن كله من منابعه في المنحدرات الجنوبية لجبل الشيخ'' وكان أول مفوض سام اسرائيلي لبريطانيا في فلسطين هربرت صموئيل طلب العام 1981 ان تشمل الحدود اليهودية الشمالية الضفة الشمالية لليطاني بحيث تصل الى راشيا'' وفي عودة إلى الأصل التاريخي لحدود إسرائيل، ترى أن النص الوارد في سفر التثنية (11ـ24) في التوراة يوضح الاستراتيجية الإسرائيلية، فأرض الميعاد وفق هذا النص هي: كل مكان تدوسه أقدامكم يكون لكم من البرية ولبنان· وفي مؤتمر الصلح عام 1919 قالت الحركة الصهيونية في مذكرتها المقدمة للمؤتمر: إن جبل حرمون هو أب المياه الحقيقي لفلسطين، ولا يمكن فصله عنها من دون توجيه ضربة قاصمة إلى جذور حياتها الاقتصادية بالذات· وفي مذكراتها إلى مؤتمر الصلح، أيّد ضباط إنجليز كبار ضم حرمون والليطاني إلى فلسطين، إلا أن الفرنسيين رفضوا هذا الطلب وأقصى ما وافقوا عليه الإقرار بحصة فلسطين من مياه جبل حرمون المتدفقة جنوباً بنسبة 33%· أهمية المزارع موضوع شبعا ومزارعها لم يعد مقتصراً على مساحة من الأرض ذات تخوم ضائعة متنازع عليها بين أفرقاء، بل أخذ بعداً دولياً مثيراً للجدل بعد أن أصبح بوابة للسلام وللحرب ولانطلاق حرب مستقبلية كبرى قد يعجز العقل عن تصور نتائجها المدمرة، كما صرّح الرئيس كلينتون قبل ساعات من رحيله عن البيت الأبيض· لا ريب أن ثروات مزارع شبعا وحاجة إسرائيل الى ''الجولان المائي'' الذي يوفر ثلث حاجة إسرائيل من المياه سنوياً، والموقع الاستراتيجي العسكري، وموقعها الجغرافي على مفترق الحدود بين دول ثلاث، جعلت ملكيتها معرضة للتجاذبات السياسية الدولية، وتالياً للقضم وفق ميزان القوى· هذا الوضع المميز لشبعا جعلها مكاناً مليئاً بالألغاز المتعددة والغامضة: في الحدود، والإشارات، والصور الجوية، وفي الترسيم والهوية لكن شرارة تعتبر ''أنه لا يعود تمسك إسرائيل بهذه المزارع لأسباب اقتصادية فقط، بل لأهميتها الاستراتيجية عسكرياً وأمنياً''، فهي تمثل المكان الأمثل لتأمين موقع للإنذار المبكر، وتؤمن لقوات إسرائيل العسكرية الوقت الكافي للتحضير لأية عملية عسكرية قد تتعرض لها· وبإمكانها من هذا الموقع مراقبة عمق لبنان وسوريا، ولا سيما أن قواتها تنتشر في الجولان، لذلك أقامت إسرائيل في هذه المواقع مراكز عسكرية ثابتة ومحصنة هي: مراصد جبل الشيخ للرصد والتجسس أهمها المركز المعروف باسم المرصد ، وقد جهز بأحدث التقنيات المتطورة لكشف أي تحرك حتى الحدود العراقية، وموقعي رويسة العلم ورويسة السماقة في مرتفعات كفرشوبا، وموقعي رمثا ومغر شبعا المشرفان على منطقة العرقوب كلها، وموقعي قفوة وزبدين ومربض مدفعية كبير في مزرعة القرن في عمق المزارع، وأخيراً أقام الإسرائيليون موقعاً جديداً إلى الجنوب الشرقي من موقع المرصد في جبل الشيخ كحماية خلفية يطل على معظم المناطق الجنوبية الغربية لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا· الهوية·· والدستور تبلغ مساحة مزارع شبعا 250 كلم مربع، وتسمى بالمزارع لاعتماد أهاليها على الزراعة وتربية الماشية