الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضرة مُرة وطريق مسدود

ضرة مُرة وطريق مسدود
14 أكتوبر 2010 20:44
للمرة الأولى في حياتي أرفع صوتي في الحوار مع أمي، ومع هذا لم أتجاوز حدود الأدب واللياقة، رغم أن حالتي النفسية كانت في الحضيض وقلبي محطم وحياتي مثل قارب صغير تتقاذفه أمواج بحر هائج لا يستطيع المقاومة ولا أستطيع الثبات، ولا أعتقد أن واحدة غيري مرت بما مررت به. وسبب عصبيتي أن أمي طلبت مني أن أذهب إلى طبيب نفسي عساه أن يجد حلاً لمشكلتي، فقلت لها إنني لست مجنونة لكي أذهب إلى طبيب من هذا النوع، وابتسمت أمي ابتسامة رقيقة، وقالت: الطبيب النفسي لا يعني أن زواره مجانين هو عبارة عن حكيم يستمع للمشكلات ويشخصها بطريقة علمية طبية ثم يقدم الحلول في سرية تامة من دون أن يعرف أحد أي شيء عن المشكلة أو الحل وينتهي الأمر وكأنّ شيئاً لم يكن. واقتنعت بكلام أمي بعد أن فكرت فيه ملياً وقررت أن أتجه إلى الطبيب سراً. في العيادة، كنت أخفي وجهي عن الموجودين، وأتحدث مع الممرض همساً كأنني لص يسرق شيئاً خلسة وخفية ولا يريد أن يشعر به أحد، وضربت موعداً وتوجهت إلى الطبيب الذي استفسر عن بعض البيانات مثل عمري وحالتي الاجتماعية والمنطقة التي أسكنها، ثم طلب مني أن استلقي على الأريكة الخاصة التي يتمدد عليها المريض، ونصحني بضرورة الصراحة الشديدة حتى لو كانت مؤلمة؛ لأن الحقيقة حتى لو كنت مُرة ستقرب من التشخيص والعلاج السليم فاستسلمت من أجل الشفاء أو بالأحرى الوصول إلى الحقيقة أو إلى حل لمشكلتي التي لا اعتقد أن لها حلاً من وجهة نظري أو في حدود إمكاناتي وتجاربي. قلت بعدما أغمضت عيني: لم انتبه إلى أنني لست جميلة إلا عندما تقدم لي شاب يطلب يدي والسبب أنه غاية في الوسامة والأناقة يفوق نجوم السينما وإن كانوا يتصنعون ذلك، بينما هو على طبيعته، وأنا لم أكن دميمة، إلا أن الفارق بيننا كان واضحاً حتى أنني أخجل من النظرات التي تلاحقنا، وعلى الفور تطلق المقارنة ومن الطبيعي أن أخسر وأتلقى العبارات والتعليقات الساخرة التي تؤلمني نفسياً، وفي الوقت نفسه تسرني لدرجة أنني أحسد نفسي عليه وأتمنى ألا أفقده أبداً وما لم أكن أصدقه أنه أحبني وبثني أحلى كلمات الغزل والغرام، فكان يعوضني عن سخرية الآخرين الذين لم أعد أنتبه لهم ولا أهتم بكلامهم. تزوجنا وانتقلت إلى بيته ونحن في هذه الحالة من الحب والهيام، أتعجل عودته من العمل، أترقب حضوره على أحر من الجمر مثل ما يفعل العشاق في الأفلام القديمة، راضية كل الرضا بهذا العطاء من الله وأحمد ربي عليه، لكن بدأت تظهر لي أشياء في زوجي لم أعرفها من قبل، إذ ونحن نسير معاً في الشارع أتأبط ذراعه، وبينما أنا في نشوة السعادة أفاجأ به يمد عينيه إلى كل النساء والفتيات من حولنا. تجاهلت الأمر في البداية كأنني لا أشعر بما يفعل، لكنه تمادى وراح يتحدث عن مميزات كل واحدة، وهو يتغزل في جمالها أو أنوثتها وعندما أظهرت له ضيقي