السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوميات النزيلات: صوم وصلاة وقـراءة القرآن

يوميات النزيلات: صوم وصلاة وقـراءة القرآن
12 يوليو 2015 22:52
لكبيرة التونسي (أبوظبي) رمضان شهر المغفرة وإعلان التوبة، وله طعم آخر في «المؤسسة العقابية والإصلاحية بشرطة أبوظبي-الوثبة قسم النساء» ففيه الرحمة والخير والقرآن، لذا تنتظره النزيلات للتوبة والندم على ما بدر منهن في حق أنفسهن والغير، وفيه تتحول المؤسسة إلى ورشة عمل روحية، فكلهن عاكفات على الصلاة والدعاء والابتهال إلى الله، وسط أحاديث الذكريات عن الشوق للمة الأهل حول مائدة الإفطار والتجمعات العائلية. ورغم اختلاف قصصهن وألسنتهن في عالمهن المصغر الذي توجد فيه المتزوجة والمطلقة والأرملة والعازبة والعاطلة والطالبة والكبيرة والصغيرة، حيث تتراوح عقوبتهن من شهر إلى المؤبد حسب قضاياهن، التي تبدأ بالهروب من كفيل والإقامة غير المشروعة أو غيرها من القضايا.. لكن وحّدهن الشهر الفضيل في أجواء روحانية جمعت النزيلات على الإفطار حضرتها «الاتحاد» لتعيش يوماً من «يوميات رمضانية» في سجن النساء، وتابعت حضورهن إلى المائدة، التي اشتملت على وجبة متكاملة بها ماء وتمر وسلطة وعصائر و«طعام رئيس». وبعد الفراغ من الوجبة، توجهت النزيلات نحو القبلة، للصلاة ومناجاة خالقهن، والتضرع له بالدعاء، والدموع تنسكب من عيونهن خشية وطمعاً في رحمته.. أجواء رمضانية تعمل المؤسسة على إعدادها من خلال ورش عمل وبرامج متنوعة تشمل حلقات دينية وتوعوية وترفيهية بطابع تثقيفي. حفظ القرآن ولم تكن النزيلات في عزلة أو في غرف انفرادية، بل كنا نختلط بهن ونتحدث معهن، ونجالسهن، ونستمع إلى قصصهن، لم يفصل بيننا وبينهن جدران أو قضبان حديدية، بل تناولنا فطورنا في مكان واحد وجلسنا معهن عدة ساعات من غير حراسة أو رقابة، منهن من أسهبت في سرد قصتها والدموع تخالط كلماتها، ومنهن من أبت ذلك وفضلت الصمت.. حكايات وقصص تناثرت من أفواههن وهن يحررن مشاعرهن ويتحدثن عن تجاربهن والصوم للمرة الأولى في المؤسسة بعيداً عن الأهل، ويلاحظ أن منهن الواعظة والمتدينة، والمسلمة الجديدة، وحافظة القرآن. ومن بين النزيلات امرأة تحمل في أحشائها جنيناً قدر له أن يعيش أيامه الأخيرة وسيرى النور في المستشفى بعد أيام، هي حالة النزيلة م/‏ع 29 سنة التي تتميز بحركتها المرنة ونشاطها، وروحها المعنوية العالية، تقوم للصلاة فتصطف كل النزيلات خلفها، استطاعت أن تختم القرآن أكثر من مرة خلال فترة إقامتها في المؤسسة، واستطاعت أن تنير قلوب النزيلات وتضفي على المكان حضوراً خاصاً، فقد جاءت من بلدها بحثاً عن الأمن ورغد العيش هي وزوجها، لكن قبض عليها في المطار بتهمة التسلل وحيازة جواز سفر مزور. النزيلة م/‏ع أم لطفلين، وعن قصتها تقول: «ولدت وعشت في بلد عربي، وبعد مغادرتي إلى بلدي فكرت في السفر إلى الإمارات، وقبض عليّ بتهمة حمل جوازات مزورة، وقد مر عليها في المؤسسة شهر ونصف الشهر، ورغم ذلك تعلمت الكثير من الأشياء، واكتسبت المعارف والخبرات، وأتاحت لها المؤسسة فرصة التقرب إلى الله، وإظهار مهارتها في حفظ القرآن وتعليمه لغير المسلمات وتحفيظه للمسلمات الجدد، كما أنها تقوم الليل، وتقرأ القرآن في حلقات. وأضافت: وعلى أيدي داعيات يتميزن بالثقافة الدينية العالية تفقهت في أمور الدين وتعمقت ثقافتي الدينية، ورغم