الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هاوية الضياع

هاوية الضياع
30 يوليو 2006 01:18
سعاد جواد: امرأة غريبة الأطوار، وقفت أمام الضابط بارتباك شديد بعد ان تقدمت بشكوى تتهم فيها زوجها بأنه يجبرها على تعاطي المخدرات· وضع غريب لا يمكن تقبله بسهولة· المرأة تفرك يديها بتوتر ظاهر··· تحك جلدها بشكل متواصل· عيناها غائرتان تحيط بهما دوائر سوداء· شفتاها مرتعشتان، و وجهها شاحب يشبه شحوب الأموات· طلبت الجلوس للاستراحة لأنها تحس بانها ربما ستفقد توازنها وتسقط في أية لحظة· يساعدها الضابط على الجلوس وشرب كوب من الماء حتى تستعيد رباطة جأشها· تحاول جمع أفكارها بصعوبة وهي تروي قصتها الغريبة، فتقول: ان زوجي انسان مجرم، منحرف· لا اتجنى عليه، وستتأكدون بأنفسكم من ذلك· هو من علمني الإدمان لأصبح مثله· كان يضع لي المخدرات في السوائل التي أشربها ويطلب مني شربها بالقوة· انها قصة غريبة أرجو ان يتسع صدرك لسماعها بالتفصيل· يشجعها الضابط على رواية تلك القصة وهو يشير إلى الشرطي الذي يدون كل التفاصيل بالانتباه جيداً وعدم إغفال كلمة واحدة مما ستعترف به تلك المرأة· تكمل المرأة حكايتها قائلة: انه زواج فاشل بمعنى الكلمة· علاقة زوجية مريضة دامت عشرين عاماً· تزوجته عندما كنت في السابعة عشرة من عمري· هو يكبرني بعشرة أعوام و كان موظفاً له سمعة طيبة، جميل الشكل، لا يعيبه شيء فتزوجته· في البداية كانت الأمور كلها طيبة وكانت حياتنا الزوجية مستقرة فأنجبت ثلاثة أطفال· في أحد الأيام طرأت على رأسه فكرة، وأراد ان يحقق المزيد من الدخل لعائلتنا، فقام بافتتاح محل لبيع العطور· نجح المحل وصار إيراده يزداد يوماً بعد يوم، فقام بتوسيعه وتزويده بالديكورات الحديثة، مما زاد من إقبال الزبائن عليه، فاستقال من وظيفته وتفرغ لإدارة المحل· بداية التغيير صار مشغولاً بعمله طوال الوقت، يقضي في محله معظم ساعات الليل والنهار· ترك لي مسؤولية البيت والأولاد، فتحملتها طواعية تقديراً مني لجهوده وتعبه من أجلنا· لم أشأ ان أحمله المزيد من المشقة والمعاناة الأسرية ورضيت ان يكون هو متفرغاً لعمله وانا متفرغة للبيت والأولاد مادام كل منا يعمل لصالح الأسرة· بعد مدة بسيطة شعرت بأنه قد تغير نحوي· كان ذلك واضحاً من خلال عدم رده على اتصالاتي وعدم الاكتراث لي في شيء، سواء غضبت أو رضيت· اصبح الأمر غير مهم بالنسبة له، حتى في النواحي المادية· صار ممسكاً معي و لم يعد يمنحني ما أريده وما احتاجه كما كان يفعل سابقاً، على الرغم من ان محله كان يدر عليه أرباحاً كثيرة· واجهته··· طالبته بتفسير لما يحدث· لم يكترث لي وبقي صامتاً متجاهلاً غضبي وثورتي· حتى حقوقي كزوجة صار يتهرب منها ويعتذر كونه متعبا· لم استطع تصديق ادعاءاته وقررت ان اكشف الحقيقة بنفسي· ذهبت لزيارته في محله بشكل مفاجئ، فوجدته يتحدث مع احدى زبوناته بشكل غير لائق· لم يلتفت لوجودي ولم يتحرك