السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شاعران مغربيان يكتشفان أسرار مدينة مراكش ودروبها الخفية

شاعران مغربيان يكتشفان أسرار مدينة مراكش ودروبها الخفية
4 أغسطس 2014 22:38
محمد نجيم (الرباط)يغُوصُ بنا صاحبا كتاب «مراكش أسرار معلنة» الشاعران ياسين عدنان وسعد سرحان في أعماق مدينة مراكش الساحرة، ويصفانها بوصف شاعري جميل شبيه بوصف الأديب والتر بنيامين لمدينة باريس ومنعرجاتها وطرقها السرية. مراكش التي يصفها لنا خوان غويتيسولو الكاتب الإسباني وأحد عشاق مدينة مراكش والمُقيمين فيها منذ عقود من الزمن إذ يقول في توطئة هذا الكتاب، «طالما وُصِفت مراكش من قِبل زوارها الأجانب أكثر مما وصفت من قبل أبنائها. قد يبدو الأمر غريباً، لكنه ليس كذلك. إن الزائر المرهَف الذي تجود به الأقدار أحياناً لَيُقْبل على النّص/ الطّرس الذي تُشكله المدينة بما يصحب الرؤيةَ والنظرة البكر من جدّة وغضاضة: إنه، رغم إنصاته لأصوات المدينة، دونما فهمٍ مثلما حدث لإلياس كانيتي، يلتقط التمَيّز المراكشي والفضاء السرّي لهذه الحاضرة الفريدة كمن يجسّ نبضاً دائم الخفقان». ويضيف غويتيسولو: «لا حاجة للمراكشيين إلى وصف مدينتهم بحكم اعتيادهم عليها وتعرّفهم اليومي على قسماتها. ينبغي لهم اختراق رتابة اليومي إذن ليرسموا صورتها مُتشابكةَ الخطوط، الطافرةَ من حال إلى حال، بعيداً عن الأحكام الجاهزة للسائح المبتذل القادم من مجتمعاتنا الاستهلاكية البلهاء. ينبغي ذلك الاختراق للتعبير عن تَجَسم أصوات المدينة وتَعدد نواميسها، وللإحاطة أيضاً بتلك الحيوية الشرسة والزاخرة التي تباغت المسافر متى وطئت قدماه تراب الحمراء، مدينة الرجالات السبع الذين يدرؤون عنها (إلى أيّ أمدٍ؟) أخطار حداثة منفلتة تتهدّدها». يصف الشاعران ياسين عدنان وسعد سرحان مراكش بكونها «يد التاريخ الممدودة فوق سرير الحوز وجامع الفنا راحتها الفسيحة. فيه يمكنك قراءة كل أسرار «الحمراء». لكنه كفٌّ كأصابعه غريبٌ. لا خطوط فيه. بدل الخطوط، تجد الدوائر والحلقات. كل «حلقةٍ» بئرٌ عميقة الغور. . . بلا قرار تقريباً. كف ليست كباقي الأكف التي يستطيع أتفه عرّافٍ أن يفضح عبر خطوطها طلعةَ المستقبل المتوارية جهة السبابة. . . كفٌّ يتجلى فيها الماضي بألسنته الكثيرة. ذاكرةٌ في راحة اليد. هنا الهلالية والعنترية. وهناك الأزلية وحكايات ألف ليلة وليلة. هنا المحتالون والعيارون وبائعو الحياة بالتقسيط. إنها الحكايا، بخرسها الفصيح، ما يقود المرء إلى الأبهاء الداخلية. إنه صوتُ المدينة، فاكهتها العسيرة التي أثمرها سمَرُ رواة غامضين تواروا ـ جلّهم ـ غير بعيد عن الأسوار يتفرجون من مهاجعهم الأبدية على فعل صنيعهم في الوافد على المكان. و«أهل المدينة متمسكون بالتراب قدر تمسكهم بالحياة. فالقاطنون داخل الأسوار حيث الدور العتيقة، ذات الأبهاء الرحبة المزلجة، يخصصون جزءاً منها لغرس شجر الليمون والياسمين أو شجر مسك الليل، مُجترِحين بذلك واحة وسط صحراء الإسمنت التي يقيمون بها. أما الساكنون خارج الأسوار حيث العمارات ذات الشقق المتقشفة، فيخصصون بباب البناية أحواضاً لشجر يحرسهم من أنفاس الحديد والمطاط. وثمة دائما واحات صغيرة ورائعة الجمال: إنها الواحات المعلقة التي تعج بالسرخس والحبق والسوسن، الواحات الضّاجة بالخضرة، والتي يمكن مشاهدتها في الشرفات على شكل أصص باذخة تقترح أجسادها الصغيرة على أشعة الشمس. وينقلنا الشاعران إلى جوانب التحف «بازارات مراكش» ويصفان تلك الحوانيت بقولهما: «وتبقى البازارات من أطرف مكتبات المدينة الحمراء وأكثرها جاذبية. أما الفعل Bazarderفيعني البيع بأسرع الطرق، وهو المعنى الذي لا بد أن البازار اتخذه شعارا له وجنَّد لتنفيذه رهطاً من الباعة ألسنَتُهم أزاميل من ذهب تتفاوت عياراته من بازار لآخر حسب نوع المعروضات. فالذي يبيع النحاس غير الذي يبيع الخشب والذي يبيع الجلد غير الذي يبيع الفضة وهم جميعا دون الذي يبيع الزرابي. ولما كانت هذه الأخيرة سيدة البازارات فإن الوقوف عندها يُغْني عن المرور بغيرها». ويرى الكاتبان أن معظم باعة الزرابي بدأوا حياتهم المهنية في محال أقل شأنا، تعلموا فيها أبجدية البيع التي أوَّلُ حروفِها الدهاء. ثم جعلوا يترجمون الأبجدية تلك إلى عدة لغات. فصارت لهم دراية بالأجناس والعملات، وحفظوا عواصم الناس وعاداتهم، ودخلوا البيوت من مختلف القارات وأثثوها بمعروضاتهم دون أن يبرحوا أماكنهم حتى. فإذا أكدوا حضورهم في السوق ولفتوا إليهم الانتباه، تمَّ استقدامهم إلى بازارات أهم وبشروط مغرية. ولا يملك المرء سوى أن يعجب لأمر هؤلاء السياح، كيف يصدقون كل شيء مع أنهم قادمون من أصقاع متطورة بفضل إعمال العقل في جميع الأمور، فمنهم من يشتري لوحا خشبيا منخوراً على أنه من بقايا سفينة نوح، ومنهم من يشتري عصا تقشعر لها الدماء على أنها كانت في شبابها تتحول إلى أفعى، ومنهم من يشتري زوجاً من القرون على أنه كان لذي القرنين. . . وهكذا تباع الكثير من الأشياء وبأثمنة تناسب قيمتها التاريخية طبعاً. لا أحد من طاقم البازار، والعهدة علينا مرة أخرى، سبق له أن قرأ للخطيبي أو بارت. . . ومع ذلك فإن بعض جهابذة الباعة يستطيعون بيع الزربية لأمبرتو إيكو شخصياً على أنها مخطوطة. مراكش ليست مدينة للكتابة، إنها مدينة للحكي. ومن أراد أن يحكي المدينة، فليتزوّد من غريبِ مكتبتها. يختم الشاعران كتابهما «مراكش: أسرار معلنة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©