بهذه التصرفات، قال إنه يملك إحساس فنان ويشعر بالجمال ويحبه ويقدره ولا يمكنه أن يتجاهله وما يبدر منه هو تعبير عما يجيش بداخله بصفته عاشقاً للجمال محباً له وفشلت في إثنائه عن هذه التصرفات التي تخترق قلبي كالسهام وتمزقه مثل السكاكين ولا يريد أن يفهم أنني زوجة وأغار عليه واحبه ولا أريد أن اسمعه يتحدث أمامي عن أي امرأة أخرى حتى لو كانت أمه. أصبحت أشقى بمن كنت أحب، فقد تحولت وسامته وأناقته إلى نقمة عليَّ فلم يقف الأمر عند تصرفاته هو وحده وإنما أيضاً كانت ترنو عيون بعض الفتيات إليه، وقد لاحظت ذلك كثيراً، لكن لا أستطيع أن ألومه على تصرف لم يفعله وليس من جانبه وإن كان هذا يؤلمني ويجرحني فأصبحت مهددة من كل الاتجاهات مثل فريسة تحيط بها الوحوش ويحدق بها الخطر من كل جانب وفي كل وقت. عدة سنوات وأنا على فوهة بركان كأنني أنتظر الزلزال المدمر ولم يشفع مجيء ثلاث بنات في تغييره أو إصلاحه أو تهدئتي ولم أعد أشعر بالاطمئنان، وأترقب وقوع البلاء فلا أشعر بالأمان وردوده على تساؤلاتي لا تبشر بخير حتى أنني قلت له وأنا أضعه في موضع اختبار يمكنك أن تتزوج، لكن لا تسمح لنفسك بهذه التصرفات الصبيانية وأنت لديك ثلاث بنات في عمر الزهور وأجابني بابتسامة غامضة لم أفهم منها رفضاً أو قبولاً أو استنكاراً. ووقع الزلزال الذي كنت أتخوف منه وجاء على حين غرة حتى وإن كنت أترقبه؛ لأنني كنت أغالط نفسي أحياناً وأدعي أنني متوهمة وأبالغ في خيالي وأوهامي جاءني يخبرني بأنه تزوج امرأة جميلة، وأفقدتني الصدمة الوعي والتوازن ولم أدر كيف أتصرف، وهل أترك له البيت، ولكن في ذلك ضياع للصغيرات اللاتي لا ذنب لهن فهل آخذهن إلى بيت أبي؟ لا لأن أبي تقدم في العمر وليس في إمكانه أن يتحمل نفقاتهن فهل أطلب الطلاق؟ وفي هذا ضياع لي ولهن والحل الوحيد أن يطلقها هي إلا أنه رفض تماماً وثارت ثورته وحذرني من تكرار هذا الكلام. وأصبحت مغلوبة على أمري عاجزة عن فعل أي شيء وتحولت الميزة التي كانت بين يدي إلى سبب عذابي ومعاناتي ونحل جسدي وخف وزني وبدت علامات الزمن وآثاره تظهر مبكراً على وجهي بما يزيد على عمري الحقيقي بسنوات طويلة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل جاء ليجبرني على التعرف إلى ضرتي فرفضت بشدة؛ لأنني لن أقبل مجرد رؤيتها، لكنه في النهاية بين الإقناع والإجبار جعلني التقي بها بحجة التعرف إليها حتى وإن كنت لن أتعامل معها واصطحبني لزيارتها في المسكن الذي اشتراه لها ولم أصدق ما رأيت وسمعت فضرتي فائقة الحسن والجمال ولم أتخيل لحظة أنها كذلك ورغم غيرتي الشديدة وأنني امرأة فقد التمست له العذر، بل لأي رجل قد تقع عيناه عليها، ولا أبالغ إذا قلت إنها أجمل امرأة رأيتها في حياتي، وإلى هنا لم تكن المشكلة هي جمالها أو زواجه من أخرى وأنه أصبحت لي ضرة تقاسمني زوجي وتستحوذ على وقته وعلى أحاسيسه حتى وهو معي وإنما المشكلة الكبرى أنني لا أقبلها ضرة، وهي تعاملني مثل أختها