الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأدب والذهب

17 يوليو 2011 19:34
من الناس من تتمنى أن تلقاهم صباح مساء، وأن تبقى بصحبتهم فهم ماء سلسبيل، كلما شربت منه طلبت المزيد، يفهمونك من دون كلام، فيسكتون حين لا يكون للكلام محل، ويتجاوبون معك فيهرعون إليك حين حاجتك إليهم، وتراهم جاهزين لتلبية النداء دون أن تناديهم، تغرف من جعبهم فلا يزيدونك إلا عطاء، لا يمدون أيديهم إليك إلا بالخير، والنجدة، والربت، ولا يطلقون أرجلهم للريح، هرباً منك، إنما يأتون إليك سعياً للوقوف إلى جانبك، ومن الناس من تتمنى ألا تراهم عيناك، وألا يجمعك بهم مجلس، وألا تقع في طريقهم، ولو مصادفة، يتعبونك بحضورهم، وتمر الســاعات والأيام عليك وهم بصحبتك، ثقالا، فحديثهم بلا طعم، لا يريحون، ولا يستريحون من حشر حماقاتهم في أرنبة أنفك، وتتمنى في النهاية أن تنشق الأرض لتبتلعهم، أو تبتلعك، لترتاح منهم. كتب بديع الزمان إلى مستميح عاوده مراراً وقال له : لمَ لا تديم الجود بالذهب، كما تديمه بالأدب ؟ فكتب البديع : - عافاك الله - : مثل الإنسان في الإحسان، مثل الأشجار في الإثمار، وسبيل في ابتداء بالحسنة، أن يرفه إلى السنة، وأنا كما ذكرت لا أملك عضوين من جسدي، وهما فؤادي ويدي. أما اليد فتولع بالجود، وأما الفؤاد فيتعلق بالوفود، ولكن هذا الخلق النفيس، لا يساعده إلا الكيس، وهذا الخلق الكريم، لا يحتمله إلا الكريم، ولا قرابة بين الأدب والذهب، فلم جمعت بينهما؟ والأدب لا يمكن ثرده في قصعة، ولا صرفه في ثمن سلعة، وقد جهدت جهدي بالطباخ، أن يطبخ لي من جيمة الشماخ لوناً فلم يفعل، وبالقصاب، أن يذبح أدب الكتاب فلم يقبل ، وأنشدت في الحمام، ديوان أبي تمام، فلم ينجع، ودفعت إلى الحجام، مُقطعات اللجام، فلم يأخذ، واحتيج في البيت إلى شيء من الزيت، فأنشدت ألفاً ومائتي بيت، من شعر الكميت، فلم يغن، ودفعت أرجوزة العجاج، في توابل السكباج، فلم ينفع، وأنت لم تقنع، فما أصنع ؟ فإن كنت تحسب اختلافك إلي، إفضالاً منك علي، فراحتي ألا تطرق ساحتي، وفرجي ألا تجيء والسلام. قال الشافعي: احفظْ لسانكَ أيّها الإنسان لا يلدغنـــكَ إنــّه ثعــبانُ كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقـاءه الأقرانُ إسماعيل ديب | Esmaiel.Hasan@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©