الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سالم العلوي ترك الطب لعيون الهندسة

سالم العلوي ترك الطب لعيون الهندسة
16 يوليو 2011 19:59
كان شغوفاً بأن يصبح طبيباً في يوم من الأيام وكانت والدته تعزز هذا الشغف بتذكيره به وبمناداته بـ “دكتور سالم”. وأيضاً كان مدرّسه يناديه بـ “دكتور سالم” تحفيزاً له. لكن الطالب الإماراتي سـالم عبدالله سـالم البواب العلوي قرر تغيير هذا الحلم. صخر ادريس (دبي) - يدرس سالم العلوي في مدينة بلاكسبرغ التابعة لولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأميركية، في جامعة “فرجينيا تك” التي تعتبر من أعرق وأقوى الجامعات في مجال الهندسة في الولايات المتحدة الأميركية، فهو طالب في مجال هندسة الاتصالات. اختار سالم الجامعة عبر مكتب تنسيق البعثات الذي قدم له قائمة تتضمن ست جامعات تحتل مراكز عليا في التصنيفات الأميركية في تخصص هندسة الاتصالات. وبعد أن حصل على قبول أكثر من جامعة كانت قوة الجامعة والمناخ أسباباً رئيسية في اختيار المكان الذي يتواجد فيه حالياً. بدأ حلم الدراسة والابتعاث من خلال مكتب تنسيق البعثات الذي كان هدفاً له منذ أن بدأ مسيرته في المرحلة الثانوية في الصف العاشر. وعمل على تحصيل نسبة تؤهله للالتحاق بهذه البعثة، وبالفعل اجتاز المقابلة الشخصية واختبار اللغة الإنجليزية والتحق فعلياً بالبعثة. الخوف الأول كانت المخاوف كبيرة جدا من قبل أهله وخاصة من الوالدة نظراً لأنه أول فرد من العائلة يقرر الدراسة في الخارج. ولكنه أبدى رغبة كبيرة جداً وباشر إجراءات التقديم للبعثة مع محاولات دائمة لإقناع أهله بالسفر. وقد أثمرت جهوده بأن أخبره والداه بأن الأمر يخص مستقبله وأنه المخول باتخاذ القرار فيه. كما أنه يدين بالفضل أيضاً لأستاذه علي السلامي ولا ينسى المكالمة التي “أزعجه” بها بعد منتصف الليل والتي أنهاها بقرار السفر للولايات المتحدة. ومن الأشخاص الذين لم يبخلوا عليه بخبرتهم وجهدهم ووقتهم صديقه عمر النقبي الذي أتم دراسته في الولايات المتحدة وكان معه خير معين في أمور الترتيب لهذه الرحلة الطويلة من خلال إعطائه فكرة عامة عن الغربة وعن الدراسة في الخارج وتحديداً في الولايات المتحدة وأيضاً من خلال مساعدته في إنهاء إجراءات السفر. قبل الابتعاث لم يواجه سالم أية عقبات تذكر، بل على العكس فقد كان التشجيع من الجميع وكان لطموحه ورغبته القوية أثر كبير في تخفيف أثر فراق الأهل والأحبة. جميع الأمور تمت بسلاسة بسبب استعداده النفسي الجيد لهذه المرحلة التي اختارها برغبة ذاتية منه وبتشجيع من أطراف عديدة. فراق الوطن والأهل كان هاجسه ولكن عائلته هيأته نفسياً فلم يكن هذا الأمر مشكلة كبيرة أو عائقاً بالنسبة له. يعترف سالم بارتكابه غلطة كبيرة باصطحابه أهله معه إلى المطار في سفره الأول وهي الغلطة التي لم ولن يكررها أبداً. فوجودهم وتوديعهم في المطار صاحبته مشاعر صعبة ودموع محبوسة، وخصوصا مع التأثر الكبير الذي كان من قبل والدته وأخواته. لهذا السبب لم يعد يفضل اصطحاب أحد من “الجنس الناعم” معه للمطار لأنه الوضع ينقلب “مناحة” على حد تعبيره. أما عن السفر بمفرده فلم يكن صعباً كونها ليست المرة الأولى التي يسافر فيها بدون مرافقة أهله. فقد سافر مع أصدقائه ومع بعض البرامج الشبابية من قبل. وحتى في يوم السفر الأول للولايات المتحدة، لم يسافر وحيدا لوجود بعض الأصدقاء الذين كانوا سيدرسون معه برنامج اللغة الإنجليزية، ولكن بعد أن افترق الشمل وذهب كل منهم إلى الجامعة التي أتاه القبول فيها اعتاد السفر بمفرده ولكن مع بعض الضيق كون الرحلة تستغرق بين الإمارات وأميركا يوما كاملا في بعض الأحيان. بداية الغربة كان الوضع في البداية غريبا ويتضمن أكثر من شعور في آنٍ واحد. من الأمور التي فضّل سالم إخفاءها عن أهله حتى لا يشغل بالهم، قصة مرضه في اليوم الذي تلا وصوله حيث ظل طريح الفراش لمدة خمسة أيام، بعدها تجنب الاختلاء بنفسه كي يبتعد عن التفكير الذي يؤثر على نفسيته سلباً حيث كان يشغل نفسه بالأمور التي كان يجب عليه تدبيرها مثل أوراق الجامعة والسكن وبعض الأمور الأخرى. التأقلم في البداية مع الوضع والمكان الجديد وطريقة الحياة الجديدة تعتبر من أصعب الأمور التي واجهها، ولكن ما إن انقضى الشهر الأول حتى بدأت