الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

فيلم الافتتاح «سكرتاريا»: رسالة تعلي من شأن المقاومة الداخلية

فيلم الافتتاح «سكرتاريا»: رسالة تعلي من شأن المقاومة الداخلية
15 أكتوبر 2010 23:01
“الإيمان بالذات هو الطريق الأمثل لمواصلة التفوق” قد يكون هذا القول أو هذا العنوان هو أمثولة ومطلب فيلم “سكرتاريا” Secretariat الذي عرض مساء أمس الأول في القاعة الكبرى لقصر الإمارات وافتتح عروض الدورة الرابعة من مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي، اختير فيلم المخرج الأميركي راندل والاس كي يدشن أفلام المهرجان ويقدم رسالة قوية ومسددة باتجاه الإعلاء من شأن (المقاومة الداخلية)، والتأكيد على دور هذه المقاومة بالذات في دحر وهزيمة كل الظروف المحبطة التي تصنعها عدائية وعنف الخارج، رسالة سبقها فيلم قصير بعنوان “أوكورديون” مدته ثماني دقائق للمخرج الإيراني جعفر بناهي، عرضته إدارة المهرجان قبل فيلم الافتتاح تكريماً لهذا المخرج المبدع الذي مازال يقاوم من خلال أفلامه الإنسانية التي تعزز ثقافة التسامح والحوار والتواصل مع الآخر بغض النظر عن عرق ولون ودين هذا الآخر، تداخل فيلم جعفر بناهي الذي عوقب بالسجن مؤخراً بسبب الأفكار المناوئة التي تضمنها آخر أفلامه، مع فيلم “سكرتاريا”، واستحوذ الفيلمان على تعاطف كبير من جمهور حفل الافتتاح رغم الفروقات الكبيرة في المعالجة الفنية وفي مكونات الحبكة السردية للفيلمين. تداخل وافتراق يؤججان من قوة وفعالية الصورة السينمائية ودورها في التأثير والاشتباك مع ماضي وراهن ومستقبل الإنسان والإنسانية هل هذا الكوكب الموبوء بالأسى والمفعم بالأمل أيضا. يتحدث فيلم الافتتاح عن الحصان “سكرتاريا” ويستند على وقائع حقيقية وموثقة حول الحصان الأسطوري الذي تحول في سبعينيات القرن الماضي إلى أيقونة لسباقات الخيول في أميركا، وكثيرة هي الأفلام التي قدمتها هوليوود وكان أساسها ومرتكزها هو الخيل وما يثيره هذا الكائن الصامت والجامح من إثارة مشبعة بالدراما في حياة البشر المحيطين به وفي تاريخ سباقات الخيل الحافلة بالأرقام القياسية وبالمراهنات وبجنون الفوز وانتكاسات الهزيمة، نذكر من هذه الأفلام فيلم “سيبيسكيت” في العام 2003 مع الممثل توبي ماجواير الذي لعب دور الجوكي الذي يسعى للقفز فوق همومه الذاتية من خلال التفوق على منافسيه في سباقات الخيل، وهناك أيضا فيلم “الهامس في أذن الجياد” في العام 1998 مع الممثل المخضرم روبرت ريدفورد الذي يقوم بدور المعالج الذي يخلص الأحصنة المصابة والمتألمة بأسلوب سحري يشفي حتى البشر المحيطين بهذه الأحصنة. ولكن ما يميز فيلم “سكرتاريا” عن تلك الأفلام هو حسه الملحمي والبطولي الذي يوظف مفردات القصة وتفاصيلها ـ حتى الهامشي منها ـ كي تكون هي عصب وقوام الذروة المشهدية التي تتطلبها هكذا أجواء ومناخات، هذه المناخات التي لا تنفصل عن هوى المخرج راندل والاس الذي كتب سيناريو الفيلم الملحمي الشهير “قلب شجاع” BRAVE HEART الذي أخرجه وأدى دور البطولة فيه ميل جيبسون، كما كتب والاس أيضا سيناريو الفيلم الملحمي الآخر “بيرل هاربر” حول الميناء الذي شهد الغارة الجوية الضارية من قبل طياري الكاميكازي اليابانيين في العام 1941 والذي أرغم الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية، والاس تصدى هذه المرة وبنفسه لإخراج فيلم “سكرتاريا” ولم يتخل ـ كعادته في الكتابة ـ من هذا التفخيم البصري الذي لا يهمل أدق التفاصيل والحيثيات في مسعى للدخول إلى ذات المتفرج وإلى تحفيز حواسه وعاطفته والاستحواذ عليه كلياً