الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تكتل اقتصادي عربي لمواجهة تحديات العولمة

تكتل اقتصادي عربي لمواجهة تحديات العولمة
29 يوليو 2006 00:29
أمل المهيري: أكدت دراسة أن مواجهة العولمة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال سوق عربية مشتركة تستطيع مواجهة المنافسة الأجنبية وحماية الاقتصادات العربية من مخاطرها على أساس جماعي ومن خلال تكتل اقتصادي عربي، وليس على أساس انفرادي؛ وذلك بهدف مواجهة خطر الاحتواء الناتج عن العولمة والتحرير الاقتصادي· ويقتضي ذلك تفعيل قرار السوق العربية المشتركة وفتح العضوية في السوق من دون اشتراط العضوية في اتفاقية الوحدة الاقتصادية، بالإضافة إلى تنسيق المواقف والسياسات العربية تجاه منظمة التجارة العالمية، وكذلك تجاه الاتحاد الأوروبي والتكتلات الاقتصادية العالمية الأخرى· وقد صدر حديثا عن مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية كتاب بعنوان '' العولمة من منظور اقتصادي وفرضية الاحتواء'' للباحث عبدالمنعم السيد علي، ويركز هذا البحث على تناول العولمة من جانبها الاقتصادي؛ فيدرس طبيعتها وجوهرها، ويستعرض آلياتها وأدواتها، ويناقش تداعياتها وآثارها على الدول النامية وبخاصة الدول العربية· تقوم أطروحة هذه الدراسة على مقولتين؛ أولهما أن العولمة ترتبط بالنظام الرأسمالي، وتمثل أقصى مراحل تطور الرأسمالية· أما المقولة الثانية فهي أن العولمة ستنقل الدول النامية (دول الهامش) من طور التبعية للدول المتقدمة (دول المركز) إلى طور الاحتواء، بحيث تفقدها استقلالها في رسم سياساتها وإدارة اقتصاداتها الوطنية· لاشك في أن التقدم التقني الواسع، وثورة المعلومات والاتصالات الجارفة، والتوسع الهائل في الإنتاج العالمي، والتزايد المنقطع النظير في التبادل التجاري الدولي، والتدفقات الدولية الكثيفة، ساعدت كلها في بروز ''العولمة'' التي أصبحت سمة العصر منذ العقد الأخير من القرن العشرين· وتعني العولمة - من منظور اقتصادي - نظاماً تجارياً عالمياً مفتوحاً، تزول فيه جميع العوائق أمام التجارة الدولية، حالاً أو بشكل تدريجي، وتصبح فيه حركة السلع والخدمات والعوامل (مثل رأس المال والعمالة والتقنية والإدارة) عبر الحدود الدولية - في ظل الظروف العادية - حرة ومن دون عائق، وتغدو التجارة الحرة المتعددة الأطراف هي القاعدة وليس الاستثناء· وبذلك تغدو العولمة - في جوهرها - انعكاساً لتكامل اقتصادي دولي متزايد في أسواق السلع والخدمات ورأس المال· ويرى الباحث أن العولمة عملية أو منظومة وليست مجرد ظاهرة عابرة؛ وهي في منظومة هذه لها آلياتها المتمثلة بتراجع دور الدولة الإنتاجي، وتصاعد دور القطاع الخاص، ما يقتضي تحرير حركة السلع والخدمات ورأس المال، والدفع باتجاه التكامل الاقتصادي الإقليمي والعالمي· أما الوسائل التي يجري من خلالها تحقيق ذلك فتتمثل بالاستثمار الأجنبي المباشر من خلال الشركات المتعددة الجنسيات، والاستثمار الأجنبي غير المباشر من خلال الأسواق المالية، والتكتلات الاقتصادية الدولية، والمنظمات المالية والاقتصادية الدولية المتمثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية· ويعتقد الباحث أن العولمة شكل من أشكال إدارة الصراع بين دول الشمال المتقدمة اقتصادياً حول الأسواق والموارد الاقتصادية والطاقة والإنتاج، وهو حل يقوم على التعاون بين القوى الكبرى المتكافئة، وعلى المنافسة المتكافئة بينها بهدف الهيمنة على الاقتصاد العالمي، من خلال جعل ''الاعتماد المتبادل'' بينها موجهاً ومنضبطاً وفاعلاً وقوياً بحيث لا تستطيع دول أخرى خارج نطاق هذه القوى مواجهته على قدم المساواة معها· وعلى العكس من نظام ''الاعتماد المتبادل'' ذاك، فإن هناك نظاماً آخر للتفاعل الاقتصادي يتمثل بنظام الشمال-الجنوب المؤلف من علاقات بين اقتصادات السوق المتقدمة في الشمال والعالم الثالث النامي ذي الاقتصادات الأقل تقدماً في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية في الجنوب· ويقوم هذا النظام على مفهوم ''التبعية''؛ إذ تتمثل المشكلة الرئيسية التي تواجه دول العالم الثالث