الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد سالمين: كتابتي للسينما تُمثل تجسيداً حياً لأفكاري وتُشبع فيّ رغبة النشر

أحمد سالمين: كتابتي للسينما تُمثل تجسيداً حياً لأفكاري وتُشبع فيّ رغبة النشر
15 يوليو 2011 22:08
تحتل بعض الأحياء والفرجان في رأس الخيمة القديمة موقع السحر والانشداه والإغواء، عندما يتم ذكرها أو استرجاعها من هامشها النائي والبعيد، تفرض هذه الفرجان مشهديتها الوارفة في أقانيم الشعر والكتابة والسرد والتشكيل والسينما لدى مبدعين كثر أنجبتهم هذه الأرض المحفوفة بأسرار مشرعة وعتمات مضاءة، وتبدو هذه الفرجان وكأنها تنهض من مرقدها المهيب كي تخفف من وطأة وجع مزمن اسمه الحنين، هذا الحنين الذي يصدّر بهاءه من جغرافية الغياب، ومن بخار الوجد، وضباب المسرّات المفتقدة. الفرجان تحضر أسماء وعناوين مثل: “هل ميان” و”هل علي” و”سدروه” و”محارة”، فتحضُر معها قصص وحكايات ترويها طفولة البحر وتتوجها الظلال المنحدرة من جبال وغيمات ومن أصوات وروائح تهطل كلها من الغيب ويمتصها رمل “السكيك” وعطش القلوب الوادعة، هناك وتحديداً في فردوس المتاهة وفي جنة الالتباسات، يخرج صوت الشاعر كي يعيد ترميم الوقت وصقله تشذيبه، وقت كان من الأجدر أن يخلد ويتأبد كي لا تفلت تلك الأرواح الذهبية، وتلك الوجوه والأسماء التي تخطّفها الموت من كل جانب، ونكّل بما تبقى من ذكراها وحضورها، كل ذلك الوقت وكل تلك المشهديات والمباهج والخسارات أيضاً، كانت تتوسع وتفيض وتترامي، كأن لا بحر هناك ولا جبل ولا صحراء، وكأن الأطفال عندما يلدغ البرق عيونهم العارية، يخرج الخوف من ملابسهم دائخاً مثل ذئب جريح يتخبط في الجدران ويذوب في قيعان الليل، ولا يعود. صوت الشاعر في وقت ربما يشبه تصدعاته وتهويماته هذه، خرج صوت الشاعر والسيناريست أحمد سالمين وكأنه يتشرب مطر المحبة النائية ودفء الغرف الطينية وبخار الحكاية الطالعة من أنفاس الجدات، يكتب سالمين قصيدته ليعاند النسيان ويؤبد شرارة المخيلة التي تأسست على وعد وتبجيل ومودة، ففي فريج “هل ميان” المتخم بتفاصيله الأرضية والسماوية معاً، كان الوهج أقوى من طاقة العين، وكان السؤال أكبر من اليقين، ولذلك عندما جرفته الحياة معها إلى رأس الخيمة الجديدة وإلى منطقة “الضيت” تحديداً، لم ينتبه سالمين، إلا أن هناك جرحاً أخضر يسكن ضلوعه، وأن البيت القديم صار قرينه وحارسه، وبات هو القوام الأجمل الذي لم يتشوه ولم ينحن لعنف الزمن وجبروته. كتب سالمين القصة والقصيدة والسيناريو وحمل كاميرته الفوتوغرافية أيضاً كي يقتنص اللحظة اللاهبة قبل أن تنطفئ، وكل هذه المقاومة الجمالية التي يبذلها، إنما تنبع من عشق مقيم، ومن ولع شخصي شفيف وموصول بذاكرة وثّابة وثاقبة ومتدفقة على الدوام. «الزهيريات» فاجأنا أحمد سالمين مؤخراً بأنه يكتب ومنذ فترة طويلة شعر “الزهيريات”، وأن رصيده الكبير من هذه القصائد يمكن أن يشكل إضافة نوعية على مستوى المنطقة، و”الزهيريات” نمط شعري خاص انتشر في البصرة والكويت والبحرين وحمل معه خصوصيته وكثافته وارتباطه بفضاء الساحل والبحر والنهمة واليامال والأهازيج التي يمكن أن تتحول إلى عرائس خرافية تتخلق من إيقاع الموج ونوتاته الزرقاء المتهادية، كتب سالمين العديد من هذه القصائد التي تبدو عصية ومغلقة على أوزانها وشروطها الإيقاعية، ولكنها بالنسبة لشاعر محتشد بالرؤى والذاكرات والصور المنهمرة يمكن أن تتحول إلى خيوط طيعة ومرنة يستطيع أن يغزل منها ما يشاء من صيغ وتراكيب مدهشة ومفاجئة. وفي مقطع من إحدى “زهيرياته” يقول عن الحنين: حلاة القيظ يا أحبابي ولنا فـي مقيظنا منزل تلمنا أشواقنا بحضنه وعلى طول العمر ما نْزل ولكم بأيمان أحلف أنـي عن جناح الهوى ما أنزل إذا لمـت منامـتـنا شملنا وجمعتنا اولاف وظلام الليل حوالينا محوطنا بغرامـه ولاف وقمر كنه بلياليــنا مرش مـاي الــورد لاف يصب النور مـن عينـه ..