الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

«زايد التراثي.. ملتقى الإبداع والموروث الإنساني

«زايد التراثي.. ملتقى الإبداع والموروث الإنساني
26 ديسمبر 2016 22:46
أحمد السعداوي (أبوظبي) بالتجول بين الأجنحة المختلفة، يمكن للجمهور الاطلاع على نماذج مبهرة من التراث العالمي، فنجد صانع النحاس المغربي قد أخذ مطرقته وسندانه، وأخذ يرسم أشكالاً مبدعة على الأواني والتصاميم النحاسية المختلفة أمامه، وفي ركن آخر يجلس حرفي سوداني يقوم بعمل إبداعات ملونة من سعف النخيل، وزاوية ثالثة فتاة بوسنية، تجلس مع مغازلها البدائية وصوفها لتصنع ملابس وقفازات تقي الأفراد صقيع أوروبا وثلوجها، اعتماداً على حرفة توارثتها من عدة أجيال، ويشهد على ذلك والدتها التي جلست هي الأخرى أمام الجمهور لتشاركها هذه الحرفة العتيقة، وتعطي درساً عملياً في كيفية حفظ تاريخ الأقدمين وترسيخه لدى الأجيال الجديدة مهما وصلوا لأعلى درجات التعليم، وهكذا تستمر الرحلة المشوقة بين أجنحة وأروقة المهرجان لاكتشاف لآلئ المفردات التراثية المنتجة بإبداع الأنامل البشرية. يقول حسن البروجي، المتخصص في صناعة السجاد في الجناح المصري، إنه يشارك للمرة الثانية ضمن فعاليات المهرجان، غير أن مشاركة هذا العام أخذت شكلاً أفضل بعد ما تعرف عن قرب على البيئة الإماراتية وأنتج أنواعاً من السجاد مستوحاة رسومها وتصميماتها من بيئة البادية، وهي الأكثر انتشاراً في الإمارات. وذكر أن السجاد اليدوي المصري، يعتمد في صناعته على دقة أنامل الحرفيين وسرعته في التعامل مع النول، وتنفيذ التصميم المطلوب بمهارة، لافتاً إلى أن السجاد يصنع من الحرير أو الصوف أو القطن، وقد يتم مزج أكثر من خامة خلال عملية الغزل، علماً بأن أغلى الخامات هي الحرير وأقلها سعراً هي الصوف، ولذلك يقبل عليه الكثيرون. تعليم بالوراثة ويلفت إلى أن صناعة السجاد اليدوي تأخذ وقتاً طويلاً تبدأ من أسبوعين وتصل إلى 6 أشهر، بحسب حجم السجادة ونوعية الرسم المطلوب تنفيذه، ويمكن لأكثر من شخص أن يشارك في عمل نفس السجادة إذا كانت كبيرة وبها رسومات كثيرة، مشيراً إلى أن أغلب العاملين في هذه الحرفة تعلموها بالوراثة مثل سائر الحرف التراثية، التي لم يعد الإقبال عليها كثيراً مثل ما كان الحال سابقاً، ولكن تنشط عملية البيع خلال الفعاليات التراثية لأن مرتاديها يقدرون قيمة هذا الفن ويعتبرون السجادة قطعة فنية أكثر منها بساطاً لتزيين المجالس والغرف. وهناك عدة مراحل تمر بها صناعة السجاد اليدوي، أولها صباغة الخيوط للحصول على الألوان المطلوبة، ثم توزيع الخيوط على النول، ورسم التصميم وتنفيذه بأيدي العمال، وأخيراً غسل السجادة وتغليفها قبل عرضها للبيع. أواني الشاي ويذكر إدريس، أن أكثر الأشياء التي يقبل عليها الجمهور، أواني الشاي المغربي بما فيها من أباريق وقدور، والمباخر، والحلى النسائية، والبراويز، وموائد الطعام الصغيرة، وغيرها من الأشكال التي يعرفها المهتمون بالتراث المغربي، منوهاً إلى أن هذه الصناعة تزدهر في مدن المغرب العتيقة مثل مراكش والرباط ومكناس، غير أن هذه المنتجات تحمل شهرة عالمية، وهو ما نلاحظه لدى المشاركة في أي من الفعاليات العالمية مثل مهرجان الشيخ زايد التراثي، الذي نعتبره من أفضل الأحداث التي نشارك فيها، خاصة من حيث التنظيم والاهتمام من قبل كل الإخوة في الإمارات والترحيب الكبير الذي وجدناه من قبل الكثيرين. وللأطفال نصيبهم ضمن الجناح المغربـــي، عبــر لعبــة مبتكرة تعلمهم الكثير عن الحرف التراثية ومكونات البيئة