الكبرى، وتعامل بناتي مثل أخواتها الصغيرات، وتغدق عليّ بالهدايا وترعاني وتداوم على الاتصال بي والاطمئنان عليّ لذلك وضعتني في صراع نفسي بين رفضها كضرة وإن كانت ملاكاً وبين تعاملها معي كامرأة نقية لا تستحق الحرمان من زوجها الذي هو في الوقت نفسه زوجي. خمسة عشر عاماً مضت أعتقد أنني خسرت فيها زوجي وأستطيع أن أجزم بأنه لن يعود أبداً كما كان كما أجزم أيضاً بأنني لن أستطيع أن أتحمل البقاء مع ضرة حتى لو كانت ملاكاً وأنا أشهد لها بذلك. واستجدت في الأمور أمور، إذ إن ضرتي الآن حامل في شهورها الأولى واهتمام زوجي زاد بها أكثر مما كان مما يزيد حالتي سوءاً وأجدني أتجه نحو الأسوأ فقد وصلت إلى طريق مسدود وازداد الوضع تعقيداً وتأزماً ولا أجد له حلاً. سألني الطبيب بعد أن سمع هذا كله وكأنه غير موجود بجواري: ما هو الحل الذي ترين أنه يريحك ويرضيك؟ قلت أن تعود الأيام ولا أتزوج هذا الرجل. قال والحل الثاني؟ قلت أن يعود الزمن ولا يتزوج عليّ. قال والحل الثالث؟ قلت أن يطلقها. فبادرني بسؤال مباغت: وهل يمكن أن يكون الحل في أن يطلقك أنت؟ هنا نهضت وسألته بحدة إذا لماذا جئت إليك؟ ألم أقل لك إنني رفضت ذلك من قبل أو بمعنى أصح لم أستطعه؟ طلب مني الطبيب أن أنهض من على الأريكة وأجلس على مقعد وثير في مواجهته تفصلنا عدة أمتار، وقال: لا أرى بالطبع حلاً في أي من المستحيلات التي تحلمين بها ولا حل أيضاً في طلاق أي منكما لأن فيه خسارة وظلما لمن تختار هذا الطريق أو تجبر عليه والحل فقط في قبول الأمر الواقع، وأن تتكاتفي مع هذه المرأة ولا تنظري إليها بعين التنافس من أجل الفوز والاستحواذ على الرجل ليكون لك وحدك لأن هذا في مثل هذه الظروف لن يحدث، وليس استسلاماً أن ترتضي هذا الوضع وإنما عين الحكمة؛ لأنه أقل الخسائر والبحث عن حل في غير ذلك ضرب من العبث والبحث عن مجهول أو انتظار ما لا يجيء. استغلي ما في ضرتك من مميزات واستثمريها في الاقتراب من زوجك أو بمعنى أصح لتكن أداة جذب له إليك أو محاولة لاستعادة بعضه وهذا خير من فقدانه كله إنكم جميعاً في سفينة واحدة، ويجب أن تسير بكم في أمان ومن يختر الخروج منها فإنه يلقي بنفسه في البحر ولا أعتقد أن أحداً يريد أن يموت بهذا الشكل أو أن يلقي بنفسه إلى التهلكة، وباختصار لا بد من الرضا بالواقع وقبول هذا الوضع. خرجت من عند الطبيب النفسي وأنا أكثر حيرة فلم يقدم لي حلاً يرضيني أو علاجاً يشفيني رغم قناعتي بيني وبين نفسي بما قال، إلا أنني عدت إلى نقطة الصفر بل أضاف إليّ أزمة جديدة؛ لأن من كان عنده الحل عجز عن إيجاده ومن كان عنده الأمل قد يكون ضيعه أو أنني كذلك كنت أحلم وفقدت حلمي أو تحول إلى كابوس أنني صرت بقايا امرأة. مازلت حائرة بين العقل والمنطق والواقع وبين الغيرة والرفض وعدم القدرة على قبول ضرة وأشعر أنني مهزومة، وقد خسرت الحرب وكل الجولات ووصلت إلى طريق مسدود.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©