السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الإسكان».. تفرقة عنصرية

12 يوليو 2015 23:46
لقد كنا لفترة طويلة من الزمن نغض الطرف عن منشأ وأصل «الجيتوهات» الأميركية. وقد سبق لفريق من الخبراء الأميركيين، يضم عضوين في الكونجرس (أحدهما عن مجلس النواب والآخر عن مجلس الشيوخ)، إضافة إلى رئيس بلدية وحاكم إحدى الولايات، أن قام بدراسة تتعلق بالتفرقة العنصرية والتمييز على أساس العرق في بعض المدن الأميركية، وذلك بطلب من الرئيس الأميركي في حينه ليندون جونسون. وجاء في النتائج التي توصلت إليها الدراسة أنه من الضروري إدانة الانتشار المتزايد لـ«العنصرية البيضاء» والسياسة الرسمية الحكومية المتعلقة بموضوع التمييز في الوظائف والرواتب وامتيازات العمل على أساس عنصري، لاسيما ضد الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية أو اللاتينية. وكانت «اللجنة الاستشارية الوطنية للمشاكل المدنية»، وهي هيئة معروفة على نطاق واسع باسم «لجنة كيرنير»، قد نشرت نتائج بحوثها حول هذا الموضوع أيضاً، وذلك في عام 1968، ضمن وثيقة شاملة مما جاء فيها: «إن أبعاد الخطأ الذي ارتكبه الأميركيون البيض لم يتم فهمه على النحو الصحيح أبداً، إلا أن الشيء الذي لا يمكن أن ينساه السود أو يمحى من ذاكرتهم هو أن المجتمع الأبيض متورط حتى النخاع في إقامة الجيتوهات». وتضيف الوثيقة المذكورة: «لقد تكفلت المؤسسات التابعة للبيض بابتداع فكرة إنشاء تلك الجيتوهات، وهي التي قامت بتوسيعها مع مرور الوقت، وتغاضت عن وجودها كمعازل عرقية تمثل التمييز العنصري بأبشع صوره». وكُتب لتقرير «كيرنر» أن يعود إلى الحياة مجدداً، وذلك للمرة الثانية خلال الربيع الماضي. ولقد عاد «أوتو كيرنير» حاكم ولاية «إلينوي» إلى الواجهة باعتباره الرجل الذي سبق له أن تنبأ بأحداث «بلتيمور» العرقية المعروفة. وما لبثت تحذيراته من الخطر الكامن في المسألة العرقية في الولايات المتحدة أن أصبحت مرجعاً استشهد به «أنتوني كنيدي»، القاضي في المحكمة العليا في معرض مناقشة مهمة جرت وقائعها خلال الشهر الماضي، وذلك بغية مراجعة ما يسمى «قانون الإسكان العادل»، وهو قانون يهدف إلى إلغاء سياسات الإسكان التي تضرّ بالأقليات العرقية في الولايات المتحدة. وكتب «كنيدي» قائلاً: «لابد لهذا القانون أن يلعب دوراً مهماً في تجنّب النبوءات التعيسة للجنة كيرنير والتي حذرت من أن أمتنا تتجه نحو الانقسام إلى مجتمعين منفصلين وغير متساويين في الحقوق، مجتمع أبيض وآخر أسود». ولعل الشيء المثير للدهشة في تقرير «كيرنير» اليوم، هو أنه يبدو وكأنه وثيقة لا يمكن أن تكون كتبت عام 2015. وفي هذا الوقت الذي يُفرط فيه أول رئيس أميركي أسود (باراك أوباما) في الحديث المعتدل عن مشكلة العرق، ويشعل بذلك الغضب من جديد، يكون من الصعب تصور استمرار وجود «الجيتوهات» حتى يومنا هذا. فكيف يمكننا إذن أن نطلق نقاشاً عاماً صريحاً وخلاقاً، يقول إلى الأهداف المتوخاة من إطلاقه، حول دور العنصر والانتماء العراقي في تشكيل مجتمعاتنا بين عامي 1968 وعام 2015؟ ومن الجدير الإشارة هنا إلى أن الرئيس ليندون جونسون، وهو الذي أمر بتشكيل «لجنة كيرنير»، تجاهل تماماً كل ما توصلت إليه تلك اللجنة في تقريرها المذكور. إلا أن التقرير بحدّ ذاته أصبح، وذلك وفقاً لما قالته صحيفة «نيويورك تايمز» فيما بعد، الخبر الأكثر مبيعاً حيث وزعت يوم نشره مليوني نسخة. والشيء الذي تغير منذ تلك الأيام وحتى الآن، هو أن القرارات والسياسات التي خلقت «جيتوهات الضواحي» التي يسكنها الفقراء السود كانت صريحة وسريعة في عقد الستينيات من القرن الماضي. ولم تعد المشكلة تكمن في أن هذه الممارسات أصبحت تتم اليوم في الخفاء (بالرغم من أنها لم تختفِ تماماً)، بل تكمن في أن آثارها ونتائجها ما زالت قائمة حتى الآن دون انقطاع. واليوم، أصبحت ثروة العائلة السوداء في الولايات المتحدة لا تمثل إلا كسراً صغيراً من «الثروة البيضاء» في الولايات المتحدة. ولا زال هذا الوضع قائماً منذ العصر الذي لم يكن فيه السود يمتلكون حق الحصول على مسكن، وكانوا منعزلين تماماً عن المجتمع. وكان لهذه السياسات المطبقة عليهم نتائجها الخطيرة على مستقبلهم لأنها كتبت عليهم البقاء في «جيتوهات الضواحي» التي انعزلوا فيها طوال نصف قرن الماضي، فكانوا ضحايا لتلك العزلة أيضاً. ولم تكن تلك «الغيتوهات» لتثير الجدل أو النقاش على أي مستوى في الحياة العامة الأميركية إلا نادراً. وربما تكون أحداث بلتيمور الأخيرة قد اندلعت بالتوازي مع انطلاق النقاش حول أوضاع السود، ولماذا لا يهتم أحد بهذه التجمعات الفقيرة والمعزولة. إميلي بادجير* *محللة اجتماعية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©