الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

حقيقة الحياء

حقيقة الحياء
30 ديسمبر 2016 00:24
أخرج الإمام الترمذي في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اسْتَحْيُوا مِن اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِن اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتذكَّر الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) (أخرجه الترمذي). هذا الحديث أخرجه الإمام الترمذي في سننه، في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، باب (24). الحياء صفة جامعة وهي من صميم الإيمان كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ– رضي الله عنه - قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ) (أخرجه مسلم)، فالمؤمن وَقَّافٌ عند أمر ربه ونهيه، حياء من أن يراه ربه حيث نهاه أو يفقده حيث أمره، فهو سياج يقي المسلم من المعاصي ومخالفة أمر ربه، ويبعث في النفس معاني الخير كما جاء في الحديث الشريف، عن عمران بن حُصَين- رضي الله عنهما- قال: قال النبيّ- صلى الله عليه وسلم: (الْحَيَاءُ لا يَأْتِي إِلا بِخَيْرٍ) (أخرجه البخاري) وفي رواية: [(الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ) قال: أَوْ قَالَ: (الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ)] (أخرجه مسلم)، وجاء في حديث آخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْحَيَاءُ مِن الإِيمَانِ، وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْبَذَاءُ مِنْ الْجَفَاءِ، وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ) (أخرجه الترمذي). فالحياء الحقيقي الذي يدعو إليه نبينا- صلى الله عليه وسلم – هو أن يحفظ الإنسان حواسه وجوارحه، يحفظ سمعه وبصره ولسانه، فلا يسمع إلى فُحْش، ولا ينظر إلى محرم، ولا يتكلم بقبيح، وكذلك يحفظ بطنه فلا يُدْخِل إليه حراماً، ويحفظ فرجه فلا يرتكب فاحشة أو يلوّث شرفاً، ويحفظ يديه ورجليه وسائر أعضائه وحواسه، فلا يمشي إلى رجسٍ ولا يشهد زوراً ولا يعتدي على إنسان، وهكذا يكون قد تحقق معنى الحياء، ومن الجدير بالذكر أن الحياء على رأس الصفات الكريمة، التي تدل على عُمْق الإيمان وطهارة القلب وصفاء النفس: صفة الحياء، التي ما وُجدت في شيء إلا زانته، وما فُقِدت من شيء إلا شانته، فالحياء صفةٌ عظيمة وخُلُق كريم، حَرِيٌ بكلّ مسلم أن يتصف به في كلّ حين. ومن المعلوم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، كما جاء في الحديث الشريف عن أبي سعيد الخُدْري – رضي الله عنه– قال: (كَانَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِن الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا) (أخرجه البخاري). إن حياة رسولنا- صلى الله عليه وسلم- تُعَدّ نبراساً ومنهاجاً لبناء الشخصية المسلمة التي تتسم بالحق والخير والسموّ والاعتدال، فعظمته- صلى الله عليه وسلم- تُشرق في جميع جوانب حياته، ومن المعلوم أن الحياء ليس مجرد صفة جُبلَ عليها سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم- بل هي صفة محمودة في شريعة الإسلام، يُثْني عليها رسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم- ويأمر أصحابه بالتخلّق بها، كيف لا؟ وقد وصفه الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم بالحياء، كما جاء في سورة الأحزاب:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ } (سورة الأحزاب الآية (53). وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدِ بنِ الْعَاصِ أَنَّ سَعِيدَ بنَ الْعَاصِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعُثْمَانَ حَدَّثَاهُ (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ لابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ، فَأَذِنَ لأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَقَضَى إِلَيْهِ حَاجَتَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ. قَالَ عُثْمَانُ: ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَجَلَسَ، وَقَالَ لِعَائِشَةَ: اجْمَعِي عَلَيْكِ ثِيَابَكِ. فَقَضَيْتُ إِلَيْهِ حَاجَتِي ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ، وَإِنِّي خَشِيتُ إِنْ أَذِنْتُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لا يَبْلُغَ إِلَيَّ فِي حَاجَتِهِ) (أخرجه مسلم). هذا الحديث يبين لنا أنَّ مِنْ حياء رسولنا- صلى الله عليه وسلم- أنه يستحي ممّن يتصفون بالحياء، فقد كان صاحبه عثمان- رضي الله عنه- شديد الحياء، لذا كان- عليه الصلاة والسلام- يعامله بما يتناسب مع حاله. هذا هو ديننا الإسلامي الحنيف الذي يرشدنا إلى وجوب التحلي بخُلُق الحياء، فالحياء من مكارم الأخلاق، وعندما نتمسك بالأخلاق الفاضلة فإنها تعود علينا بكل خير، فالرسالة الإسلامية جاءت من أجل إتمام مكارم الأخلاق لقوله- صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارم الأَخْلاَقِ) (أخرجه أحمد).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©