السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«اليمين» الأميركي... وثقافة «البارانويا»

18 يناير 2011 23:22
في أكتوبر الماضي كان المذيع الشهير"جلين بيك"، يفكر في إطار البرنامج الإذاعي الذي يقدمه، حول احتمالات قيام الحكومة بالقبض على أبنائه، إذا لم يقم بتطعيمهم بالمصل الواقي من مرض الإنفلونزا. وقال "بيك" موجهاً كلامه للحكومة: هل تريدون أخذ أطفالي من أجل ذلك؟.. إذن قابلوا السيد "سميث" أو السيد "ويلسون". وفي شهر أبريل كان "إيريك إيريكسون"، مدير تحرير موقع "رد ستيتس بلوج" اليميني، والمعلق بشبكة "سي.إن.إن" الإخبارية، يتساءل عن مدى قانونية "مسح المجتمع الأميركي" الذي أجراه مكتب إحصاء النفوس القومي، وذلك في برنامج من البرامج الحوارية المتلفزة إذ قال:"إننا نتحول - بل الحقيقة إننا قد تحولنا بالفعل إلى عبيد للحكومة... إنني أتحدى الحكومة أن تأتي إلى منزلي كي تزج بي في السجن لأنني لم أُطعّم أبنائي، إنني أتحداهم أن يأتوا! لو جاءوا سأسحب بندقية الصيد الخاصة بزوجتي، وسأرى كيف سيتحول هؤلاء الأغبياء الصغار العاملون في مكتب إحصاء النفوس القومي إلى مجموعة من المذعورين عند باب منزلي." والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن عندما نسمع، ونقرأ هذا هو: هل يقوم معلقو، ومذيعو البرامج الحوارية في التلفزيون بالتحريض على استخدام العنف ضد الحكومة؟ أترك لكم الحرية كي تستخلصوا ما تشاءون من استنتاجات. بيد أن تركيز الاهتمام على حقيقة صعود الخطاب العنيف لـ"اليمين" فقط، يعني أنكم ستفقدون مشكلة أكبر كثيراً من ذلك، وإنْ كانت وثيقة الصلة بذلك الخطاب العنيف مع ذلك. دعونا هنا نركز على الجزء الأول من ملاحظات"بيك" و"إيريكسون" وهو أن الحكومة تريد أخذ أبناء جلين "بيك" وبالتبعية أبناءكم. إن الحكومة تريد إجراء إحصاء للنفوس، وستلقي بـ"إيريك إيريكسون" وبالتبعية أنتم أيضاً وراء القضبان. إذا لم يمتثل، وإذا لم تمتثلوا أنتم كذلك. هل نستطيع أن نتخيل الأطفال، وهم ينتزعون من أيدي آبائهم وأمهاتهم، لمجرد أنهم لم يتطعموا ضد مرض الإنفلونزا؟ وما الذي يحدث عندما تمتلئ زنزانات السجون بكل هؤلاء الذين لم يتعاونوا مع الحكومة في إجراء إحصاء النفوس؟ المشكلة الأساسية بالنسبة لخطاب "اليمين" الأميركي في الوقت الراهن، ليس أنه يحرض على العنف في حد ذاته، وإنما كونه يقوم بغرس مخاوف بارانوية(مرضية) من الحكومة، وأعداء التيار "المحافظ" في الولايات المتحدة. الجزء الأكبر من تفكير "اليمين" الأميركي - سواء تياره الرئيسي أو تياراته الهامشية ممثلة في حركة "حفل الشاي" على سبيل المثال - قد تحول إلى افتراضات "بارانوية" حول الحكومة، و"الديمقراطيين"، والرئيس الأميركي نفسه. ليس القصد من ذلك القول إن الجناح "اليساري" الأميركي ليس لديه هو الآخر هامش مصاب بالبارانويا، ولكن القصد هو أن "اليمين" الأميركي، وبكافة المقاييس، بات هو المكان الذي تتفجر منه نظريات المؤامرة. وهناك كابوس متوهم بالطبع عن