المغربية، تقول عنها نادية بن رحوب، إن اللعبة تسمى «هيا نلعب»، ترسخ في الصغار من زوار المهرجان بعض المعارف عن الحرف المغربية التقليدية التي تعكس قيماً ثقافية وإنسانية مهمة لدى الشعب المغربي، بما تضمه من أشكال متنوعة من الخشب والجلد إلى المعادن والنحاس، والنسيج والفخار، يتم تحويلها لأشكال مثيرة تعتمد على تقنيات تعود إلى تقاليد ضاربة في التاريخ استطاعت أن تحافظ على استمراريتها. وتتكون اللعبة من 8 حرف تقليدية، معروفة لدى أبناء المغرب، وهي صناعة الخيمة البدوية، الحصائر، سرج الخيل، البندقية، الخزف، السطرومية، آلة العود، الحباكة، وكل حرفة لها لون معين. وتبدأ اللعبة برمي النرد ويتجه على المنتجين الصناعيين الموجودين في البساط وفق اللون الذي حصل عليه في النرد، وبعد ذلك يتم تحديد المنتوج التقليدي الذي سيبدأ به اللاعب وذلك برمي العملة المعدنية، فإذا حصل على الرأس يبدأ بالمنتوج الموجود على يمينه، وإذا حصل على الجهة الفارغة يبدأ بالمنتوج الموجود على يساره. وهكذا تستمر اللعبة وفق قواعد محددة حتى يعلن الفائز بين اللاعبين الأربعة، والأهم من ذلك التعرف على ألوان من حرف الأجداد وترسيخها في النفوس عبر هذا الأسلوب المبتكر. صناعة الخزف ومن المغرب نبقى في الشمال الأفريقي مع الجناح الجزائري، وصناعة الخزف بأشكال بديعة يحدثنا عنها الفنان التشكيلي بلعزوق كمال، الحاصل على 3 ميداليات ذهبية عالمية في هذا الفن الفريد، ويورد، إن صناعة الخزف لها قيمة كبيرة في المجتمع الجزائري، ولا يخلو بيت تقريباً من آنية خزفية، سواء للديكور أو الاستعمال المنزلي، لافتاً إلى أنه يقوم بتصميم كل الأشكال المعروضة في الجناح الجزائري ويصنعها بنفسه منذ مرحلة الطين، وصولاً إلى الأشكال الزخرفية الجميلة التي يطالعها الجمهور. ويذكر كمال، إنه تعلم هذا الفن وراثة عن آبائه وأجداده، غير أنه قرأ الكثير عنه وقام بتطوير نفسه حتى صار معروفاً بإتقانه لهذا الفن ليس على المستوى المحلي فقط، وإنما يعرض منتجاته في كثير من بلدان العالم، معرباً عن سعادته للمشاركة الأولى في مهرجان الشيخ زايد التراثي، الذي أبهره الحضور الكثيف للجمهور من كل الجنسيات، وكذلك التنوع اللافت للدول المشاركة، ما جعل المهرجان مدرسة مفتوحة يتعلم منها الجميع عن تراث وتاريخ جزء مهم من حضارات البشرية، ممثلاً في النماذج التراثية للدول المشاركة. الصناعات الجلدية ومن جانبه، يحدثنا زياني عمار عن منتجات الفخار الأسود المعروضة ضمن الجناح الجزائري، وهو نوع من الفخار معروف في مناطق مختلفة بالصحراء الجزائرية، وهو يصنع من الرمال أيضاً، ويقبل عليه الجمهور في الفعاليات التراثية المختلفة، كونه نوعاً غير منتشر من الفخار في بعض مناطق شمال أفريقيا، ما يمنحه خصوصية متفردة عن باقي أنواع الفخار التي يعلب عليها اللون البني. أما الصناعات الجلدية، التي يمتد تاريخ صناعتها في الجزائر إلى حقب زمنية بعيدة، فيشرح عنها عمر مختار إنه ينقل هذه الحرفة عن آبائه وأجداده، الذين برعوا في صناعة عديد من المشغولات الجلدية مثل أغمدة السيوف والخناجر، وسروج الخيل، وتصنع جميعاً من جلد البقر، الذي يتميز بالمتانة وسهولة صبغه بألوان مختلفة، حيث يقوم بإنجازها اعتماداً على يديه والمهارة التي تلقاها منذ طفولته بين أفراد عائلته، وكل تصميماتها مستوحاة من أنماط الحياة القديمة وبذات الطريقة التي عرفت بها تلك المنتجات قبل مئات السنين في الجزائر. صناعة السعفيات، من الحرف التقليدية اللافتة التي زينت جناح المملكة العربية السعودية، وتقول زهرة