الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

إسرائيل والحرب وتململ النمر الرابض على شواطئ المتوسط

5 أغسطس 2006 01:09
أحمد خضر: يقف تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يعيشون على أرض واحدة على مفترق طرق هام، وعند نقطة تحول مفصلية، ولقد اتضح هذا بصورة خطيرة فيما تفعله إسرائيل على أرض الواقع، ولم يكن ما تقوم به من تهويد للأرض واغتيال مبرمج للأطفال والكوادر الوطنية ونسف بيوت السكان وتدنيس الأماكن المقدسة واقتلاع الأشجار وشق الطرق الالتفافية وبناء الجدار العنصري والانسحاب الشكلي الأحادي الجانب من غزة الذي يعني منح الفلسطينيين بعض المنعزلات السكانية ليقيموا عليها سلطتهم الخاضعة للاحتلال إلى المضي في تنفيذ المشروع الصهيوني بالاستيلاء على كامل فلسطين، والحرب التي تخوضها إسرائيل ضد لبنان ليست طارئة على الفكر الصهيوني التوسعي البغيض بل لها جذور ضاربة في التقاليد التاريخية والدينية التوراتية، ذلك أن الشعوب هي الهدف المعلن والمباشر دائماً للآلة العسكرية الإسرائيلية التي لا تميز بين جندي أو طفل رضيع، وكما أنها لم تستمزج رأي الفلسطينيين في احتلالها أرضهم منذ ستين عاماً، فإنها لم تأخذ برأي اللبنانيين الذين تدمر بلدهم في شماله وجنوبه وبقاعه وعاصمته بيروت· غسيل دماغ إن المجتمع الإسرائيلي يزداد تطرفاً، وما زالت العقلية الصهيونية المتزمتة تسيطرعلى دفة الأحداث في إسرائيل بقوة، وأثبت التحالف بين كاديما وحزب العمل أنه تم على قاعدة الحرب والعدوان وليس التهدئة والشروع في المفاوضات، ولا يوجد هناك صوت مسموع لأولئك الذين يحاولون فتح حوار مع الفلسطينيين أو العرب باعتبارهم أصواتاً متفرقة، وليس ثمة اختمار لاتجاهات إسرائيلية حقيقية تدعو للسلام، والاعتراف بالحقوق المشروعة للآخرين، كما أن معظم الناس في إسرائيل يقفون موقفاً عدائياً من العرب ولا يثقون بهم، وقد تعرضوا حسبما يذكر داعية السلام الإسرائيلي ''أوري أفنيري'' إلى عملية غسيل دماغ في عهد باراك، وبالتالي فإن المجتمع الإسرائيلي ليس مهيئأً لتقبل فكرة السلام، وقد زادت الحرب الظالمة التي يخوضها الجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة والضفة الغربية من نسبة الأصوات المنادية باستمرار الحرب، وتوسيع رقعتها· إذاً الخيار الذي يدعو للسلام في إسرائيل ما زال ضعيفاً، بعكس الشعب الفلسطيني الذي يرى في السلام خياراً استراتيجياً، ومنذ مؤتمر الجزائر عام 1988 حل المجلس الوطني الفلسطيني الصراع بين من ينادي بفلسطين الكبرى أو الدولة الديمقراطية العلمانية التي تتعايش فيها جميع الطوائف على قدم المساواة أو بوجود دولتين دون أن يتهم أحد من الفلسطينيين الطرف الآخر بأنه أكثر أو أقل وطنية منه إذا فضل خياراً على خيار· وعلينا أن نتذكر أن المواقف الإسرائيلية المتطرفة سواء بالنسبة للفلسطينيين أو لبنان أو سوريا أو مصر أو الأردن أو أي بلد عربي آخر، أدت إلى اندلاع سبعة حروب كبرى بين العرب وإسرائيل منذ عام النكبة ،1948 وآخرها الحرب الرهيبة على لبنان، وإن الإصرار على هذه المواقف سيقود إلى حروب جديدة، بل إن إسرائيل تلوح بذلك علناً في تهديدها لسوريا واستعدادها لمواجهة معها بعد تدمير قواعد حزب الله· وليس خافياً أن إسرائيل استغلت العملية العسكرية التي قام بها حزب الله من أجل تدمير لبنان والانتقام من الشعب اللبناني، واستعراض عضلاتها العسكرية أمام العالم العربي لفرض الشروط المذلة على العرب في عملية السلام، وبناء الشرق الأوسط الجديد، وحسب بعض المراقبين إن إسرائيل تحاول الاستفادة من الظروف المستجدة الناشئة في المنطقة، والصمت العالمي عما يجري في لبنان وتحميل إيران وسوريا مسؤولية مساعدة حزب الله، والموجة المتصاعدة في محاربة الإرهاب للقيام بعملية عسكرية ضخمة ضد سوريا بحيث تحتل أرضاً جديدة أكبر من الجولان لفرض وقائع على الأرض من أجل مقايضة الأرض السورية المحتلة حديثاً بهضبة الجولان، وإسقاط النظام السوري· شايلوك الدموي إن إسرائيل لا تعرف