الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

مشروعات البنية التحتية تقود انتعاش المدن الصينية

مشروعات البنية التحتية تقود انتعاش المدن الصينية
18 يوليو 2011 21:33
يستغرق بناء مسار واحد لمترو الأنفاق ليمر عبر “الطريق الثاني” بمدينة نيويورك سبع سنوات بطول لا يتجاوز سوى الميلين فقط، بينما تخطط مدينة ووهان عاصمة مقاطعة هوبي في وسط الصين لبناء نظام جديد كلياً بطول يقارب 140 ميلاً. ويعد هذا الخط واحداً من عدة مشاريع من خطة المدينة الرئيسية البالغة تكلفتها 120 مليار دولار التي تتضمن صالتي مطار ومركز تجاري جديد وآخر ثقافي ومتنزه شاطئي، بالإضافة إلى بنايات أخرى. وتبدو النهضة العمرانية في ووهان، التي تبعد 425 ميلاً غرب شنغهاي، مبالغ فيها لكنها في حقيقة الأمر عادية، حيث تتسابق العشرات من المدن الصينية أيضاً للانتهاء من مشاريع بنياتها التحتية التي لا تقل عنها في حجمها وتكلفتها. وساعدت جهود المدن في السنوات القليلة الماضية البنية التحتية الحكومية والإنفاق العقاري، في التفوق على التجارة الخارجية التي تعتبر المساهم الأكبر في النمو الصيني. وبعبارة أخرى تحل قطارات الأنفاق وناطحات السحاب، محل صادرات الأثاثات و”آي فون” التي تمثل براعة الصين. لكن هناك من المؤشرات التي تدل على أن الحركة العمرانية التي يتم تمويلها عبر الديون الضخمة المقدمة من الحكومات المحلية والحسابات الذكية التي تخفي الحجم الحقيقي للديون، تعمل على تقويض النهضة الاقتصادية الصينية. ويذكر الخبراء أن الخطر يكمن في أن الحكومات المحلية ترقد بالفعل على كميات ضخمة من الديون الخفية، الخطر الذي يهدد نمو الاقتصاد لعدد من السنوات المقبلة وربما لعقود. ولأن نمو الاقتصاد الصيني ظل واحداً من المحركات المستقرة القليلة لعجلة الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، فإن أي بطء فيه ستكون له تداعيات عالمية. وبينما تنتشر المشاريع البلدية حول أرجاء الصين المختلفة، فإن الإنفاق على ما يسمى استثمارات الأصول الثابتة أحد معايير المعمار الأساسية الذي يشكل عبئاً كبيراً على الحكومة والمشاريع العقارية، يساوي الآن 70% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وهذه نسبة لم تحققها أي من البلدان الكبيرة في التاريخ الحديث. وحتى اليابان وعند نهضتها العمرانية في ثمانينيات القرن الماضي لم يتجاوز إنفاقها سوى 35% كما ظلت النسبة تتغير حول 20% لعدد من العقود في أميركا. ويساعد رقم الصين الكبير على تفسير الارتفاع الصاروخي في المواد، لكنه ربما يفسر أيضاً الاعتماد الخطير على الإنفاق الحكومي على البنية التحتية. في حقيقة الأمر، تعمل الحكومات المحلية على النقيض من أهداف بكين، كما أن بعض أهداف وسياسات بكين نفسها ربما تكون متناقضة. ونتيجة لذلك، تعيش رأسمالية البلاد نفسها في المزيد من الفوضى والاقتصاد في المزيد من الضعف، وذلك على عكس ما يبدو عليه للعالم الخارجي. وفي حالة مدينة ووهان، فإن نظرة فاحصة تكشف أن المدينة اقترضت عشرات المليارات من الدولارات من المصارف التي تديرها الحكومة. لكن نادراً ما تذهب القروض مباشرة