وبقي يتحدث معها وكأنني غير موجودة· انتظرت على نار محرقة حتى خرجت الزبونة، عندها أعلنت عن مدى غضبي واستيائي لتصرفاته، فقال ببرود: انها من ضروريات العمل· توترت العلاقة بيننا· صرت عصبية معه وصار شرساً معي، يعاملني بحقد وكراهية وكأنني عدو له· صار يسمعني كلمات لاذعة وشتائم لم أسمعها من قبل، ثم صار يتهمني بانني انسانة غير شريفة ولا استحق الاحترام لانني أفعل أشياء تسيء إلى سمعته· بالطبع فهو يحاول تلطيخ سمعتي لتغطية أفعاله و يحاول اسقاط سلوكه الشائن علي ليضعني في موقف الدفاع عن النفس بشكل دائم ليبعدني عن ادانته واتهامه ومراقبته· المزيد من الخراب عرفت نواياه واحسست بان في حياته أسراراً يحاول إخفاءها عني· راقبته واكتشفت علاقاته النسائية المتعددة· واجهته بكل ما عرفت وهددته بكشفه أمام الناس فرد علي بالضرب والتهديد والإهانة والمزيد من الشتائم· لجأت إلى أهلي· شكوت لهم حالي مع زوجي واخبرتهم بكل ما عرفته عنه· العجيب هو انهم نصحوني بالصبر وعدم الاسراع في هدم بيتي! بالطبع لم أجد منهم أية مساندة أوتفهم لما أمر به· فهم يفكرون بصعوبة تحمل مسؤوليتي ومسؤولية أولادي ان حدث الطلاق··· هذا هو كل ما يهمهم· لم يكلفوا انفسهم مشقة التحدث معه والضغط عليه ليعود عما يفعله· لم يفعلوا شيئاً سوى نصحي بالصبر وعدم اثارة المشاكل وتركه لشأنه، وعللوا ذلك بان معظم الرجال يخونون زوجاتهم· وان هذا الوضع يكاد يكون طبيعياً، وعلى المرأة ان تتحمله حفاظاً على أسرتها· استغربت هذا المنطق··· فهل الأسرة هي مسؤولية المرأة وحدها؟ طلبت منهم التحدث معه ونصحه أو تخويفه وتهديده بأن ما يفعله هو شيء حرام يغضب الله ويجلب الدمار له ولعائلته· لم يفعلوا ما أردت وصاروا يتذمرون من كثرة شكواي وعدم تحملي المسؤولية كما تفعل معظم النساء· لم استطع تقبل ذلك الوضع الغريب وبقيت كالنمرة المتوحشة التي تحاول ان تنشب أظافرها في لحم عدوها لتتمكن من السيطرة عليه· ولكني لم افلح أبداً في كل ما كنت أفعله· اكتشاف جديد أجريت بعض التحريات، فعرفت بأنه استأجر شقة خاصة يجتمع فيها مع صديقاته، فيتناولون المخدرات والمسكرات· هددته بأنني سأفضح سره وسأبلغ عنه الشرطة ليودعوه في السجن فتغير معي ليقنعني بأنه تغير وانه ترك كل الأعمال السيئة التي يقوم بها· ثم صار يتقرب إلي ويتودد محاولاً اقناعي بأنه يحبني· أخذ يسقيني العصائر والمشروبات السائلة من يده، كنت استغرب تغيره المفاجئ، وكان قلبي لا يصدقه· صرت احس بالدوار وبشيء غريب يتسلل إلى جسدي، خشيت ان يكون قد وضع لي شيئاً في السوائل، فرفضت ان أشرب من يده شيئاً، عندها صار يضربني ويرغمني على الشرب، ثم أخبرني بأنني اصبحت مدمنة للمخدرات مثله وانه سيتهمني بتناول المخدرات ان فكرت بالتبليغ عنه، وصار يخوفني بأنه سيلقى القبض علينا معاً وسيبقى أولادنا بلا أب أو أم· منذ ذلك الوقت صرت احس بحاجتي الشديدة للعصير الذي يسقيني إياه فهو صار