الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نبيل أبو زرقتين يحكي عن خسارات الشاعر

نبيل أبو زرقتين يحكي عن خسارات الشاعر
12 أكتوبر 2010 23:32
رغم اعترافه الصريح في القصيدة بأنه يبدو ساذجاً كلما تصور أن لديه القدرة على بث الدفء في جسدها، إلا أن الشاعر المصري نبيل أبو زرقتين لم يبدُ ساذجاً بالمرة لا في شعره ولا في سيرته الأدبية التي حاول أن يرسم فيها ملامح تجربته بإيجاز، ولا في إجاباته على بعض الأسئلة التي طرحها عليه الحضور عقب قراءته لقصائدة في الأمسية الشعرية التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في أبوظبي في مقره بالمسرح الوطني مساء أمس الأول. فالقصائد والشهادة المختصرة التي قدمها الشاعر في بداية الأمسية حول تجربته الشعرية وطقوسه وطريقته في كتابة أشعاره والمؤثرات التي تصبغ شعره، والأحداث الكبرى التي أثرت عليه، وهي طريقة جديدة يتبعها اتحاد الكتاب في أبوظبي في محاولة للتعرف على الأدباء من خلال أصواتهم، عكست وعياً مؤسساً يتكئ على تجربة إنسانية وأدبية غير قليلة ويناقض السذاجة بكل مفاهيمها. إنها قصائد تهجس بتجليات روحه، أرقه، وجعه الوجودي، أسئلته الذاهبة إلى ما هو مختبئ وراء المألوف والمعتاد من الأفكار والسلوكيات وحتى الممارسات المدرجة سلفاً في قائمة ما اصطلح على اعتباره مما ينجح فيه المرء... ناهيك عن محاولة الشغب أو الحفر الواعي في أرواح الآخرين وما يعتمل فيها من عذابات أو رؤى، في محاولة لتصوير الذات المقابلة في حضورها الواعي مع الذات الشاعرة، والتي جاءت في صيغة خارجة عن ذاتية الشاعر؛ صيغة المخاطب، الغائب، كما في قصيدة جميلة بعنوان “ألقي بعظامي إلى المدفأة” التي يتجاوز فيها مفهوم الجسد والدفء المفهوم العادي (إذا قرأناها في إطار محاولة الشاعر لتلمس العوالم النيتشوية) لكي تصبح الأنثى هي الحياة نفسها، بكل عدمها، بكل شخوصها وغربائها المتناسلين في جنبات الجسد/ النص: هو، هي، رفيقاتها، سيدة تافهة، فتاة جامعية، والامتحان الأبدي لتعلم أبجديات تلك العلاقة الفاتنة مع المرأة/ الحياة، ثم وبعد سنوات من الضياع لا يجد الشاعر خيارات كثيرة تنتظره على قارعة الوجود، ربما يستطيع مثل كل الشعراء أن يدخل في وحدته، في حريقه الداخلي ليتخلص حتى من عظامه: سأدخل وحدي الليلة وألقي بعظامي إلى المدفأة. لا تختلف مناخات القصائد الأخرى كثيراً عن مناخات القصيدة السابقة، ففي قصيدته “البحر لا يرتدي ربطة عنق” يوغل الشاعر أكثر في قراءة روح المرأة، في التوغل خلف مشاهدها الغابرة أو الموعودة بأن تتحقق لها الرؤية فيما بعد. ثمة ممارسة للحكي عن النساء وعوالمهنَّ وتفاصيلهنَّ وطيشهنَّ، عن عباءات تخبئ في جيوبها الطعوم (من الطعم او الشرك الذي يقدم للفريسة)، عن ملوك طائشين وزعماء لا يحبهم الله، عن عتمة غامرة ورغبات لا تظهر وأجساد لا تبوح، وعن وطن جميل لكنه خائف يكتب: “في وطني: مِقبرةٌ، مسجدٌ، أُرجوحةٌ أعيادٍ، حِصانُ حلوى/ وخلاخيلُ البنات/ وسجنٌ جميل./ وطني يتبدلُ إلى الأحسنِ/ بدليلِ نومِ بهيَّة في سريرِ جابي الضرائب/ وطني يتبدلُ إلى الأفضل بدليلِ السحبِ التي تنامُ في عطلتِها/ والسنابلُ التي تتمايلُ خَجلاً/ من غزارتها في الحقول/ لم يعدْ وطني/ الحلقةَ الأضعفَ في أصابعِ المستحيل/ أو تحت طوق اليقظة/ حيثُ الهواءُ الطليق/وبالعملةِ الصعبةِ جداً/ يغني تلاميذ وطني ...” في قصيدته هذه كما في غيرها يشيد أبو زرقتين هجائيته المرة لما يجري في الحياة العربية: سياسة وثقافة واقتصاداً وعلماً وتقنية وحضارة، ويبحث عن الميراث الحضاري القديم للفلاح الفصيح، الفلاح الذي أعجز الأولين والآخرين في سابقات الأيام وبات اليوم شقياً بحراسه الجدد، العريقين في شيء واحد فقط: القهر. وبعيداً عن الأوطان وأوجاعها، ثمة حزن آخر شفيف يتسلل على أطرافه أصابعه إلى النصوص، يسيل عذباً وأقرب إلى الشعر الصافي: “حيادكِ نائمٌ الآن/ وفي المسافةِ الصغيرةِ بيننا/ نَمَتْ حديقة/ وبَللني الماء، كمقهى قديم”. في هذا النص لا يظهر المقهى قديماً فقط، بل وجه الشاعر الشعري القديم الذي يغزل الصورة الشعرية بعناية، ويمزج بين عمق الفكرة وجماليات الكتابة الشعرية التي اعتدنا من نبيل أبي زرقتين ان يعنى بها والتي أتمنى شخصياً أن يحرص عليها، ويطاردها، ويصطادها مهما كانت الفكرة الفلسفية مغرية بالتنازل عنها... فالشعر حتى في أعمق تجلياته الفلسفية والوجودية هو فن جميل، هكذا بالضبط: يا الله، ما أقوى الورود عندما تلامسُ ضعفنَا الورود أرضٌ، .. نحن لها هناك المطرُ شُباكٌ وشارع، .. لا هناكَ له ? ? ? سأمضي بعدكِ كجرس شتاء فمناديلُكِ لم تعدْ تجففُ الفراغ وجسدي يتآمرُ عليَّ، كعاشقٍ من انتظار. ? ? ? الهمسُ بين صخرتين جسد لم يُسألْ والذي لا يُحبُ وقتَ الكارثة لن يُحبَ أبداً ? ? ? تركتني لتكتبَ رسائلَ حبٍ للموتى فيما الحيوناتُ مبعثرة تحت المطر. لا بأس أيها الشاعر إن تركتك لكي تمارس شأنها مع الموتى، هذه ليست أول الخسارات ولن تكون آخرها ... وما عليك إلا أن تكتب أنت الحياة/ الشعر.
المصدر: ابوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©