للحكومة المحلية. وبدلاً من ذلك، تتم عملية الاقتراض من خلال شركات استثمارية خاصة تحددها الحكومة المحلية والهيئات التجارية التي لا تظهر ديونها في ميزانية وهان المالية. ومما يضيف إلى المخاطر، فإن ضمان العديد من القروض عادة ما يكون من الأراضي التي يتم تقييمها بأسعار عالية معرضة للانهيار في حالة حدوث فقاعة عقارية في الصين. ويُذكر أن أسعار أراضي وهان ارتفعت لثلاثة أضعاف في غضون العقد الماضي. ومن أكبر شركات الاستثمار المستقلة هنا شركة تعرف باسم “شركة ووهان للتنمية واستثمارات اعمار المدن” التي تم انشاؤها لتمويل مشاريع بمليارات الدولارات والتي تتضمن الطرق السريعة والجسور ونظم معالجة مياه المجاري. وتضم الشركة نحو 16,000 موظف و25 فرعاً و 15 مليار دولار من الأصول، لكنها مدينة بنحو 14 مليار دولار. ويقول سن زينجرونج المتحدث باسم الشركة “الشركة مدينة بشدة وينتج عن ذلك مشاكل كثيرة مما يضطرنا للقيام ببعض الإصلاحات”. وتسير العديد من المدن على خطى وهان مع إنشاء شركات خارج الميزانية تعاني من ديون ثقيلة نتيجة للمشاريع البذخية ونظم الميترو الجديدة وخطوط القطارات السريعة والمكاتب الحكومية الفاخرة، على الرغم من جهود الحكومة المركزية للحد من قيام مثل هذه المشاريع. وللحد من ديون الحكومات المحلية، منعت بكين بلديات هذه المدن من إصدار سندات بغرض تمويل المشاريع الحكومية. كما وضعت الحكومة الصينية مؤخراً قيوداً مشددة على إقراض البنوك الحكومية للبلديات. لكن وباستخدام شركات خارج الميزانية، استطاعت المدن وبشكل كبير التحايل على قانون بكين. ويقدر زيهانج دينج، الأستاذ في جامعة “زونجنان” والمستشار الحكومي للشؤون البلدية، أن أقل من 5% من إنفاق المدينة على البنية التحتية يجيء من ميزانية المدينة العامة، والبقية من الشركات غير المدرجة في الميزانية العامة. وتعلم بكين عن وجود هذا النظام جيداً، حيث تقدر عدد مثل هذه الشركات التي تقوم بتمويل الحكومات المحلية بنحو 10,000 شركة. وعلى الحكومات المحلية السعي لإيجاد طريقة أخرى للنمو. لكن هذه لعبة فيها الكثير من المخاطر، ويقدر تقرير حديث أعده “بنك يو بي أس للاستثمار” تأخير الشركات الاستثمارية في الحكومات المحلية عن سداد قروضها بنحو 460 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة. وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي للصين، لا يمكن مقارنة ذلك ببرنامج إنقاذ الأصول المتعثرة في أميركا بنحو 700 مليار دولار. ويرى العديد من المحللين أن ذلك لا يشكل تهديداً وشيكاً بحدوث أزمة مصرفية تقود إلى انهيار النظام الاقتصادي في الصين. ويعزى ذلك وإلى حد كبير للاحتياطي النقدي الضخم الذي تملكه الصين بنحو 3 تريليون دولار التي يستثمر معظمها في سندات الخزانة الأميركية، بالإضافة إلى ادخارات الأسر الضخمة في المصارف لشعب قوامه 1,3 مليار نسمة. ومن أكبر المشاكل أن ديون الحكومات البلدية في الصين بدأت تلقي بظل كثيف على صورة النمو في البلاد. وإذا بدأت الصين بدلاً من إنفاق الأموال في عمليات التنمية، في إنفاقها لحماية المصارف من تأخير سداد ديون الحكومات المحلية، فمن