وله في نص الشهر منزل وعن كتابته “الزهيريات”، يقول سالمين “هي هواية قديمة، وقصيدة أكتبها في طقس خاص تعززه العزلة والتأملات القادمة من تفاصيل ومناخات شعبية مهملة ومنسية، لذلك لم أكن أنشرها أو أعرضها إلا على دائرة ضيقة من الأصدقاء والشعراء”، ويضيف “عندما أكتب الزهيرية تغمرني حالة من الافتتان، وأجدني أسيراً لمتعة ذهنية ولغوية لا تتوافر في أنماط الكتابة الأخرى، وأشعر من خلال تأليفي (الزهيرية) بأنني أطارد المفردات واقتنصها ثم أروضها وأضعها في قالب مرن يتأرجح بين ضفتي الذاكرة والروح”. ويقول “تتمتع (الزهيرية) أيضاً بخاصية فريدة، وهي أنها تجمع بين الحس العفوي والارتجالي، وبين الانتباه لخطورة الانزلاق أو الخروج عن خط الإيقاع الخارجي، هذا الإيقاع الذي لن يكون طاغياً بأي حال على الإيقاع المستتر والخفي والآسر الذي ينبع من قوة المفردات ومن صياغاتها الجمالية التي كثيراً ما تفاجئني شخصياً، وكأنما ثمة بوصلة سحرية تحرك مساراتها وتقودها نحو مناطق مدهشة وغير متوقعة”. وحول قلة عدد الشعراء الذين لجأوا لهذا الأسلوب الشعري في الإمارات مقارنة بدول أخرى مجاورة أجاب سالمين بأن الأمر ينطبق أيضاً على الأغنية الشعبية الإماراتية التي لم تخرج عن إطار اللحن الواحد رغم التنويعات البسيطة التي رافقتها، مضيفاً “شعراء الإمارات القدامي اقتربوا من أجواء (الزهيريات) مثل الشاعر راشد الخضر الذي كتب القصيدة (المربوعة) التي تعتمد على الجناس والطباق، ولكنها لم تصل للدقة الإيقاعية والبصرية التجديدية التي انتصرت لها (الزهيريات)، وقد يعود سبب ندرة (الزهيريات) وقلة تداولها في الإمارات إلى خصوصية المكان وعدم اعتياد أو تجاوب الأذن أوالذائقة المحلية مع الإيقاع والنسق المختلفين في (الزهيريات)”. سليمان الموسى وعن الشعراء الذين كتبوا “الزهيريات” وأعجب بتجربتهم، قال سالمين إن المصادفة وحدها دلته على شريط مسموع بعنوان “اليامال” للشاعر الكويتي سليمان الموسى يعود إلى فترة الثمانينيات، وكان لهذا الشريط تأثير كبير على انتباهه للجماليات المفارقة التي يخزنها فن “الزهيريات”، وخوضه تجربة كتابتها اعتماداً على رصيد ثري من المفردات الشعبية الإماراتية التي تتوافر على جرس لفظي مميز وموصول بذاكرة البحر والتفاصيل البعيدة للمجتمع المحلي. لم يجمع سالمين هذه “الزهيريات” الشعبية في كتاب حتى الآن، تماماً مثل قصائده الفصحي وكتاباته السينمائية وقصصه التي لم تنج هي الأخرى من شتاتها وتناثرها وانتظارها لقرار شخصي ينظم فوضاها وتبعثرها، وعن سبب تأخر هذا القرار يقول سالمين “إذا كنت قادراً على ترجمة واختزال كل هذه القصائد والقصص في نص سينمائي، هو: (السيناريو)، فلماذا أدع هاجس النشر يسيطر علي، وإذا كانت الصورة المتحركة على الشاشة بمثابة تجسيد حي لأفكاري ورؤاي التي طرحتها في تلك الكتابات، فإن هذا التجسيد يشبع في داخلي أي نهم أو رغبة في تجميعها بين دفتي كتاب”، ويستدرك “أنا هنا لا أقلل من أهمية الكتاب ومن قيمته التوثيقية، ولكن السينما بالنسبة لي واعتماداً على هواي ومنظوري الشخصي أصبحت هي الحاوي الكبير الذي يحتضن كل الأصوات والألوان والملامح التي لا يمكن أن يحتويها النص المجرد والمطبوع على الورق”.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©