الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصحافة في فنزويلا.. «مادورو» على خطى شافيز

29 يوليو 2014 22:50
العثور على معلومات موثوق بها في فنزويلا هذه الأيام يمثل تحدياً. وبالنظر إلى الواقع المر للحياة السياسية في الجمهورية البوليفارية، نجد كثيراً من وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص مغرضة بشكل واضح بينما معظم وسائل الإعلام الأخرى إما تتصرف مثل أبواق تنعق بأمجاد الحكومة أو تتعامى عما يحدث. والشهر الماضي وفي أجواء أحاطها الكثير من الريبة، علمت هذه الأمة التي يبلغ عدد سكانها 29 مليون نسمة أن صحيفة «يونيفرسال» بيعت لمالك جديد. و«يونيفرسال» صحيفة يومية مناضلة عمرها يزيد على قرن من الزمن، وهي واحدة من أكثر الأصوات المستقلة احتراما في البلاد. والمطبوعة المتعثرة مالياً في كاراكاس التي تقلصت إلى عدد محدود من الصفحات بيعت لمستثمرين إسبان أكثر ثراء. وظاهر الأمر أن عملية البيع كانت صفقة تجارية وباطنه أن الصفقة لم تكن إلا مداهمة تبعها خطف. وبيعت اليونيفرسال لشركة «أباليستسيا» المبتدئة في عالم الأعمال، وهي غامضة الأصل وتم تسجيلها العام الماضي فحسب في إسبانيا كوسيط عقاري ومقاول. وبعد ذلك بشهور غيرت النشاط لتنتقل إلى الاستحواذ على وسائل الإعلام وأصبحت تزدهي بخزينة يحتمل أن يكون فيها مليار دولار. وتتبع سجل الأوراق الرسمية يحوطه الغموض لكن خلف أحزان صحيفة «يونيفرسال»، تكمن اليد الخفية للرئيس نيكولاس مادورو المعرض للنوائب وخليفة الرئيس الراحل هوجو شافيز. ولسوء الحظ، فإن «مادورو» لديه كل سمات سلفه الميكافيلي، لكنه لا يمتلك شيئاً من مهاراته، وهو أقل جلداً منه بكثير. «مادورو» رد على احتجاجات الشوارع بالغاز المسيل للدموع والهراوات، ورد على المنتقدين في وسائل الإعلام بعمليات استيلاء عدوانية. وشافيز أيضاً كان قليل الصبر على الانتقادات، لكنه تجنب إلى حد كبير المواجهات. وفضل شافيز مثل غيره من الساسة المتسلطين الذين يحترمون أنفسهم في القرن الحادي والعشرين اللعب بالديمقراطية وليس سحقها. ففي ظل حكم شافيز، كانت الانتخابات حرة ونزيهة غالبا، ما دامت الحكومة تعيد رسم الدوائر الانتخابية. والمحاكم كانت تعمل وإن كان تحت مطرقة شافيز. وكانت الهيئة التشريعية تسن القوانين حتى لو كانت مجرد نافذة رسمية للتنفيس عن الألم في الأحشاء. ونهج شافيز وجد أتباعا خارج فنزويلا، ففي الإكوادور ونيكاراجوا، فازت الزعامات الشعبوية المطلقة بالانتخابات ثم شلت حركة الأغلبية بقبضتها على السلطة، وعرقلت المحاكم وتعقبت المنتقدين الذين لم تستطع إخراس أصواتهم وأعادت كتابة الدساتير. ولم يلاعب أحد الصحافة مثلما فعل شافيز الذي كان حريصاً على المحافظة على مظهر الديمقراطية وحرية التعبير باعتباره جزءاً من زعمه في الشرعية. وبدلاً من الرقابة المباشرة، تعقب شافيز أصحاب وسائل الإعلام بالدعاوى القضائية والغرامات الباهظة عن انتهاكات حقيقية ووهمية. والمذيعون الذين لا يلتزمون بالقيود يتم تسريحهم. وألغى شافيز، في نوبة واحدة من نوباته الاستبدادية، تصريح 34 محطة راديو إقليمية في عام 2007 ورفض تجديد الامتياز الخاص بشبكة «آر. سي. تي. في»، أكبر شبكة إذاعة في البلاد. وفي الوقت نفسه، أقام شبكة من وسائل الإعلام الموالية للحفاظ على الرفاق السائرين نحو اشتراكية القرن الحادي والعشرين. وتمتلك الحكومة الفنزويلية حاليا عشر محطات تلفزيون و100 محطة راديو على الأقل. وكان بوسع شافيز في أي وقت يغازله فيها الخيال في مقر إقامته الرئاسي أن يتحدث عبر الأثير عن الثورة باعتباره لسانها الناطق في المقام الأول لأربع ساعات أحيانا. ولا يقل عنه «مادورو» في هذا الشأن. فقد ظهر خليفة شافيز في الشهور الاثني عشر الماضية 147 مرة في بث إلزامي تحدث فيها ما إجماليه 193 ساعة، فيما يعادل ثمانية أيام كاملة من الكلام. واقتفى أثر شافيز أيضاً في الهجوم على السلطة الرابعة. وقلص «مادورو» ورق الطباعة المستورد زاعماً أنه يستهدف توفير العملة الصعبة، وأجبر الصحف ذات الصفحات الكثيرة على أن تقلص بشدة أبوابها وفريق العاملين بها قبل بيعها. وهناك مؤسستان صحفيتان كبيرتان أخريان وهما تليفزيون «جلوبوفيجن» وإمبراطورية الطبع «كادينا كابريلس» تضورتا جوعاً أيضاً وأجبرتا على البيع بإشراف من «مادورو». ورغم أن القصر الرئاسي غير متورط فيما يبدو في أي من عمليتي البيع، فإن التغطية الصحفية لكلتا المؤسستين أصبحت مهادنة بشكل كبير للشافيزية منذ ذلك الحين. لكن لا يعني وجود «مادورو» في بؤرة الأضواء أن هذا كان في صالحه. ولتخفيف حدة التضخم أعلن «مادورو» فرض قيود على الأسعار وجعل المستهلكين يهرولون لشراء البضائع النادرة التي تباع في المتاجر مثل أوراق الحمامات وترياق اللدغ من الثعابين. وقلة الاستثمارات في شبكة الكهرباء جعلت انقطاع الكهرباء المتكرر مألوفا مثل خبز إفطار فنزويلا الشهير وقبعاتها الحمراء. وكل هذا يصب في صالح عصابات كاراكاس التي ازدهر نشاطها لتحول شوارع العاصمة إلى واحدة من أكثر شوارع العالم دموية. وتمثل حل «مادورو» للمشكلة في التوقف عن التغطية الصحفية للجرائم. والجريمة وندرة السلع وتبديد الموارد هي نقائص حكم شافيز، الذي استمر 14 عاماً. لكن بجاذبيته وحضوره على المسرح جعل القائد التضحية مقبولة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©