باعتمادها أو تبعيتها اقتصادياً للفاعلين الأقوياء في النظام الغربي· وبينما يشكل ''الاعتماد المتبادل'' علاقة متسقة نسبياً فإن ''التبعية'' تعكس علاقة غير متسقة بين الشمال والجنوب· ثم يتناول الباحث أثر العولمة في الدول النامية، فيرى أن العولمة تزيل القيود الاقتصادية على النطاق العالمي، ليس فقط من خلال إلغاء الرسوم الجمركية التي كانت تهدف أصلاً إلى حماية الأسواق والمنتجين المحليين، وإنما أيضاً من خلال إخضاع المنتجين في الدول الصغيرة إلى منافسة دولية غير متكافئة ولا تستطيع هذه الدول مقاومتها غالباً؛ مما يؤدي إلى تدمير قدرة حكوماتها على تنظيم اقتصاداتها الخاصة فضلاً عن أنظمتها المالية· ومن ناحية أخرى، ستتعرض الأسواق والمؤسسات المالية، وبخاصة الأجهزة المصرفية، لمنافسة شديدة نتيجة لانضمامها إلى الاتفاقية العالمية لتجارة الخدمات التي تم التوصل إليها عام ،1997 والتي بموجبها وافقت 70 دولة على فتح أسواقها المالية للمنافسة الخارجية بدرجات متفاوتة؛ وهي تغطي أكثر من 95% من الأسواق المالية العالمية· فإذا أضفنا إلى ذلك الحجم الهائل من الديون الخارجية التي تنوء الدول النامية بحملها، فإن العولمة المالية وحرية حركة رأس المال، وتدفقات رأس المال القصير الأجل - الساخن كما يسمى )بُُّ حَُم؟( - ستزيد من الأعباء المالية ومخاطر عدم الاستقرار الاقتصادي الكلي في تلك الدول، ويحرمها في النهاية من مصادر الاستثمار الأجنبي التي تبشر به العولمة الاقتصادية، ويبرهن على ذلك النسبة الضئيلة من الاستثمار الأجنبي التي تتدفق نحو تلك الدول، في حين يتوجه معظمه نحو الدول المتقدمة ذاتها· ويتعرض الباحث كذلك لعلاقة العولمة بالتنمية الاقتصادية في الدول النامية، فيشير إلى الرأي الذي يتبناه دعاة العولمة الذين يعدون العولمة جزءاً من استراتيجية التنمية الاقتصادية في الدول النامية، وذلك اعتماداً على السوق الدولية، ويعني ذلك نمطاً من التنمية ذا توجه خارجي معتمد بشكل أساسي على الصادرات، على أن يربط ذلك بتكامل اقتصادي إقليمي يتفق مع سياسات التوجه الخارجي نحو بقية العالم، بعيداً عن السياسات التنموية ذات التوجه الداخلي المبنية على أساس الإحلال محل الواردات وباتجاه ''الاكتفاء الذاتي''، التي تتعارض مع ما يلزم لجني منافع التكامل الإقليمي من وجهة النظر الاقتصادية· ويناقش الباحث أخيراً أثر العولمة في الدول العربية، التي وإن كان ينطبق عليها بالنسبة إلى آثار العولمة ما ينطبق على دول العالم الثالث، فإن لها وضعاً خاصاً؛ فأولاً نجد أنها مرتبطة بالاقتصاد العالمي، وخاصة المتقدم منه في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية واليابان، ارتباطاً وثيقاً يصعب الفكاك منه انفرادياً؛ فعلى سبيل المثال بلغ حجم تجارتها الخارجية عام 1998 نحو 281,5 مليار دولار وصلت نسبته إلى الناتج القومي الإجمالي العربي في تلك السنة إلى أكثر من 50%، في حين لم تزد نسبة تجارتها البينية إلى مجمل تجارتها الخارجية في العام نفسه على 9,7% فقط· وثانياً، نجد أن النفط يشكل نسبة عالية جداً من هذه التجارة؛ إذ تصل نسبته في صادرات الدول العربية إلى نحـو 90% منها، بينما تؤلف السلع الغذائية والاستهلاكية الخفيفة والسلع الرأسمالية معظم وارداتها من السلع والخدمات· وثالثاً، نجد أن هناك استثمارات عربية ضخمة، يقدرها بعض الاقتصاديين بحدود 700 مليار دولار أو أكثر، مستثمرة في أسواق المال في دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية واليابان على شكل ودائع مصرفية أو في محافظ استثمارية، بعملات دولية مختلفة، تستخدمها جهات أجنبية فتديرها أو تكون مستودعة لديها· وحيث إن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يؤدي إلى تعميم شرط الدولة الأولى بالرعاية، ومنح الأجانب المعاملة نفسها الممنوحة للمواطنين من حيث شروط الاستثمار والتجارة، وتحويل القيود غير الجمركية إلى قيود جمركية مع تخفيض الأخيرة باتجاه إلغائها نهائياً، وتخفيض دعم الإنتاج بهدف إنهائه أيضاً، فإن ذلك سيزيد من المنافسة الدولية للإنتاج المحلي العربي، في ظل أوضاع غير متكافئة بين الدول العربية