الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية الإندونيسية.. والدعم العالمي المنشود

2 أغسطس 2014 23:30
تغلبت الديمقراطية في إندونيسيا الأسبوع الماضي، ويجب الآن على القادة هناك وفي أنحاء العالم الإسراع في دعم رئيس الدولة المنتخب. وبعد أسبوعين من التوتر المصاحب لعملية فرز الأصوات في السباق الرئاسي، الذي شهد تقارباً شديداً في النتائج بين المتنافسين على أعلى منصب في الدولة، أعلن مسؤولو الانتخابات فوز حاكم جاكرتا «جوكو ويدودو» المعروف بـ «جوكوي»، في انتخابات الرئاسة التي جرت في التاسع من يوليو. وإضافة إلى كونها أكبر بلد مسلم من حيث تعداد السكان، وعاشر أكبر اقتصاد في العالم، تعتبر إندونيسيا ثالث أكبر ديمقراطية بعد الهند والولايات المتحدة. وخلال الدورات الانتخابية المتعاقبة منذ سقوط الحاكم القوي «سوهارتو» في عام 1998، حظيت الدولة بثناء كبير باعتبارها مجتمعاً متنوعاً ومعقداً قدم نموذجاً للانفتاح والاعتدال والتسامح والتعددية العرقية والدينية. وقد بدا كل ذلك معرضاً للخطر خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ أسفرت أكثر الحملات الانتخابية انقساماً في تاريخ إندونيسيا عن جمود سياسي غير مسبوق في ليلة الانتخابات، مع زعم كلا المرشحين الفوز. ونجم ذلك السجال بين المرشحين عن «الإحصاءات السريعة» المتعارضة أو النماذج الإحصائية للأصوات، إذ وجدت ثمانية إحصاءات أن «ويدودو» هو الفائز بفارق أربع إلى ستة نقاط مئوية. بينما توقعت أربع أخرى أن قائد القوات الخاصة السابق وصهر «سوهارتو» «برابوو سوبيانتو» قد فاز بهامش أكثر ضآلة. ومع تحدي كلا المرشحين وانزلاق الدولة في مأزق سياسي، وقع عبء حل النزاع على لجنة الانتخابات العامة في الدولة المعروفة باسم «كيه. بي. يو. »، والتي كان أمامها بموجب القانون مهلة أسبوعين لاعتماد النتائج. وعكفت اللجنة على مهمة جسيمة هي فرز زهاء 136 مليون صوت من نحو نصف مليون مركز اقتراع، وأعلنت النتائج على موقعها الإلكتروني من أجل تعزيز الشفافية. وبينما أصبح واضحاً أن «جوكوي» سيصبح الرئيس المصدق على انتخابه، قام «برابوو» بمحاولته الأخيرة لإخراج العملية الانتخابية عن مسارها، معلناً بشكل استباقي «انسحابه» من عملية عد الأصوات بسبب ما وصفه بـ «عملية تزوير منهجية وهيكلية ضخمة» شابت الانتخابات. وقد كانت هذه هي الحلقة الأخيرة في مسلسل عجائب الجنرال السابق بهدف تأجيل أو إبطال النتائج، حيث طالب بإعادة التصويت في بعض المناطق وأصر على توقف لجنة الانتخابات عن عد الأصوات. ورفعت حالة الاحتقان على مدار إحدى عشرة ساعة قبيل إعلان النتيجة درجة الحرارة السياسية في البلاد، مع انتشار إشاعات عن تخطيط أنصار «برابوو» الغاضبين لتنظيم مظاهرات عنيفة. وعلى رغم ذلك لم ترتدع «لجنة الانتخابات العامة»، وأعلنت أن «جوكوي» فاز بأغلبية مقنعة وبفارق ثمانية ملايين صوت. والمسار الوحيد أمام «برابوو» الآن سيكون رفع دعوى أمام المحكمة الدستورية، ولكن في ضوء «انسحابه» من السباق، من غير الواضح ما إذا كان يحق له فعل ذلك أم لا. وحتى إذا فعل، فليس لأحد الأعضاء التسعة في المحكمة الدستورية