سعادتي عندما يتم الإفراج عني، سأحزن على فراق أحبتي وسأشتاق للصلاة معهن، لذلك فإنني أعلم إحدى النزيلات لأخذ مكاني واستكمال المشوار. إعلان التوبة وعن حياتها خلف القضبان، قالت ع/‏س المحكوم عليها بسبب قضية أخلاقية، مؤكدة أنها عاشت أجواء القيود ومرارة الندم ووجدت نفسها تغرق في الجريمة رغم صغر سنها، لافتة إلى أن سبب جنوحها يعود إلى التفكك الأسري وطلاق والديها، مما دفعها للخروج من بيتها وسنها لا يتجاوز 16 سنة، وأكدت أنها تتوق إلى الحرية وترغب في حياة كريمة، حيث دخلت قسم أحداث المفرق بعد انفصال والديها بفترة، وانقطعت عن الدراسة، وكانت ترغب في الانتقام من والدها، فحلقت شعرها، وحاولت الانتحار مرتين، وتناولت أدوية نفسية. ورغم معاناتها فإن ع/‏س تؤكد رغبتها بشدة في التخلص من الماضي ومتابعة دراستها ونسيان كل ما جرى، مؤكدة أنها ملت من نمط حياتها، مدركة أن والدها الذي كانت ترغب في الانتقام منه لا يعيرها أي اهتمام، كما هو الشأن بالنسبة إلى والدتها التي لم تسأل عنها مما يعمق شعورها باليأس. السجن مدرسة أما ف/‏ب 25 سنة فقضت 3 أشهر بالمؤسسة بسبب حملها سفاحاً، وهي التي كانت تجهز لحفلة عرسها في بلدها، وسبقتها دموعها وهي تتحدث عن تجربتها الجديدة: «لم أكن أتوقع يوماً أن أكون هنا، كنت أتوفر على عمل جيد، وتعرفت على شخص واتفقنا على تكوين أسرة، أخبرت أهلي برغبته في الزواج مني وبدأت ترتيبات العرس، لكن بسبب طيشي وتهوري وقعت في المحظور، وأقضي اليوم هذه العقوبة. وتضيف: «ورغم ما حصل لي فإنني شعرت أنني تنقيت من الشوائب بداخلي، واقتربت أكثر من الله، وشعرت براحة نفسية كبيرة، وتصالحت مع ربي، وما قمت به هذا العام في رمضان لم أقم به في حياتي كلها، قرأت القرآن وختمته أكثر من مرة، حفظت أسماء الله الحسنى، واستفدت من المحاضرات الدينية، وأصبح لديّ الوازع الديني الذي يحميني من الوقوع في الخطأ. أحمي أولادي وترددت ش/‏ح 35 سنة أم لطفلين6 سنوات و9 سنوات في الحديث عن تجربتها واكتفت بالنظر حولها صامتة، لكن سرعان ما غلبتها دموعها التي سالت على خديها حين أثير الحديث عن الأبناء الصغار، حيث قضت سنة ونصف السنة في قضية الاعتداء على سلامة الغير نتيجة لحظة غضب وطيش نتجت عنها هذه الجريمة، وقالت: «اشتقت لأولادي كثيراً رغم أنه تتاح لي الفرصة بالحديث معهم عبر الهاتف وتزورني والدتي، لكن حماية لأبنائي لا أفضل زيارتهم لي، وغالباً ما يستفسرون عن سبب غيابي فأخبرهم أنني في الدوام، وأكتم اشتياقي لهم وأستعين عليه بالصيام والقيام، وختم القرآن، فقد تفرغت للعبادة، وشعرت أنني كنت مقصرة في الصلاة. وتعلمت ش/‏ح خلال وجودها بالمؤسسة التقرب من الله، وقررت أن تتغير إلى الأفضل، وتقول: «سأعوض أولادي وعائلتي كل ما ضاع، سأكون قريبة من أولادي، وأبدأ حياتي من جديد». 5 مسلمات جدد وجد 5 نساء ضالتهن في اعتناق الإسلام، وشعرن براحة نفسية، وتوافقاً روحياً لم يجدنه في غيرها من العبادات، استشعرن وجود الخالق، وواظبن على سماع كلام الله أثناء الصلاة وحلقات الذكر والوعظ والإرشاد والمحاضرات الدينية في رمضان، مما سما بأرواحهن ورفعهن فوق معاناتهن. وتحدثت بالنيابة عنهن النزيلة «ن» البالغة من العمر 21 رغم أنها تبدو أكبر بكثير من سنها، وسبقتها دمعها وأجهشت بالبكاء قبل أن تطاوعها الكلمات، وتعلن أنها كانت لا تعرف الخطأ من الصواب وأنها