النامية والدول المتقدمة، كما أن إلغاء شرط الدولة الأولى بالرعاية سيؤدي إلى فقدان الدول العربية العديد من أسواق التصدير الأجنبية· هذا علماً بأن أكثر من 50% من الصادرات العربية الكلية، ونحو 60% من وارداتها من السلع والخدمات، تجري باتجاه كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية واليابان· إن المخاطر التي تفرضها العولمة على الدول العربية تأتي من ناحيتين؛ أولهما التحرير المالي والاستثمارات الأجنبية، والأخرى التحرير التجاري، ويضاف إليهما المواجهة القطرية الانفرادية لمخاطر العولمة· ولمواجهة مخاطر التحرير المالي والاستثمارات الأجنبية يعتقد الباحث أن هناك حاجة إلى إصلاحات مالية على مستوى الأسواق المالية العربية تتمثل في إخضاعها لانضباط أكبر، وتخفيف القيود عليها بالتدريج، وعدم فتحها مرة واحدة وكلياً أمام المصارف الأجنبية الضخمة· كما أن هناك حاجة إلى تنظيم أكثر فاعلية لأسواق المال العربية قبل فتحها للمنافسة الخارجية، وذلك ضماناً لشفافيتها، ولتحسن تدفق المعلومات منها وإليها، واتباع معايير أعلى للإشراف الاحترازي والمحاسبة وإدارة الشركات، بالإضافة إلى ضرورة رفع مستوى تقنيات المصارف ومعرفتها الفنية· ويجب على الدول العربية كذلك أن تعمل على ربط أسواقها المالية ببعضها قبل أي اندماج كبير بأسواق المال العالمية، كما يجب عليها أن تعمل على توجيه الاستثمارات الأجنبية الوافدة نحو الاستثمار في مجالات تنموية مفيدة، مع تأكيد أهمية الاستثمار المباشر الذي يساهم في نقل التقنية· ومن ناحية أخرى، يجب أن تعمل الدول العربية على فتح اقتصاداتها أمام رؤوس الأموال والثروات العربية وتوجيهها لخدمة الاقتصاد العربي، وتفعيل عمليات دمج المصارف العربية داخل الأقطار العربية وخارجها، وتمكين مصارف التنمية العربية القطرية من الوصول إلى تلك الأسواق والاستفادة مما يتوافر فيها من رؤوس أموال عربية· أما بالنسبة إلى مخاطر التحرير التجاري، فإن بإمكان الدول العربية تحاشيها، أو على الأقل التخفيف منها، من خلال الدراسة المعمقة لاتفاقيات الجات للتعرف إلى الجوانب الإيجابية فيها، من حيث الاستثناءات أو المعاملة التفضيلية من ناحية التدرج في خفض التعرفات الجمركية على الواردات الزراعية والفترات الأطول للتنفيذ أو التدرج في إلغاء الدعم الزراعي، وكذلك المعاملة التفضيلية بالنسبة إلى ما قد تفرضه الدول الصناعية من إجراءات وقائية على بعض وارداتها من المنسوجات والملابس، والاستثناء من إلغاء بعض أشكال الدعم على الصادرات والمدد الطولى المسموح بها لإلغاء القيود التجارية ذات الأثر على الاستثمار· هذا بالإضافة إلى ضرورة العمل على رفع مستوى الكفاءة الإنتاجية في مختلف قطاعات الإنتاج العربية، والاهتمام بقضايا البحث والتطوير التقني من قبل المشروعات الإنتاجية العربية، ودعم البحث العلمي وزيادة القدرة التنافسية بين المشروعات المذكورة· أما المخاطر الكبرى فإنها تنشأ عن وقوف الدول العربية فرادى في مواجهة المنافسة الأجنبية الناتجة عن تحرير التجارة الخارجية؛ إذ سيعرضها هذا إلى مخاطر فائقة بسبب صغر أحجام اقتصاداتها وضعف قوة المنافسة لديها، وضآلة الكفاءة الإنتاجية لاقتصاداتها، ومحدودية أسواقها الداخلية والخارجية معاً، وضآلة صادراتها حجماً وتنوعاً· ولذلك فلن تستطيع هذه الدول مواجهة المنافسة الأجنبية وسياسة الانفتاح الاقتصادي على أساس انفرادي وإنما على أساس جماعي، مستفيدة في ذلك مما جاء في المادة (24) من اتفاقية الجات، والخاصة بالتطبيق الإقليمي للاتفاقية على مناطق التجارة الحرة والاتحادات الجمركية، وذلك استثناء من أحكام المادة (1) من الاتفاقية التي توجب تعميم معاملة الدولة الأولى بالرعاية· وينطوي ذلك على منح مزايا للدول المنضمة إلى هذه التجمعات الإقليمية من دون تعميمها على باقي الأطراف الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، بشرط الإبقاء على الرســـــــوم الجمركية وأي قيود تجارية أخرى تجاه الدول غير الأعضـــــــاء في التجمع الإقليمي في مستوياتها السابقة على قيامه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©