تاريخاً مع إبطال نتائج المنافسات الرئاسية. والحقيقة المجردة : أن هذا السباق انتهى. وسيتولى «جوكوي»، المحبوب بسبب استقامته وقربه من الفقراء والطبقة المتوسطة في إندونيسيا، مقاليد الحكم كرئيس للجمهورية في 20 أكتوبر المقبل. والقلق الوحيد المتبقي هو الخوف من تحول الأمور إلى حالة من الفوضى من الآن وحتى ذلك الحين؛ ذلك أن «برابوو» له ماض قاتم حافل بمزاعم انتهاكات حقوق الإنسان أثناء عمله العسكري، بما في ذلك تعذيب وخطف نشطاء من الطلاب أثناء الاضطرابات التي أطاحت بصهره، وقمع المنشقين في أقاليم مضطربة مثل «بابوا الغربية» و«تيمور الشرقية»، التي أصبحت الآن دولة مستقلة. وقد برهن في حملته الانتخابية على أنه لا يزال مستعداً للذهاب إلى أبعد مدى لتحقيق أهدافه. ولعب أنصاره على وتر العرقية والدين خلال الحملة، إذ اتهموا «جوكوي» زوراً وبهتاناً بأنه صيني وغير مسلم وشيوعي. وبالطبع تعتبر إثارة مثل هذه الاتهامات في دولة لها تاريخ مليء بالصراع العرقي والديني ومناهضة الشيوعية، تهوراً غير مبرر، ومن شأنه تقويض الديمقراطية الإندونيسية وفتح الباب على مصراعيه أمام عنف محتمل. ولكن من حسن الحظ أن الإندونيسيين لم يبتلعوا الطعم. وكما هي الحال في عمليات الاقتراع السابقة، مضت الانتخابات بشكل سلمي. وبلغت مشاركة الناخبين نحو 75 في المئة، وارتفعت مشاركة المجتمع المدني إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، إذ أشرف مئات آلاف المتطوعين على محطات الاقتراع لحماية سلامة التصويت. وبإيجاز، سما الإندونيسيون فوق كافة آفاق الانقسام، معززين سمعة دولتهم كنموذج للعالم الإسلامي وغيره. ومن المتوقع أن يتصرف الإندونيسيون بحكمة مماثلة خلال الأشهر المقبلة، وسيضعون رفض «برابوو» للنتائج في نصابه، فما هو إلا تصرف غير كريم من مرشح خاسر. ويجب الآن على القادة في إندونيسيا الاجتماع على عزل «برابوو» ومنع مزيد من الاستفزازات. وينطبق ذلك تماماً على الرئيس المنتهية ولايته «سوسيلو بامبانج يودهويونو». فبعد دعم حزبه لـ «برابوو» في السباق، يجب عليه الآن أن ينسى السياسة ويصادق علانية على انتخاب «جوكوي» رئيساً. ويشغل رجال «يودهويونو» هيئات حكومية مهمة، وأكثرها أهمية هي القوات الأمنية، التي ستلعب دوراً مهماً في حالة حدوث اضطرابات نتيجة الانتخابات. وإذا كان «يودهويونو» يرغب في الاحتفاظ بالاحترام بعد رحيله، فعليه أن يتبنى لهجة معتدلة ويستخدم سلطته الكبيرة في ضمان انتقال السلطة بسلاسة لـ «جوكوي». بيد أن التاريخ سينسى أي شيء جيد فعله «يودهويونو» أثناء توليه السلطة إذا أشرف على حالة من الفوضى. وعلى أوباما والقادة الآخرين فعل ما يمكنهم من خلال توجيه رسالة قوية للرئيس المنتهية ولايته، والدعوة إلى مباركة فوز «جوكوي». وقد طوت إندونيسيا صفحة مهمة من خلال هذه الانتخابات، رافضة سياسة الرجل القوي الماضية لصالح مستقبل أكثر ديمقراطية وشمولاً وتعددية. وسيكون «جوكوي» أول رئيس إندونيسي منتخب بلا خلفية عسكرية أو اتصالات مع عصر «سوهارتو» أو ارتباطات أسرية بالنخبة التقليدية في إندونيسيا. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©