توتاليتارية حكومية وشيكة، بات يقض مضاجع "اليمين: فبعد تولي أوباما مهام منصبه بشهر واحد فقط، استضاف"بيك" برنامجا حوارياً عرض فيه الكيفية التي ستقوم بها مليشيات في الولايات الجنوبية والغربية، بالانتفاض ضد الحكومة الأميركية القمعية. ويقال إن عدد تلك المليشيات قد تزايد من 42 إلى 127 مليشيا حسبما نشر "مركز الفقر الجنوبي" وهو مركز حقوقي، ظهر عام 2009 (لا يأخذ هذا الإحصاء في حسبانه عدد المليشيات السرية التي تعمل تحت الأرض). وكما يؤمن قطاع كبير من "اليمين"، فإن الحكومة الأميركية الديمقراطية الحالية، تخطط للزج بأعدائها في غياهب السجون.( أنظر بيك، وإيريكسون أعلاه)، كما ستقوم بتحويل الاقتصاد للنظام الاشتراكي، وتجمع السلاح من الجميع. وقد يكون من المفيد في هذا السياق، الإشارة إلى ما قاله"لاري برات" المدير التنفيذي لـ"اتحاد ملاك الأسلحة في أميركا". أمام تجمع من "الجمهوريين" في واشنطن في أبريل الماضي:"نحن في حالة حرب. والجانب الآخر يعرف أنه في حالة حرب لأنه هو الذي بدأها... والمنتمون للجانب الآخر، جاءوا كي يأخذوا منا حريتنا، وأموالنا، وأطفالنا، وأملاكنا. نعم أنهم قادمون لأخذ كل شيء منا، لأنهم في حقيقة أمرهم ليسوا سوى حفنة من الاشتراكيين". ولكن إلصاق تهم التوتاليتارية (الوشيكة)، والإيديولوجيات الغريبة، وقمع الحريات، لليبراليين و"ديمقراطيين" أصبح هو الخطاب السائد لـ"اليمين" الأميركي في اللحظة الراهنة.ناهيك بالطبع عن التهم الأخرى من مثل أن أوباما ماركسي، وأنه كيني، وليس أميركياً، وأنه يدافع عن الشريعة الإسلامية. ولنا في هذا السياق أن ننظر إلى محنة"فريد أوبتون"عضو الكونجرس "الجمهوري"، الذي تم تعيينه حديثاً رئيساً للجنة التجارة والطاقة بمجلس النواب. فالجريمة التي ارتكبها هذا الرجل، أنه يؤيد استخدام اللمبات الكهربائية الموفرة للطاقة فذلك التأييد كان سبباً في وضعه - من قبل بعض المتعصبين في اليمين الأميركي - في خانة واحدة مع ماركس وإنجلز وغيرهما من أساطين الفكر الماركسي. السياسة، والثقافة الأميركية، تتمتعان بتاريخ طويل من البارانويا..كما وثق المؤرخ "هوفستادتر"، والعديدون غيره. والعديد من حوادث العنف المضاد للحكومة، التي حدثت على مدار العامين الأخيرين مثل رطم طائرة في مبنى" آي. آر. إس" في تكساس، وإطلاق النار على رجل شرطة في "بيتسبيرج" والمذبحة التي تمت الأسبوع الماضي في" توسون"، ارتُكبت من قبل أشخاص، ربما يكونوا معتوهين بشكل أو بآخر، ولكن سبب ارتكابهم لتلك الجرائم هو أنهم كونوا نوعاً من الرؤية البارانوية عن الحكومة، تماثل - وإن ليس بشكل كامل - تلك الرؤى التي قدمها أشباه "بيك" و"أريكسون". ليس معنى ذلك القول إن "بيك"، و"أريكسون"، و"روبرت ماردوخ"، ومن هم على شاكلتهم، هم المسؤولون عن مذبحة توسون. ولكنه القصد القول إنهم بشكل أو بآخر، مسؤولون عن نشر ثقافة البارانويا التي جعلت أميركا أكثر انقساما وخطورة. هارولد مايرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©