الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المنبوذون

24 يوليو 2006 00:29
بالرغم من النشاط الذي يصاحب سني في تلك الفترة الا أنني لم أبق الكثير من الذكريات·· تلك المرحلة من عمري كانت حافلة بكل شيء·· حافلة بالألم والجراح بنفس القدر الذي حفلت به بالسعادة والانشراح·· وحتى يتصور القارئ الكريم الوضع فطبيعتي تساعد على التفاؤل· الأم التي علمتنا الابتسام رغم كل شيء·· والأب الذي لم ندرك الكثير من قوته، واكتفينا منه بالحب والسكون اضافة الى بقايا نظرة صارمة كانت ذات يوم مرعبة بلا شك·· وذكريات طفولة سعيدة بكل المقاييس لا زالت عطورها تفوح في الذاكرة حاملة معها روائح الريحان وغيرها من النباتات التي كانت تربى في المنازل وحاملة كذلك رائحة الأغنام من الحظيرة التي اتصلت بالمنزل أو بصورة أدق كانت جزءاً من المنزل· ولكن بالتأكيد فصورته كانت ولا تزال في ذهني ربما لم تكن صافية بالدرجة الكافية لتخيل كل أجزائها·· ولكنها بلا شك كافية لرسم الخطوط العريضة لها ولأنني بعيد عنها بما يقارب النصف قرن فإنني أقدر على الحكم عليها بطريقة مختلفة عن كل الأحكام التي أطلقت عليها في ذلك الحين·· كما وانني لم أفكر في الحكم عليها من قبل، ولذلك فأجد ان حكمي سيكون منفصلاً عن كل المؤثرات·· كنت طفلاً وقتها·· وكان يكبرني بما يزيد على خمسة عشر عاماً·· لم يكن صديقي في الحقيقة·· بل كان صديق أخي·· وأخي هذا يكبرني بأكثر من خمسة عشر عاماً·· لم تكن هناك اي عوامل فكرية مشتركة فكل اهتماماتي تختلف عن اهتماماته ربما لأنه ليس بأخي الشقيق وكنت نادراً ما أراه·· وحين أراه كنت أراه في هيئة غريبة عني غاضبا على الدوام أو مسافرا وتدور همهمة في البيت الطيني الصغير لا أدري حول ماذا تدور ولا أي شيء يراد منها·· وفي فترات العصر وقبيل المغرب تحديداً حين تعود الأغنام الى الحظيرة كنت أراهم يعودون من الجبال وهو يمزحون ويضحكون بصوت عال يزعج المسنين في الحي النائي الصغير وفي بعض الأحيان يعودون وكأنهم قافلة من قطاع الطرق على حمير تزدان بالحناء وينشرورن الغبار في كل مكان قبل ان يرحلوا· التقيت به بعد كل هذه الأعوام·· لم أعرفه ولم يعرفني·· ولكن ابتسامة من الطفل الذي يرافقه ذكرتني بصورة خرجت من أعماق ذاكرتي·· صورة ابتسامته واسنانه التي تنقص ناباً وتعطي ابتسامته طابعاً خاصاً· - ما شاء الله·· ابنك؟ - رد على ابتسامة بابتسامة هادئة·· نعم· قطع حديثنا صوت الممرضة تنادي على الطفل·· اذاً هو من توقعت كنت صغيراً وقتها فلم يتذكرني لكنه لم يتغير او على الأقل الابتسامة الصاقدة لم تتغير· عدت الى ذكريات الطفولة نحن نتغير كثيراً هكذا حدثتني نفسي أو على الأقل نتغير كثيراً في فترة من حياتنا لم يعرفني مع أنه لم يتغير، عدت الى التفكير في صورته بدت لي عدة فروق في الصورة·· كان وجهه جميلاً باسماً ولكنه اليوم بدا حزيناً· - انتبه من رفقاء السوء·· هكذا قال لي قبل عشرين سنة· كان هو من رفقاء السوء الذين يحذر ابي منهم·· كنت أتذكر صوت أبي وهو يوبخ أخي الأكبر·· الخوف كان يلجئوني الى غرفة الضيوف·· هناك لن يبحث عني أبي·· كانت الأيام تمر متشابهة في بيتنا الصغير التوبيخ شبه دائم·· وصراخ أخي وهو يرد على أبي كان يخيفني، كنت أشعر ان هذا خطأ·· قد يغضب أبي فيضربه، فتمادوا في الخطأ دون ان يوجههم أحد بحب· - مات أحمد، قال لي صديقي بحزن لم أستوعب ما قال· - سألته: من أحمد؟ - جارك يا غبي·· يبدو انك لم تسمع الخبر· - لم أسمع شيئاً من تقصد؟ أحمد السالم؟ كيف مات؟ - صمت صديقي ثم قال: كان سكراناً· - صدمني مع انني كنت أعرف شيئاً من هذا القبيل· شعرت برغبة في البكاء·· كانوا بالرغم من ذلك يحملون العديد من الصفات الايجابية ترى أين الخلل؟ - سمعت الممرضة تنادي على اسمي·· وبهدوء غادرت مكاني وانسحبت لأحبس دموعي وأدفن الذكريات· عبد الله بن علي السعد
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©