المتوقع أن تدخل في نفق مظلم وطويل من الركود الاقتصادي مثل اليابان. ويتوقع بعض الخبراء أنه في غضون عقد من الزمان، ربما تتسبب الفقاعة العقارية وديونها المتراكمة، في ركود إقليمي في آسيا يعوق بدوره النمو في بقية دول العالم. ووفقاً لتقديرات بكين، تبلغ ديون الحكومات المحلية نحو 2,2 تريليون دولار مما يساوي ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ومن المرجح أن تشكل موجة تأخير الحكومات المحلية عن السداد، مسؤولية ثقيلة للحكومة المركزية التي تصل ديونها إلى 2 تريليون دولار. لكن وبالأرقام المخفية عن مراجعي الحسابات الحكوميين، ربما تقارب هذه الديون 3 تريليون دولار. ويقترض العاملون في بناء مشروع مترو أنفاق ووهان البالغة تكلفته نحو 45 مليار دولار، بصورة مستمرة على مدار الساعة. ويقدر المسؤولون في وهان عدد المشاريع المعمارية تحت التشييد في المدينة بنحو 5,700. وتخطط وهان للسير في طريق شانجهاي وبكين الحلم الذي تعمل على تحقيقه عبر الديون. كما تسعى هذا العام لإنفاق 22 مليار دولار على مشاريع البنية التحتية المبلغ الذي يفوق عائداتها الضريبية في العام الماضي بخمسة مرات، على الرغم من فقر سكانها الذين لا يتجاوز دخل الفرد السنوي منهم 3,000 دولار. ولا شك في أن الصين في حاجة لبنية تحتية جديدة وقطاع مواصلات إن أرادت تحقيق هدفها الرامي إلى تحويل عدد كبير من السكان من القرى إلى المدن. لكن ليس من المؤكد ما إذا كان في مقدور البلاد الاستمرار في البناء بهذه الوتيرة وما إذا كانت هذه المشاريع قادرة على تسديد ما عليها من ديون. كما ساعدت بكين في الدفع بعجلة هذه النهضة العمرانية في بداية العام 2009 عند استجابتها للركود العالمي، حيث مارست ضغوطاً على الحكومات المحلية من أجل التطلعات الكبيرة مع إعلانها عن حزمة تحفيزية ضخمة، مما أطلق موجة من القروض المصرفية المدعومة من قبل الحكومة. ويقول فو زهيوا، الباحث في “معهد بحوث العلوم المالية”،: “ما نشهده اليوم لم يكن معهوداً في 2008، والآن كل المدن الصينية تتسابق في ذلك”. كما يبدو أن بكين الآن غير قادرة على وقف هذا الاندفاع. وربما يكمن جزء من المشكلة في التحفيزات التي يقدمها نظام الاقتصاد في البلاد. ويحتفظ المسؤولون في البلديات بمناصبهم وبالحصول على الترقيات، فقط بسبب النمو قصير الأجل. وعلى الرغم من مبيعات الأراضي خلال الخمس سنوات الماضية بتكلفة بلغت نحو 25 مليار دولار، إلا أن مدينة وهان تجد صعوبة في تغطية تكاليف مشاريعها. وبموجب الضغوط الحكومية لتخفيف ديونها، وعدت المدينة بسداد 2,3 مليار دولار للدائنين المدعومين من قبل الحكومة. وليس من الواضح ما إذا كانت وهان ستقوم بذلك عبر بيع المزيد من الأراضي أو الأصول أو الديون. لكن إضافة الديون القديمة إلى الجديدة ليست من العادات المتبعة في المدن الصينية. مثلاً قامت شركة ووهان الاستثمارية الكبيرة “وهان يو سي آي دي” باقتراض 230 مليون دولار في 2009 من المستثمرين لتستغل ثلثي المبلغ لتسديد بعض القروض المصرفية. نقلاً عن: إنترناشونال هيرالد تريبيون ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©