بخفة وطواعية وسلاسة ومن دون أن يشعر المشاهد بأنه أمام صورة افتراضية، يقدم المخرج هنا القصة بكل واقعيتها، ولكنه يذوّب حواس المشاهد في المسارات المؤلمة والمفرحة للحدث من غير أن يستعير بمؤثرات مقحمة ومبالغ بها. يتحدث الفيلم عن ربة المنزل بيني تشينيري ـ تقوم بدورها وبتميز الممثلة دايان لين ـ التي تعيل مع زوجها أربعة أطفال وتفاجأ برحيل والدتها فتضطر للبقاء مع والدها الذي يعاني من الخرف ويملك اسطبلا للخيول التي يتم استثمارها في إنتاج سلالات قوية من خيول السباق التي يمكن أن تدر أرباحا طائلة على مالكيها، تصر هذه المرأة العنيدة والقوية على الإبقاء على هذه الخيول وعدم التفريط بها رغم إلحاح شقيقها على بيعها والتخلص من المزرعة التي تضمها، هذا الإصرار من بيني يتداخل مع عشقها لمهر أحمر ولد في مزرعة والدها وتقرر الاستمرار في العناية به وتحويله إلى حصان قادر على المنافسة في أعتى وأقوى سباقات الخيل في أميركا، ورغم جهلها بأسرار وخبايا هذا العالم الرياضي الشرس، ورغم كل الظروف المعاكسة والمحبطة تستعين بيني بخدمات أحد مدربي الخيول المتقاعدين ـ يقوم بدوره الممثل الفذّ جون ماكلوفيتش ـ وهو مدرب غريب الأطوار ولكنه مفعم بالحماسة وبحس التحدي المتناغم مع رغبة بيني في تحويل الآمال المستحيلة إلى معجزات متحققة وملموسة على الأرض، تبدأ ملامح هذه المعجزة مع فوز حصان بيني ـ الذي أطلقت عليه مساعدتها إسم (سكرتاريا) ـ بأول لقب رغم حداثة مشاركته في مثل هذه السباقات. تهدي بيني هذا الفوز لوالدها الذي كان يؤمن بشجاعتها وبقدراتها المميزة وكان يقول لها دوماً إن شجاعة مالك الخيل تنتقل لا إراديا إلى الخيل نفسه، ورغم هزيمة (سكرتاريا) في السباق التالي وهبوط أسهمه في بورصة سباقات الخيول إلى أنه سرعان ما يتجاوز هذه الكبوة ويتحول إلى أسطورة مدوية بعد تخطيه دربي كنتاكي وسباق بلمونت وبعد تحطيمه لرقم قياسٍ لم يستطع حصان آخر أن يتجاوزه طوال سبعة وعشرين عاماً. وأثبت الحصان بذلك مقولات بيني التي وقفت ضد الجميع ورفضت بيع (سكرتاريا) في بداية دخوله عالم السباقات، وقالت: “من لا يجرّب.. لا يملك شيئا، والإيمان بالذات والقدرة على التغيير أهم من الفوز والخسارة”. استطاع مخرج الفيلم من خلال لقطاته المقربة والحميمية أن ينقل لنا المشاعر المتناوبة بين التردد والحذر والجموح التي تتدرج منذ لحظة دخول الحصان إلى أجواء السباق وحتى اقتحامه لمعترك السباق نفسه، وبكل ما يحمله هذا السباق من صخب وعنف وعراك ومنافسه شرسة واحتدام داخلي فائر ومندفع مثل طلقة بهيمية لا تستقر سوى مع الوصول إلى خط النهاية والظفر بكل المجد والعنفوان الذي يحزنه الحصان في داخله ويعكسه نحو الآخرين بصمت متفجر وجلال أسر يصعب ترجمته وفك ألغازه. عموماً فإن فيلم “سكرتاريا” يبدو ومن الآن أنه يغازل جوائز الأوسكار في دورته القادمة، فهو فيلم مبني على مقاييس عالية ومشغول بعناية فنية وبحرفية متقنة نقلت لنا أجواء الستينيات والسبعينيات في أميركا أثناء انشغالها بالأفكار الثورية واليسارية، وفي المقابل شهدت أميركا في تلك الفترة ظواهر اجتماعية تتجه نحو البوهيمية التي تمجد وتعلي من قيمة الفرد ومن حريته الشخصية، ظواهر وإحالات وأفكار جسدها الحصان (سكرتاريا) في الفيلم بأبعاد رمزية وقيمية، وفي سياق تاريخي حرج يؤمن بقيمة (الفعل) في موازاة الحلم والطموح، ويؤكد على أن الحياة أشبه بالدراما العنيفة التي يجب أن نجتازها ونحن منتصرون ــ أو في أسوأ الحالات ــ منهزمون ولكن بأقل الخسائر الممكنة!
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©