السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأرجنتين والولايات المتحدة.. وأوجه الشبه

26 ديسمبر 2016 22:13
كثيراً ما يرى المحللون أوجه تطابق بين الأرجنتين والولايات المتحدة؛ فقد كانت الأرجنتين، كالولايات المتحدة، واحدة من الدول العشر الأكثر غنى في العالم في نهاية القرن الماضي. وكانت أيضاً كالولايات المتحدة، قد تحولت إلى عالم جديد يجتذب المهاجرين من العالم القديم. لكنها لا تشبه الولايات المتحدة في أن عهد ثرائها ورخائها لم يتواصل. ولم يكن هناك شيء اسمه «الحلم الأرجنتيني»، بل كان هناك كابوس لا يكاد ينتهي من التراجع التدريجي إلى الوراء، أو حتى السقوط المفاجئ أحياناً. وكل ذلك كان بسبب المشاكل التي صنعتها الأرجنتين لنفسها. وكانت مشكلتها الأساسية تتعلق بدرجة التمايز الطبقي وعدم المساواة، وحيث كانت 300 عائلة فقط تسيطر على معظم أراضي البلد وتتحكم في اقتصاده وتسيّر حكومته على هواها. وكان كل مواطن آخر لا يساوي أكثر من مجرد قطعة صماء في آلة تعليب وتصدير اللحوم والحبوب. وكما قال «آلان بيتي»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»: «الأرجنتين كانت ستبدو كأميركا الشمالية لو أن الجنوب ربح الحرب الأهلية ثم استولى على الشمال». وهذا يعني بكلمة أخرى أنها كانت دولة أرستقراطية شبه إقطاعية تعتمد على التموين المتواصل بالعمالة الرخيصة. وإذا تهيأ لك أن هذه الأحوال المعيشية تحقق الشروط المناسبة لإشعال حرب طبقية في بلد ما، فلن تكون على خطأ؛ لأنها كانت كذلك بالفعل. ولقد أهدرت الأرجنتين مائة عام الأخيرة وهي تتأرجح بين حكم الشعبويين المحسوبين على الجناح اليساري، الذين أطلقوا الوعود الجوفاء بإشراك الجميع في الثروة الوطنية للبلد، وبين حكم الدكتاتوريات العسكرية المحسوبة على الجناح اليميني التي حاولت منع تلك الوعود من أن تصبح واقعاً. وبالطبع، كانت التكاليف باهظة بعد أن اتضح بأن كلاً من الطرفين اختار أن يلعب لعبة التصادم مع الطرف الآخر بعيداً عن الاحتكام للشرائع والقوانين. وكثيراً ما حاول البيرونيون (أتباع الحزب البيروني الذي أسسه خوان دومينجو بيرون)، تجيير الانتخابات لمصلحتهم عندما عمدوا إلى سجن قادة المعارضة وأغلقوا صحفهم، وأطبقوا على الاتحادات النقابية والعمالية التي لم تكن تدين لنظامهم بالولاء. ولم يكن الجيش مؤمناً بالديمقراطية، بل أدمن على القيام بالانقلابات العسكرية المتلاحقة ليعلن في كل مرة حظر الحزب البيروني. وفي عقد السبعينيات، أعلنت المؤسسات الدولية الناشطة في مجال حقوق الإنسان عن اختفاء عشرات الآلاف من الناشطين السياسيين والمواطنين العاديين في الأرجنتين. وتذكرنا الأرجنتين بإحدى أهم الظواهر التاريخية المنسيّة متمثلة في «الصراع الطبقي» الذي قال فيه كارل ماركس بأنه إما أن ينتهي بإعادة تركيب الأسس التي يقوم عليها المجتمع برمته بطريقة ثورية، أو بالدمار الشامل للطبقات المتنافسة. ونحن نرغب في التشديد أكثر على الجزء الثاني من مقولة ماركس. ولم تظهر الحكومات اليمينية التي تعاقبت على الأرجنتين أي اهتمام بتعليم وتدريب العمال والرفع من كفاءتهم ولا بالاستثمار في أي شيء ما عدا تصدير منتجات أصحاب المزارع. وكانت حكومات الجناح اليساري، قد سارعت إلى تأميم المصانع، وعمدت إلى حمايتها بفرض التعرفات الجمركية على الواردات، وأطلقت وعودها للمواطنين بالحصول على نصيبهم من الأموال التي تقوم بطباعتها بلا حساب. وكانت النتيجة حالة تضخم وركود دامت قرناً كاملاً. وكما قالت مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، فإن الأرجنتين انتقلت من مرحلة بلغ فيها الدخل الفردي نسبة 92% من نظيره في البلدان الستة عشر الأكثر غنى في العالم عام 1914، إلى 43% حالياً. ومثلما هي حال الأرجنتين، فنحن في أميركا نعاني مستويات عالية من التمايز الطبقي والسياسي وعدم المساواة. ونحن أيضاً كالأرجنتين، نعاني من استقطاب سياسي بالغ التطرف. أما الشيء الذي يمكن أن يجعلنا أكثر شبهاً بالأرجنتين فهو أن يكون عندنا سياسيون يستهزئون بذوي الخبرات والكفاءات، وأن يعتقد هؤلاء أن السياسة شيء لا يمكن أن يتجسد إلا في نحو 140 شخصية تحكم البلاد. ويمكن القول بكلمة أخرى أن الولايات المتحدة قد ينطبق عليها الوصف بأنها «الأرجنتين الثانية». *محلل أميركي متخصص في العلاقات الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©