الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحب وقوف لا وقوع.. والعطاء تعبير عن اتّقادنا بالحياة

الحب وقوف لا وقوع.. والعطاء تعبير عن اتّقادنا بالحياة
28 ديسمبر 2016 20:09
إعداد ــ عبير زيتون شكل «المذهب الإنساني» هاجس الرؤية البحثية التي عمل عليها عالم النفس والفيلسوف الإنساني والناقد الاجتماعي الألماني - الأميركي المعروف «إريك بينشاس فروم» (1900 – 1980) الذي يُصنف ضمن كبار المفكرين الاجتماعيين العظماء، الذين قدموا للإنسانية رؤية بحثية معمقة تعالج قضايا الإنسان الفرد، في اجتماعيته، انفصاله، اتصاله، وأشكال هذا الاتصال مع المحيط، وفق توجه فكري يؤمن بضرورة التوليف بين «الجوهر الروحاني» و«التفكير العقلاني معاً»، لتتوسع نظرته البحثية نحو رؤية شاملة لمشكلات الإنسان المعاصر، فالموضوع الأساسي لجميع كتابات «فروم» هو أن الإنسان يحس بالوحدة، والعزلة لأنه انفصل عن الطبيعة، وعن الحب الإنساني الناضج. وكتبه الثلاثة التي كونت شهرته، وهي: «الهروب من الحرية 1941» و«الإنسان لنفسه 1947»، و«المجتمع السليم 1955» تدور حول هذه القضايا وسبل علاجها. ويرى فروم في مؤلفاته العديدة: أن السبل تضيق بالإنسانية الحالية، وتدفع بالإنسان إلى الاختلال، والاضطراب، ولابد من خطوة جريئة إلى الأمام تخرجه من مرحلة شبه الإنسانية الحالية، التي لم يصبح فيها الإنسان بعد كامل الإنسانية، نحو عالم جديد يحترم «الوجود الإنساني»، عالم يقوم على مفهوم «الحب الناضج» القادر على محاربة سوءات مجتمع الرأسمالية اليوم من النرجسية، والطمع، والحقد. هذه الشذريات مستمدة من كتابه «فن الحب» بحث في طبيعة الحب وأشكاله. إن الحب فن تماماً كما أن الحياة فن. إذا أردنا أن نتعلم كيف نحُب فعلينا أن ننطلق بالطريقة عينها، التي ننطلق بها إذا أردنا أن نتعلم أيَ فن آخر كالموسيقى، أو الرسم، أو النجارة، أو فن التطيب، أو الهندسة. *** في ثقافة يسودها اتجاه السوق، ويعدُ النجاح المادي فيها هو «القيمة البارزة»، فإنه لن يوجد ما يدعو إلى الدهشة عندما تهتدي «علاقات الحب الإنسانية» بأنموذج المقايضة نفسه، الذي يحكم السلعة، وسوق العمل. *** رغم توقان الناس العميق للحب، يكاد يكون كل شيء آخر، أكثر أهمية من الحب: النجاح، المكانة، المال، القوة. تكاد تكون كل طاقتنا مستخدمة لتعلم كيف نحقق هذه الأغراض، ولا تكاد تكون هناك طاقة مستخدمة من أجل تعلم «فن الحب» الذي يشكل جواباً على مشكلة الوجود الإنساني. *** الحب نشاط، وليس شعوراً سلبياً، إنه «الوقوف» وليس «الوقوع»، ويمكن وصف الطابع الإيجابي للحب بقولنا: إن الحب هو «العطاء» أساساً وليس التلقِّي. *** ما العطاء؟ أكبر سوء فهم على نطاق متَّسِع، هو ذلك الذي يفترِض أن العطاء هو «التخلي عن» شيء، هو الحرمان، هو التضحية. *** العطاء أكثر ابتعاثاً للفرح من التلقي، لا لأنه حرمان، ولكن لأن في فعل العطاء يكمن التعبير عن «اتقادي بالحياة». *** من يكن قادراً على أن يعطي من ذاته فهو «غني»، وهو يعيش نفسه كإنسان يستطيع أن يعطي نفسه للآخَرين. إن أهم مجال للإعطاء ليس هو مجال الأشياء المادية، بل هو المجال الذي يكمن في العالَم الإنساني بصفة خاصة، فماذا يعطي الإنسان للآخَر؟ إنه يعطي من نفسه، من أثمن ما يملِك، إنه يعطي من حياته. وليس هذا يعني بالضرورة أن يضحي بحياته للآخَر – بل إنه يعني أنه يعطيه من ذلك الشيء الحي فيه، إنه يعطيه من فرحه، من شغفه، من فهمه، من علمه، من مرحه، من حزنه – من كل التعابير والتجليات لذلك الشيء الحي الذي فيه، وهكذا بإعطائه من حياته إنما يثري الشخص الآخَر، إنه يعزِّز شعور الآخَر بالحياة، وذلك بتعزيزه لشعوره هو بالحياة. إنه لا يعطي لكي يتلقى العطاء، هو في ذاته فرح رفيع... العطاء يتضمن جعل الشخص الآخَر معطاءً أيضاً، والاثنان يشتركان في