يريحني ويسبب لي نوعاً من الاسترخاء· في ظل ذلك الوضع، صرت دائمة الاسترخاء والخمول، أفكاري مشتتة لا استطيع التحكم بسلوكي ولا استطيع السيطرة على أمور اسرتي، عندها أنفرط عقد الأسرة وطار الأولاد إلى الشوارع وهم في هذا السن الحرج، كبيرهم في التاسعة عشرة، تليه أخته وهي في السابعة عشرة، والولد الأخير في الخامسة عشرة· الأكبر ترك الدراسة وتعرف على شلة من الفاسدين واصبح يغيب عن المنزل ولا أدري إلى أين يذهب· والبنت تمشي ''على حل شعرها'' كما يقولون، لا تفارق الهاتف، وتضع المكياج بشكل مبالغ به، وترتدي الملابس الفاضحة تحت العباءة الشفافة وتخرج كما تشاء وتعود متأخرة دون حسيب أو رقيب· أما الولد الأصغر فصار يتميع في حديثه وكأنه انثى· العائلة كلها ضاعت بسبب ذلك الأب الذي لم يحس بالمسؤولية وكان كل همه هو التمتع، وعندما وقفت في طريقه لانتشاله من الطريق الخطر الذي يمشي فيه قام بسحبي نحوه فجعلني مثله، فسقطت العائلة كلها في هاوية الضياع· لم يعد لي شيء أخاف عليه، لذلك قررت ان آتي إلى الشرطة وان اعترف بالحقيقة وليكن ما يكون فلا زوجي يستحق ان أسكت على أفعاله ولا أولادي يستحقون الخوف من الفضيحة، لعلي بهذا العمل أتوصل إلى حل يعيدني إلى وضعي الطبيعي فأتمكن من السيطرة على أولادي مرة اخرى فأعيدهم إلى جادة الصواب· أعرف أن الفضيحة ستكون قاسية على الجميع خصوصاً أهلي، وفي الحقيقة فانني لم أعد اكترث لهم، فهم لم يساعدوني يوماً على حل مشاكلي وفضلوا الوقوف والتفرج فقط· أما المعارف والجيران فبالتأكيد سيبتعدون عني وبصراحة لم يعد يهمني شيء سوى العودة إلى وضعي الطبيعي والتوبة والقرب من الله تعالى وهو بالتأكيد سيعينني على استعادة أولادي وإصلاح شأنهم· لم يكن سهلاً علي ان أقف أمامكم وأخبركم بأن زوجي انسان منحرف وانه هو السبب في انحرافي وانحراف أولادنا، ولكني للأسف مضطرة لهذا الأمر ولا أجد حلاً سواه· النهاية الحزينة سكتت المرأة بعد ان حكت أغرب قصة يمكن ان يسمعها إنسان· فكيف وصلت الأمور بهذا الرجل ليكون سبباً في ضياع زوجته وأولاده؟ انه أمر محير لا يمكن استيعابه بسهولة· أجريت للمرأة التحاليل الطبية التي أكدت وجود المخدرات في دمها بشكل يؤيد بانها مدمنة· وتمت مراقبة الزوج حتى ألقي القبض عليه وهو في وكر التعاطي وممارسة الزنا· ادخل الزوج إلى السجن بتهمة التعاطي وحيازة المخدرات، وادخلت الزوجة إلى مصح للعلاج من الإدمان· كانت هذه الفضائح كالمطرقة سقطت على رأس أهل الزوج والزوجة، فاحدثت فيه شرخاً اجتماعياً كبيراً، جعلهم يدركون دورهم السلبي في انحراف هذه العائلة وتركها للسقوط دون مد يد المساعدة والعون، بعد ان عرفوا بان ما أصاب تلك العائلة من سمعة سيئة عاد عليهم كلهم بدون استثناء واضطروا لدفع ثمن ذنب لم يرتكبوه ولكن لعبوا دور المتفرج السلبي، ولم يكترثوا لما سيحدث لتلك العائلة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©