إضافة لاختزانها كميات هائلة من مياه الثلوج تكفي لري مساحات شاسعة من الأراضي· وهي تصلح لكافة أنواع المزروعات الموسمية أو الدائمة كالزيتون المعروف بالروماني وكروم العنب والفستق الحلبي والتفاح والخوخ· وتشير المؤلفة الى أنه ''جرى ترسيم الحدود اللبنانية الفلسطينية وتثبيتها بموجب معاهدة نيو كامب ـ بوليه، المندوبين البريطاني والفرنسي·· و قد اعتمدت رؤوس القمم في جبل الشيخ حدوداً بين الدولتين· ورسمت فعلاً نقاطاً بدءاً من أعلى قمة في الجبل المعروفة بقصر عنتر على علو 2814 م· وصولاً إلى نقطة الدرجة الحمراء شمال بلدة بانياس حيث يلتقي خط نيو كامب ـ بوليه· ومنذ عام ،1924 اعتبرت مزارع شبعا أراضي لبنانية· إلا أن سوريا دخلتها في الخمسينيات، فكانت الأملاك لبنانية كذلك السكان في حين كانت الإدارة والسلطة سوريتين، وبقيت سوريا في تلك المزارع حتى احتلتها إسرائيل مع هضبة الجولان عام ·1967 ووفق خطة ماكرة، فهي لم تبادر إلى احتلال المزارع دفعة واحدة، كما فعلت في الجولان والضفة الغربية وسيناء، كي لا تلفت النظر إلى أنها تحتل قسماً من الأراضي اللبنانية، وبدأت ترسل إلى تلك المزارع دوريات استطلاعية انطلاقاً من مزرعة المغر باتجاه المزارع القريبة، أو منطقة جباثا الزيت في الجولان في اتجاه قاطع برختا ومراح الملول، وفي أواخر حزيران استطاع الأهالي إلقاء القبض على أحد أفراد هذه الدوريات وسلموه للسلطة اللبنانية، فاستغلت إسرائيل الحادثة وشنت غارات جوية على المزارع لا سيما برختا التي دمرت غالبية منازلها، ثم دمرت بشكل منظم بقية المزارع والزرائب وآبار المياه وسواها، وفي صيف 1972 أحاطت إسرائيل تلك المزارع بالأسلاك الشائكة وزرعت المنطقة بالألغام وأنشأت المراصد العسكرية، وأقامت عام 1980 مستوطنتين ليهود الفلاشا في مزرعتي رويسة القرن وزبدين إضافة إلى منتجع سياحي للتزلج في منطقة مقاصر الدود، وفي عام 1990 ضمت مزرعة بسطرا وطردت سكانها ودمرت ما فيها من عمران· القرى السبع تذكر شرارة في كتابها ان الصهاينة استطاعوا من خلال اتفاق ترسيم الحدود نيو كامب - بوليو في 7/3/1923 ان يستولوا على القرى السبع وعبر فضيحة تاريخية ملخصها ان الانتداب الفرنسي وخلافاً للمادة الرابعة من صك الانتداب·· قام بانتزاع ملكية هذه القرى من أصحابها اللبنانيين والتنازل عنها لمكتب الوكالة اليهودية في مقابل تجديد امتياز تجفيف مستنقعات الحولة لشركة فرنسية'' وتورد شرارة ان اسرائيل ''استطاعت من خلال اتفاقية نيو كامب - بوليه ان تستولي على القرى السبع عشية اتفاق الهدنة في رودس عام1949 وتورد تفاصيل الاستيلاء وفقاً للسناريو التالي'' عندما انتهت الحرب العالمية الأولى العام 1918 ودخلت المنطقة في مرحلة الانتداب الفرنسي البريطاني صار ترسيم الحدود وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو، الا أن الفرنسيين الذين تولوا أمر إدارة لبنان في تلك الحقبة أعادوا النظر في الحدود التي كانت رسمت بين لبنان وفلسطين بحيث عمدوا في مؤتمر سان ريمو الى اقتطاع منطقة الحولة