فرح ما قد حملاه إلى الحياة. في فعل العطاء يولد شيء، وكلا الشخصين يكونان شاكرين للحياة التي تولد لهما كليهما، ويعني هذا بالنسبة للحب أن «الحب قوة تنتج الحب». *** الحب الطفولي يسير على مبدأ «إنني أُحب لأنني مَحبوب»، أما الحب النرجسي فإنه يسير على مبدأ «إنني أحبك لأنني أحتاج إليك»، أما الحب الناضِج فيقول: «إنني أحتاج إليك.... لأنني أحبك». *** الحب هو الطريق الوحيد للمعرفة، في فعل الحب، في فعل إعطاء النفس، في فعل النفاذ إلى الشخص الآخَر، أجد نفسي أكتشِف نفسي، أكتشف كلينا، أكتشف الإنسان. *** إذا كنت أحب شخصاً واحداً حباً حقيقياً، فإنني أحب الأشخاص جميعاً، أحب العالَم، أحب الحياة. إذا استطعت أن أقول لشخص آخَر «إنني أحبك»، فيجب أن أكون قادِراً على أن أقول: «إنني أحب فيك كل شخص، أحب من خلالك العالَم، أحب فيك نفسي أيضاً». *** الشرط الرئيس لتحقيق الحب هو قهر ما لدى الإنسان من «نرجسية». *** الشخص الأناني والنرجسي، ليس مهتماً إلا بنفسه، ويريد كل شيء لنفسه، ولا يشعر بأية لذة في العطاء، بل يشعر بها في الأخذ. إنه يفتقِد الاهتمام بحاجات الآخَرين. إنه لا يستطيع أن يرى سوى نفسه، إنه يحكم على كل فرد، وكل شيء من زاوية النفع بالنسبة له، إنه – أساساً – «عاجز عن الحب».. فالشخص الأناني لا يحب نفسه كثيراً، بل يحبها قليلاً جداً، إنه في الواقِع يكره نفسه، وهذا الافتقاد للإعجاب والرعاية لنفسه يتركه خاوياً ومحبَطاً... *** الحب الناضج هو تحدٍّ دائم. إنه ليس مستقراً للراحَة، بل هو تحرُّك ونمو وعمل مشترك، حتى إذا كان هناك تناغم أو كان هناك صراع، إذا كان هناك فرح أو كان هناك حزن،... إن شخصين يعيشان أنفسهما من ماهية وجودهما، كل منهما واحِد بالنسبة للآخَر، عن طريق أن يصبحا واحداً مع أنفسهما بدلاً من الهرب من أنفسهما. *** الحب تجربة شخصية لا يمكن أن تكون لدى كل إنسان إلا بنفسه ولنفسه أولاً وقبل كل شيء. وتتطلَّب ممارسة الفن النظام. لن أُفلِح في أي شيء إذا لم أفعله بطريقة منظمة. إن أي شيء لا أفعله إلا «بمزاج» قد يكون هواية جميلة أو مسلية، لكنني لن أصبِحَ إطلاقاً سيداً في ذلك الفن، وعلى أية حال فإن الحياة دون مثل هذا النظام، تصبِح مبعثرَة في حالة فوضى، وتفتقِد التركيز. *** القدرة على الحب تتطلَّب حالةً من التوتر، واليقظة، والحيوية الدائمَة، وهي مسائل لا يمكن أن تكون إلا نتيجة نزوع مثمِر وفعَّال في المجالات الأخرى العديدَة للحياة. إذا لم يكن الإنسان مثمراً في المجالات الأخرى فإنه لا يكون مثمراً أيضاً في الحب. *** كل جشع... هو«جشع روحي»، حتى لو كان المُصاب به يسعى إلى إشباعه عن طريق البدن، فهذا ليس له حدَ الاكتفاء، لأن أي محاولة مادية لإشباعه لا تستطيع أن تملأ الفراغ الداخلي في النفس البشرية، ولا أن تخفف أحاسيس الملل، والوحدة، والاكتئاب التي هي أصل الداء في عصرنا الراهن. *** القدرة على الحب، تفترِض قهر التبعية، والشمولية النرجسية، والرغبة في استغلال الآخَرين، أو اكتناز المال، والإيمان بقواه الإنسانية، والشجاعة في الاعتماد على قواه في الحصول على أهدافه. وبقدر ما تكون هذه الصفات ناقِصَة يكون الإنسان خائفاً من إعطاء نفسه – ومن ثم يكون خائفاً من الحب. *** الحب هو الاهتمام الفعَّال بحياة الآخر، ونمو ذلك الذي نحبه، وبقدر ما ينقص هذا الاهتمام الفعال، لا يكون هناك «حب»، بل «وهم الحب»! *** لقد أصبح الإنسان كائناً أعلى «سوبرمان»، ولكن هذا الإنسان الأعلى الذي يمتلك قوة تفوق قوة الإنسان، لم يرتفع إلى مستوى عقلاني أعلى، بل إنه ليزداد فقراً بقدر ما يزداد قوة، والأحرى بضميرنا أن ينتابه القلق، ونحن نشهد أنفسنا نزداد تجرداً من إنسانيتنا، كلما ازددنا اقتراباً من حالة «السوبرمان» الإنسان الأعلى!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©