تعلمت في المؤسسة ما لم تتعلمه خارجها، معتبرة أنها مدرسة، ذكريات صاعقة اختزنها ذهنها رغم ما بذلته من محاولات يائسة لمحو تلك الصور المفجعة. وقضت النزيلة المطلقة وأم لطفل من الحكم 7 أشهر نتيجة المشاركة في شجار، وقالت إنها تعلمت ما كانت تائهة عنه طوال حياتها، وهو الشعور بالراحة النفسية والأمان الداخلي، مؤكدة تمسكها بالدين الإسلامي الحنيف. وأضافت: «عندما اعتنقت الإسلام شعرت بارتياح كبير، صمت من أول رمضان وأصوم الشهر كاملاً، أصلي أنا وزميلاتي المسلمات الجدد الفجر ونقوم الليل كله، ورغم مرارة السجن فإنني سعيدة بحياتي الجديدة في ظل الإسلام، لم أعد أشعر بالخوف، وأستشعر أن الله قريب مني، وتعلمت من النزيلات الصلاة، وقراءة القرآن». كادر// معاملة إنسانية// أشادت النزيلات بالمعاملة الإنسانية داخل المؤسسة، وأعربن عن ارتياحهن للخدمات المقدمة لهن، وهذا ما لمسناه من خلال وجود النقيب شمسة اليعقوبي مديرة فرع النساء في «المؤسسة العقابية والإصلاحية بشرطة أبوظبي، في الوثبة قسم النساء» خارج وقت دوامها الرسمي، حيث لا تتوانى في زيارة المؤسسة وتفقد أحوال النزيلات. وعن البرنامج الديني في رمضان قالت اليعقوبي: «نركز على المواعظ والأذكار التي ترسخ أهمية محاسبة الذات، وهذا الأمر يترك أثراً على النزيلات بعد خروجهن لا سيما أننا نستدل بالآيات والأحاديث والقصص النبوية، وغيرها من دلائل دينية، فالهدف في رمضان هو التوعية وزيادة الحصيلة الدينية لدى النزيلات، ونستعين على ذلك بالواعظة وافية حمدان ومعلم الثقافة إيمان مصطفى، ولا نكتفي بالجانب الديني، بل نركز أيضاً على النشاط البدني، والمسابقات الثقافية، وجلسات اليوجا، كما نقدم محاضرات بالتعاون مع هيئة الشؤون الإسلامية والأوقاف. وأضافت اليعقوبي « نعمل على تحسين أوضاع النزيلات ورصد أحوالهن، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهن، وتحويل حياة النزيلات إلى مراكز للتربية والتعليم، مما يمكن النزيلات من تقويم سلوكهن واكتساب مهن وحرف تفتح أمامهن آفاقاً واعدة في سوق العمل مستقبلاً. دروس دينية وحلقات للوعظ قالت تهاني إسماعيل محمد البلوشي شرطي نسائي من «المؤسسة العقابية والإصلاحية بشرطة أبوظبي-الوثبة قسم النساء»، إنها تركز على المعاملة الإنسانية بغض النظر عما ارتكبته النزيلات من جرائم، وإن معاملتها وطريقة حديثها مع النزيلة ومناداتها باسمها يخفف عنها ويشعرها بإنسانيتها. وعن شعورهن خلال الشهر الكريم، أضاف: انخراطهن في الدروس الدينية وحلقات الوعظ اسهم في إحساسهن بالأمان، وغالباً ما يعلن توبة نصوحة ولا مجال للعودة إلى الخطأ، ويشكل رمضان بالنسبة لهن فترة نقاهة مع الروح والنفس، ونعيش معهم طقوس العيد ونوزع عليهم الهدايا ونسمح بزيارة الأهل لهن مرتين في الأسبوع، كما نتابع حالاتهن الصحية، ونوفر خدمات النقل للمستشفى في حالة الطوارئ، وعمليات الولادة وبعض العمليات الأخرى». أنشطة تراثية ومسابقات قال الملازم أول محمد عبدالله ثاني مدير فرع الإصلاح والتأهيل في «المؤسسة العقابية والإصلاحية بشرطة أبوظبي-الوثبة قسم النساء»، إن أنشطة رمضان عادة ما تختلف عن برامج الشهور الأخرى واتسامه بروحانيات جميلة، مؤكداً أن النساء يستفدن من مسابقات تراثية وثقافية، تخصص لها العديد من الجوائز والهدايا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©