الأمور تعود إلى نصابها وبدأت النفسية تتحسن وبدأت فعلياً حياة جديدة للشخص المبتعث. اليوم الدراسي سالم ليس من الأشخاص الذين يستهويهم النهوض من النوم باكراً. لذلك لا يفضل التسجيل في مساقات صباحية. فيومه يبدأ في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة بتناول فطور سريع والتوجه بعدها للجامعة لحضور المحاضرات. بعدها يقضي ما يقارب الأربع أو الخمس ساعات متنقلا بين قاعات الدراسة. نهاية اليوم تكون عادية جداً يتوجه بعدها لشقته ليرتاح ومن ثم لممارسة الرياضة والمذاكرة. في بداية الأمر كان الوضع صعباً عليه قليلاً. خاصةً بأن الجهد المكثف كان حاضراً منذ الأيام الأولى. ولكن بعد فترة استطاع التغلب على هذا الأمر بتنظيم الوقت وبالدراسة بشكل جماعي. أما بخصوص اللغة، فلم تكن عائقاً كبيراً خاصةً وأنه أمضى ثمانية أشهر لتقويتها قبل دخوله للجامعة. الحياة في أميركا يجد سالم أن الشعب الأميركي شعبٌ مقبلٌ على الحياة ومحبٌ للتعلم وللحوار. هذا الأمر جعله ملمّاً بتفاصيل حياة المجتمع الأميركي بشكل كبير. والأمر الذي خالف ما سمعه هو احترامهم الشديد لديانة أي شخص. فكم من المواقف التي مرت وأظهروا فيها احترامهم لدينه الإسلامي. كان مرة في مطار من المطارات يبحث عن مكان يصلي فيه، وسأل عن بوابة لن يكون فيها إقلاع قريب لطائرة حتى يكون المكان خاليا من المسافرين. وعند سؤال الموظف له عن سبب هذا الطلب أخبره أنه مسلم ويريد مكاناً تتوفر فيه بعض الخصوصية كي يصلي. عندها ذهب ليسأل عن المكان المناسب وساعده في الوصول إليه. ومواقف أخرى أيضاً مع زملاء الجامعة كلها تدل على أنهم يحترمون كل الديانات وجميع الأعراق. في ذات المدينة هناك جالية مسلمة كبيرة وفيها مسجدان تقام فيهما صلاة الجمعة وصلاتي التراويح والقيام في رمضان وأيضا تقام فيهما صلاة العيد والتجمع بعده. ولكن لا يتمكن من الحضور دائما خاصة في بعض الأحيان يصادف يوم العيد حصص دراسية وامتحانات. افتقد سالم أجواء رمضان والعيدين لمدة سنتين ويتوق لهم في الإمارات كثيراً. ويعتبر سالم، أن الفروقات ليست كبيرة بين بلده وأميركا من حيث الرفاهية وأسلوب الحياة، رغم أنه يفضل التواجد في الإمارات أكثر. الفروقات تكمن في اختلاف ثقافة المجتمعين واختلاف القيم بينهم. بخصوص المواصلات العامة بالتأكيد استخدامها في أميركا يكون بشكل أكبر وعملي أكثر مما هو عليه في دولة الإمارات. مجتمع الإمارات قليل خبرة وتجربة، ومع مرور الزمن ستتغير أمور كثيرة عندما يكتسب هذا المجتمع خبرة من خلال تجاربه واحتكاكه مع الثقافات الأخرى الموجودة على أرض الدولة. يفتقد سالم التواجد في مجتمع الإمارات بشكل عام ويفتقد “ريحة البلاد”. فالشخص مهما ابتعد لا يمكن أن يحس بأنه في بيته إلا وهو بين أهله وأصدقائه. يفتقد تجمعات الأهل والأصدقاء. ولا يمكن أن ينسى الأكل الخليجي، يفتقد وزملاءه هناك المأكولات الخليجية التي “يحاولون” تحضيرها بعض الأحيان ولكن غالباً ما تكون النتائج غير مرضية. الهوايات وضيق الوقت مع تنظيم الوقت كل شيء يصبح ممكناً. حيث يقضي سالم وقت فراغه في صالة كمال الأجسام ولعب كرة القدم والتجمع مع الأصدقاء وإقامة رحلات الشواء. تستهويه الدراجات المائية وبعض الرياضات المائية الأخرى. كما أتيحت له الفرصة لتجربة أشياء جديدة مثل لعب الجولف وحضور مباريات كرة سلة وأحداث رياضية أخرى وأيضا حضور بعض العروض الفنية. وفي حال احتاج سالم أية مساعدة فيتواصل أولا مع الخدمات الموجودة في الجامعة حيث توجد جهات كثيرة يستطيع الرجوع لها وهي فعالة بالنسبة له وزملاءه الثلاثة من دولة الإمارات. وإذا واجه صعوبات أكثر فيتواصل مع الجهة الباعثة. يطمح سالم أن يتخرج ثم يحصل على وظيفة في شركة ذات باع طويل في الدولة ويستمر فيها لعدد معين من السنوات كي يكتسب خبرة كافية تمكنه من الارتجال والبحث عن طريقه الخاص بعدها. خلاصة الغربة يقول سالم: أنت المسؤول عن نجاحك وعن فشلك وعن كل ما يمكن أن يحدث لك، الغربة تكسبك حس المسؤولية. فعلاً الغربة فرصة للإنسان أن يصبح إنساناً آخر. والغريب أنها في نفس الوقت قد تكون بداية طريق ليس له عودة وضياع كبير لو أساء الشخص استغلال التواجد في مجتمع مفتوح على مصراعيه لكل ما هو صالح وطالح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©