الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفوضى العالمية.. هل أضحت «قاعدة جديدة»؟

4 أغسطس 2014 22:45
إنه عالم باتت تعمه الفوضى، وحري بنا أن نتعود عليه، لأنه ربما يكون «القاعدةَ الجديدة»، فالشرق الأوسط مشتعل، ليس في غزة فحسب، ولكن في سوريا والعراق وليبيا أيضا؛ وروسيا منهمكة في حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا؛ وأميركا الوسطى تتخبط في الفوضى، على غرار أفغانستان وباكستان؛ وأجزاء من المكسيك وأميركا الوسطى باتت تخضع لحكم العصابات الإجرامية وكارتيلات المخدرات، علماً بأن هذه ليست سوى أبرز الأزمات التي تستأثر باهتمام الصفحات الأولى. مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيجنيو بريجنسكي قال لمجلة «فورين بوليسي» مؤخراً: «هذا أمر غير مسبوق تاريخيا؛ حيث أضحت مناطق كثيرة عبر العالم تشهد اضطرابات شعبوية ومشاعر غضب وفقدانا فعليا لسيطرة الدولة». ما يقصده بريجنسكي ليس هو أن الفوضى باتت تعم العالم فحسب، فقد سبق أن حدث ذلك في فترات سابقة من الحرب والثورات (ولنتأمل هنا أوروبا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى على سبيل المثال)، وإنما قصده هو أن الفوضى أخذت تظهر في مناطق كثيرة بشكل متزامن، وأن الحكومات باتت أقل قدرة على مواجهة تلك التحديات من ذي قبل. وعلاوة على ذلك، فقد صار بإمكان النزاعات الانتشار بسرعة أكبر في عصر التواصل الفوري. ففي الشرق الأوسط، أدت الانتفاضات الديمقراطية لـ»الربيع العربي» إلى فوضى في ليبيا، وثورة مضادة في مصر، وحرب أهلية في سوريا، ثم سرعان ما تحولت الحرب في سوريا إلى جزء من نزاع إقليمي أوسع بين السُنة والشيعة، وامتدت عبر الحدود مع العراق. ومن خلال ذلك، رُبط صراعان ملحميان: المعركة السياسية حول من سيحكم دول العالم العربي، وحرب دينية بين الفرعين الرئيسيين للإسلام. ولكن هذين النزاعين ليسا من النزاعات التي تنتهي بسرعة وبشكل محسوم وواضح. وفي هذا السياق، يقول «ريتشارد هاس»، رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك، إن التشبيه الأقرب الذي يستطيع أن يشير إليه هو «حرب الثلاثين عاما» بين الكاثوليك والبروتستانت، والتي دمرت أوروبا من 1618 إلى 1648، وتلك فكرة مخيفة في الحقيقة. ولكن ذلك ليس حكراً على الشرق الأوسط. فمنذ نهاية الحرب الباردة قبل 25 عاماً، حذر خبراء السياسة الخارجية من أن العالم سيصبح أكثر اضطراباً، لأن القوة أخذت تتفتت وتتشرذم. ففي الماضي، كانت الحكومات والجيوش التقليدية الكبيرة تحظى بالطاعة عبر العالم. وعلى سبيل المثال، ففي القرن التاسع عشر، أرغمت خمس سفن بريطانية سلطان زنجبار على الاستسلام بعد 38 دقيقة فقط من نيران المدفعية. ولكن القوى العظمى لم تعد تتمتع بذلك التفوق العسكري اليوم، فقد أمضت الولايات المتحدة أكثر من عقد من الزمن في العراق وأفغانستان، ولكنها لم تستطع تهدئة أي من البلدين بشكل كلي. والسبب ليس هو أن القوى العظمى لم تعد قوية؛ بل الفرق يكمن في حقيقة أن خصومها صاروا أكثر قوة مما كانوا عليه من قبل؛ ذلك أنهم صاروا أحسن تجهيزاً وأفضل تمويلاً، وأكثر قدرة على خوض حرب العصابات. وبالتوازي مع ذلك، فقدت القوى الخارجية مثل الولايات المتحدة الرغبة في خوض حروب طويلة ضد حركات التمرد. فقد أصبحت السيطرة على حالات الفوضى المنتشرة عبر العالم أكثر صعوبة وأعلى كلفة، ولذلك بتنا – نحن الأميركيين – أكثر تردداً في المحاولة. والنتيجة هي ما سماه «راندل شفيلر» أحد الأكاديميين المتخصصين، من ولاية أوهايو، «عصر الفوضى» - عالم من دون زعامة وبدون قوى عظمى لفرض النظام. «الجمهوريون» لديهم كلمتان لتفسير كيف وصلنا إلى هذه الحالة: باراك أوباما. ولكن التغيرات الكبرى التي طرأت في العالم لم تكن بسببه كليا (أو حتى في المقام الأول)؛ مثلما أنها ليست، كما يصر «الديمقراطيون»، بسبب سلفه جورج دبليو. بوش، الذي أخذ الولايات المتحدة إلى الحرب في العراق. غير أننا لا نقصد بذلك القول إن سياساتهما الخارجية كانت خالية من الأخطاء ولا تشوبها شائبة. فبوش كان لديه إيمان ساذج بقدرة أميركا على نشر الديمقراطية؛ وأوباما استهل رئاسته بأمل ساذج في أن مد يده لإيران وروسيا وخصوم آخرين سيقابَل بتعاون. كما أنه قلل من شأن المشاكل التي سيجلبها التغيير عندما أتى «الربيع العربي»، حيث حاول الترويج للديمقراطية بأقل كلفة عبر تشجيع الانتفاضات في ليبيا وسوريا وبلدان أخرى، ولكن من دون القيام بشيء حقيقي لمساعدتها على النجاح. أوباما لجأ الآن إلى نسخة الحد الأدنى في سياسته الخارجية. ولكن على الرغم مما يؤكده منتقدوه، إلا أنه لم يتخل عن الشؤون الدولية؛ وبالمقابل، صار يركز على أولوياته الأكبر وهي: محاربة الإرهاب، وإيران، والصين، وروسيا. ولكن عقيدته الجوهرية بخصوص السياسة الخارجية باتت اليوم تقوم على ضبط النفس. وهذا ما يثير حفيظة دعاة التدخل في العالم الذين ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها الدولة التي لا يمكن الاستغناء عنها والُملزَمة أخلاقيا بحل مشاكل العالم. ومثلما يقول بريجنسكي: «لقد بتنا نفتقر على نحو متزايد إلى الإرادة الاستراتيجية وحس الاتجاه». هذه مبالغة من دون شك؛ غير أنه إذا كان أوباما يبحث عن هدف كبير لسنواته الأخيرة في الرئاسة، ففي ما يلي هدف عليه أن يتبناه (وبالكاد يستطيع تجنبه): توضيح استراتيجية عالمية شاملة للولايات المتحدة في عالم ما فتئ يزداد فوضى واضطرابا وإقناعُ الأميركيين بأنها استراتيجية معقولة ومبررة. كيف؟ هذا سؤال سنفرد له مقالا خاصا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©