ناصر الدوسري، المسؤولة عن ركن السعفيات، إن هذه الحرفة معروفة على نطاق واسع في منطقة الخليج، غير أن لكل دولة لمساتها الخاصة وأشكالها التي تتميز بها في استخدام جريد النخيل لإنتاج أغراض وأدوات استخدمت ولا تزال في الحياة اليومية عبر مئات السنين، ومن أبرز منتجات السعفيات، المهفة وهي مروحة اليد، القفة المستخدمة في جمع الرطب، السفرة والتي نضع الطعام عليها، المكانس، الأقفاص بأحجامها المختلفة، الأسرة، المسطح المستخدم في فرش البيوت. صناعة السعف وتوضح الخميس، أن أدوات صناعة السعف بسيطة جداً، وهي المخارز، المقص، حجارة مدببة، وقبل البدء في صناعة السعف، يتم تنظيف الجريد من الشوائب ثم وضعه في الماء لإعطائه قدراً من الليونة، ثم تلوينه بالألوان المطلوبة، التي تعطي المنتجات السعفية شكلاً جذاباً ولمسة عصرية تجعل الأجيال الجديدة مرتبطة بهذا اللون من الموروث المحلي السعودي، الذي يشارك في تقديمه النساء والرجال بنفس القدر، علماً بأن نوع الجريد يختلف بالقسم الذي استخرجت منه من النخلة، حيث المناطق الخارجية للجريد تكون أكثر قوة فتصنع منه الأشياء المتينة مثل الأسرة والأقفاص، بينما القطع السعفية الصغيرة تصنع من الجريد الأقرب إلى قلب النخلة، التي لها مكانة كبيرة في قلب كل عربي لما تخرجه لنا من فوائد جمة. وبذكر السعفيات، ننتقل إلى جناح السودان، حيث برع الأشقاء السودانيون في إبداع تصاميم مبهرة من سعف النخيل وإن كانت أكثر ارتباطاً بالبيئة الأفريقية، ويقول الفنان التشكيلي السوداني بحيري محمد يوسف، إنه تخصص في تقديم ألوان التراث السعفي السوداني منذ أكثر من 20 عاماً، وأكثر ما يتميز به السعف السوداني هو إضافة ما يعرف بـ«برتال البنو»، وهو نوع من القش يسهل تلوينه بألوان كثيرة ويدخل في صناعة الكثير من الأشكال السعفية، سواء المستخدمة في أغراض الزينة والديكور، أو الأواني والأغراض المنزلية، وحقائب السيدات والقبعات، والمشلعيب المستخدم في حفظ الطعام، والبرش لفرش الأرضيات، الهبابة مثل مروحة للتلطيف من حرارة الجو، القفة لوضع المستلزمات المختلفة عند نقلها من مكان إلى آخر، السحارة وهي مثل المندوس في الإمارات قديماً ويستخدم لحفظ الملابس والأغراض الشخصية المهمة. الفن التشكيلي ويلفت يوسف، إلى أن عمله بالفن التشكيلي، جعله أكثر ملامسة لكل ما يتعلق بالتراث السوداني، غير أنه تعلق بالسعفيات، لما فيها من ثراء واسع في عالم المنتجات التي يستطيع أن يقدمها الحرفيون بهذا المجال، ما يعكس قدرة على الإبداع أكثر قياساً لغيرها من ألوان التراثي، الذي يتساوى جميعاً، برأيه، في أهميته بوصفه الذاكرة الحية للشعوب والتي تتناقلها الأجيال عبر الفعاليات التراثية المختلفة، ومنها مهرجان الشيخ زايد التراثي بما له من قيمة كبرى في عالم الأحداث التراثية في المنطقة والعالم. الحلوى العماني ومن عمان أيضاً يحدثنا عصام الدين حامد عن الحلوى العمانية، التي ينتظرها جمهور المهرجانات التراثية أينما ذهبنا، لما تتميز به من طعم خاص، موضحاً أنها تتكون من النشا والسكر والسمن والزعفران ونضيف إليها المكسرات المختلفة لنرضي كل الأذواق. ويلفت إلى أن الجمهور يفضل تناولها طازجة، رغم أن مدة صلاحيتها تصل 3 أشهر، ما يجعلها قبلة الجمهور دوماً، خاصة حين يراها تصنع بطريقة مباشرة أمامه، فتزداد شهيته إلى تناولها، وبالتالي يزداد حجم المبيعات، وهو ما يسعدنا كمحترفي هذه المهنة، لأننا نساعد على انتشار واحد من أهم موروثاتنا في السلطنة، والتي تعطي ملمحاً مهماً من الحياة الاجتماعية لدى أهل عمان