الدبلوماسية إلا في دوامة العنف وسفك الدماء، ومنذ أن وجدت، ويدها على الزناد، وهي ماضية في تطوير ترسانتها الحربية، وتكديس السلاح، وتقوم باستيراد أحدث ما أنتجته التكنولوجيا العسكرية الغربية من طائرات ودبابات الأمر الذي يفوق القدرة الاقتصادية على استيعاب استثمارات ضخمة لدولة صغيرة بحجم إسرائيل من أجل محاربة العرب (الأشرار) · تقوم إسرائيل بتخزين أسلحة محرمة دولياً، مثل الأسلحة الكيماوية، والجرثومية، والصواريخ البالستية، إضافة إلى السلاح النووي الذي تمتلك منه بين 300 ـ 500 رأس نووي موجهة إلى العواصم والأهداف الاستراتيجية العربية، وهي تستخدم مثل هذه الأساليب في طريقة قمعها للانتفاضة من خلال إلقاء الغازات الكيماوية السامة وغيرها على المواطنين العزل وطلاب المدارس والجامعات، وكذلك القنابل الذكية والفسفورية في حربها المدمرة ضد لبنان التي يصفها شمعون بيريز بأنها بمثابة حياة أو موت بالنسبة لإسرائيل· هنا تطرح جملة من الأسئلة، منها: هل إسرائيل بحاجة إلى انتحار متبادل مع شعوب المنطقة عندما تركب رأسها وترفض الاعتراف بالحد الأدنى لحقوق الآخرين بعد أن تنازلوا لها عنها ؟ ولماذا يصر أولمرت وعمير بيرتس وشمعون بيريز والقيادة الإسرائيلية على أنه لا يوجد إلا الحل الدموي العسكري مع اللبنانيين والفلسطينيين والعرب رغم أنهم قاوموهم بالإرادة، وحرب العصابات، والحجارة والصدور العارية إلا من الثقة والإيمان وأثبتوا أن تركيع الشعوب عبر غطرسة القوة محض وهم وخيال ساذج؟ ولماذا تصر إسرائيل على إنفاق الرأسمال البشري والموارد الاقتصادية في الحروب، وتضييع فرص السلام التي من شأنها أن تلحق دول الشرق الأوسط بالعالم المتقدم حيث التفرغ للتنمية والبناء؟ وهل حقيقة أن الإسرائيليين يتمسكون بديانتهم، أو مبادئهم أكثر من الآخرين بحيث أننا أمام شعب (سوبر) أو كما يدعون كذباً بأنهم ( شعب الله المختار ) والعرب هم (الأغيار) الذين ينبغي محاربتهم إلى يوم القيامة ؟ وهل عنصر الشك والخوف وسيطرة الخرافات اللاهوتية المعششة في عقولهم هو السبب في هذا التعنت ؟ أم أن المسألة متعلقة بمشروع إمبريالي هدفه السيطرة على الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه؟ لقد أبت إسرائيل إلا أن تشعل الحرب السابعة على الجبهة في الشمال لتدمير لبنان، وفي الجنوب للقضاء على كل أشكال المقاومة والصمود، لكن ليس بالحرب وحدها تستطيع إسرائيل التعايش والتطبيع والحياة في أحضان النمر العربي الرابض على أحضان البحر الأبيض المتوسط، وهو التعبير الذي استخدمه اينشتاين حين عرض عليه أن يكون أول رئيس لإسرائيل· عقدة ماسادا لا توجد لإسرائيل أمجاد تذكر حتى الآن، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن الوحشية وزرع الخراب والدمار، والقضاء على أمل الأطفال في الحياة أمجاد وبطولة، كما أن بناء شرق أوسط جديد ،لا يمكن أن يكون على أشلاء الضحايا والشعوب، وتدمير البنية التحتية المدنية للناس، فإذا نهضت أوروبا من بقايا حربين عالميتين، فإن منطقة الشرق الأوسط يكفيها سبعة حروب مدمرة حتى الآن· إن التوجه العربي للسلام مع إسرائيل ليس تكتيكياً بل هو استراتيجي، إنه توجه يقضي بقبول تعايش بين شعبين يعيشان في دولتين على أرض واحدة، وهو ما يؤدي إلى قبول إسرائيل في المنطقة والاعتراف العربي بها، وهذا الوضوح في الموقف العربي ظهر جلياً في قمة بيروت ،وقبول الطرف الفلسطيني بخارطة الطريق، وهذا التطور يماثل التطورات التي حدثت في أوروبا الغربية بعد عام 5491، فقد انتقلت من الصراع إلى العلاقات المجتمعية، ومن الكراهية والشك إلى واقع جديد يفضي إلى السلام، لكن إسرائيل التي تلازمها عقدة ماسادا - نسبة لقرية'' مسعدة الواقعة بالقرب من أريحا حيث فضل اليهود الإبادة على الخروج منها سالمين - ما زالت تصر على أنها ضحية، وتتعرض للتهديد من قبل الجيران، وهو ما سيؤدي إلى حروب متلاحقة، إن لم يكن إشعال حرب عالمية ثالثة تسببها إسرائيل حسب رأي الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©