المعروفة بجورة الذهب من لبنان وضموها الى فلسطين· وفي العام نفسه أعلن الجنرال غورو ولادة لبنان الكبير بالحدود التي رسمت في سايكس بيكو ما خلا منطقة الحولة، من هنا كانت القرى السبع التابعة للبنان الكبير الا أن الانقلاب على اتفاق سايكس بيكو حصل بعد عامين عندما اجتمع المندوبان الفرنسي بوليه والبريطاني نيو كامب في 23/2/1922 وقررا سلخ قرى هونين، صلحا، طير بيخا، قدس، المالكية، ابل القمح، والنبي يوشع، من لبنان وضمها الى فلسطين في 30/4/1924 الا ان الضم تأخر عامين وجرى بموجب ''اتفاق القدس'' بين البريطانيين والفرنسيين في 2/2/1926 وعرف الاتفاق حسن الجوار '' وبموجبه تخلى الفرنسيون عن سهل الحولة لصالح بريطانيا في مقابل منح شركة فرنسية امتياز استثمار تجفيف مياه المستنقعات، وعمدت اسرائيل في أوقات لاحقة الى تغيير أسماء هذه القرى الى أسماء توراتية· لكن ما سبب الالتباس في سوريا المزارع إذاً ؟ تشير المؤلفة ريتا شرارة الى انه وفي أعقاب '' نكبة ،1948 اتفق وفدان عسكريان لبناني وسوري نتيجة لتفاقم عمليات السطو والتهريب على أن تتولى سوريا ضبط الوضع الأمني بسبب عدم قدرة لبنان العسكرية على ذلك· فدخلت بذلك المزارع تحت الحماية الأمنية السورية، وبعد نكسة 1967 وبداية الهجمات على المزارع إلى احتلالها بشكل كامل عام 1970 لم تتقدم السلطة الرسمية اللبنانية بأية شكوى إلى مجلس الأمن تعبِّر بها عن حقوقها المغتصبة، كما أنها أكّدت في عام 1969 في مذكرة قدمتها إلى مندوب الأمم المتحدة أنها غير معنية بالقرار 242 وتالياً ليس لها أراض محتلة من قبل إسرائيل، كما انها لم تقدم أي تعويض للأهالي الذين هجروا مناطقهم وفقدوا ممتلكاتهم· ومما يؤكد مسؤولية الدولة في الالتباس الحاصل حول هوية المزارع المعلومات التي أوردها الدكتور سليم الحص عن وجود 25 خريطة صادرة عن الحكومتين اللبنانية والسورية، وكلها تظهر مزارع شبعا داخل الأراضي السورية، إلاّ أنه في 3/4/،2005 حين سئل موفد الأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة تيري رود لارسن عن هوية المزارع، أجاب بحزم وتأكيد: إنها سورية، مما أثار لغطاً لأن وزير خارجية سوريا فاروق الشرع كان إلى جانبه ولزم الصمت· فلم يؤكد ولم ينف ما قاله لارسن· شرارة في كتابها تحمل الحكومات اللبنانية المتعاقبة المسؤولية عن اللغط الدائر حول هوية مزارع شبعا فهي تشير مثلاً الى أن الحكومة اللبنانية لم تقدم أية شكوى إلى مجلس الأمن عندما احتلت اسرائيل المزارع بالكامل عام ،1970 ومن جانب آخر فإنها تشير الى أن الجانب السوري كان يبدي على الدوام ليونة ومساعدة في مسألة هوية المزارع· وتنتهي الكاتبة أن مزارع شبعا ليست بالقضية السهلة، وأن المعاناة الكبيرة لتلك المزارع ليست لأنها محل تجاذب بين ثلاثة أفرقاء هم لبنان سوريا واسرائيل، بل ان المعضلة التي ستظل تواجهها تلك المزارع جذورها ضاربة في التاريخ البعيد، وأكثر في التوراة حيث جبل حرمون ومعناه في حاضرنا جبل الشيخ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©