قديماً وحديثاً، خاصة حين نعرف أن الحلوى العمانية تقدم في مختلف المناسبات الوطنية والاجتماعية مثل الأعراس وخلافه، وكذا تكون ملازمة لجناد القهوة حين يتم استقبال الضيوف. وفي جناح البوسنة يطالع الجمهور أمل كوردافيش، التي جلست إلى جوار والدتها لتقدم لجمهور المهرجان درساً عملياً في كيفية نقل تراث الآباء والأجداد إلى الأجيال الجديدة، حين امتزجت أناملها المبدعة بخيوط الصوف والإبر، لتشكل مجموعة من المشغولات التقليدية البوسنية، وتقول كوردافيش، إنها سعيدة بخوض هذه التجربة للمرة الثانية في الإمارات بعد أن شاركت في فعاليات المهرجان العام الماضي، ووجدت أن الجمهور متعطش لكل ما هو متعلق بالتراث الإنساني أياً كان مصدره، ما شجعها هي ووالدتها على المجيء مرة أخرى إلى الإمارات للمشاركة في هذا الحدث، متمنية أن تستمر هذه المشاركة في الأعوام المقبلة. موروث كازاخستان ومن كازاخستان، وقفت طفلة إماراتية تتأمل بعض العرائس والمشغولات التي تعكس بوضوح بيئة كازاخستان ومنطقة وسط آسيا، وتقول ديمور باني، مسؤولة إحدى عضوات الوفد الكازاخستاني المشارك في المهرجان، إن هذه المعروضات تعتبر نموذجاً بسيطاً لما تمتلكه كازاخستان من موروث عريق سنحاول في العام المقبل عرض كمية أكبر منه، خاصة مع الإقبال الجماهيري اللافت الذي لاحظناه منذ اليوم الأول للمعرض، مشيرة إلى أن هذه المشغولات تعكس جزءاً من الملابس النسائية للمرأة في كازاخستان، والتي لا زلنا نعتبرها الزي القومي الذي نفخر بارتدائه في المناسبات المختلفة ونسعى في ترسيخ قيمته لدى الصغار عبر هذه الأشكال المحببة لهم، وهو ما نجحنا فيه بشكل كبير، من خلال الإقبال على مطالعة هذه المشغولات التي تستخدم أيضاً في أغراض الديكور، ولا زالت تنتج بطريقة يدوية مثل التي اعتادت عليها الأمهات والجدات في الزمن القديم. اللبان العُماني من عمان تحدثنا فتحية عبدالوهاب الحمدي، المسؤولة عن ركن اللبان والبخور، كونه من المنتجات التراثية التي تتميز بها عمان، لتوضح أن هناك نوعين من اللبان، أحدهما يضاف إلى الدخون المختلفة لإعطاء رائحة مميزة، والآخر يستخدم للطعام، وهو اللبان المر أو «الذكر»، وكلاهما يكثر زراعته في محافظة ظفار، ويتم جمع اللبان من الأشجار في شهر أبريل من كل عام، عن طريق تقشير لحاء الشجر الخارجي، ويفرز مادة لزجة بلون الحليب، وتبقى في الخارج من 10 إلى 15 يوماً حتى تتجمد قليلاً ويأخذ شكل اللبان الذي نعرفه، وتتكرر هذه العملية ثلاث مرات خلال الموسم الواحد، غير أن أفضل منتج هو الذي تفرزه الضربة الأولى. واللبان العماني، له عديد من الفوائد الصحية من دون آثار جانبية، جعلت منه هذه الشهرة على مستوى العالم ومن هذه الفوائد، تقوية جهاز المناعة، تنظيم الجهاز الهضمي، مدر للبول، مهدئ للأعصاب، يدخل في صناعة منتجات التجميل، يضاف إلى أنواع الدخون المختلفة. نقوش الخزف الجزائري أكثر ما تتميز به الفنون الخزفية في الجناح الجزائري، هو النقوش الإسلامية أو المستمدة من البيئة الصحراوية المنتشرة على امتداد العالم العربي، مبيناً أن أكثر الألوان المستخدمة في النقوش هي الأسود والأحمر والأزرق كونها الأكثر ظهوراً وتألقاً على الخلفية البيضاء للون الخزف، كما أن عملية تصنيع الخزف تتطلب وضعه في درجة حرارة تصل إلى 1050 مئوية، قبل تلوينها وإنهاء الرسومات عليها، ثم تدخل الفرن مرة أخرى بدرجة حرارة لا تقل عن 980 مئوية، حتى يتم تثبيت الرسم والألوان على السطح الخارجي لقطعة الفن الخزفية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©