الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيدة أعمال بلا عمل

19 فبراير 2009 23:20
لا أدري كيف وصلت إلى هذه الدرجة، هل هو امتحان من ربي؟ إن كان امتحاناً لي، فأنا راضية بحكم الله، ولكن وضعي صعب للغاية، لم أتخيل يوماً بأنني سأصل إلى هذا الحد، لم أتخيل بأنني سألجأ للصحافة كي أعرض مشكلتي، ماذا ينقصني؟ أنا مواطنة·· جامعية·· من أسرة كبيرة وضعها المادي ممتاز، جميع إخوتي يعملون في مراكز مهمة، وقد كنت موظفة ملتزمة ومتفانية في عملي، وليس هذا فحسب، وإنما أنا مبدعة ومبتكرة، وقد تركت بصماتي في كل وظيفة أوكلت إلي، فهل من المعقول وبعد كل تلك الامتيازات، أجد نفسي، وحيدة، منبوذة وبلا عمل، أنتظر يد العون والمساعدة من أي جهة؟ هل هذا يعقل؟ أكاد لا أصدق نفسي، ماذا يحصل في هذا العالم؟ الأمور كلها أصبحت مقلوبة، النفوس تغيرت، الحسد انتشر كالنار الحارقة، فصار يدمرنا، ويجعل كل واحد منا لا يقنع بما لديه، ويقاتل للحصول على ما في يد أخيه، إنها والله أسوأ ما يمكن أن يصل إليه الناس، الأخ يتهرب من أخته لمجرد أنها صارت فقيرة، وليس بينهما مصالح، الدنيا كلها وعلاقات الناس كلها صارت مبنية على المصالح، هذا هو حالنا، وما وصلنا إليه فليرحمنا الله، وليصلح شأننا قبل أن يحل غضبه علينا· حكايتي منذ أن كان عمري ستة عشر عاما، عملت موظفة في بنك، كنت أول مواطنة تعمل في ذلك المجال، كان والدي ''رحمه الله'' من النوع المتفتح، لديه إيمان راسخ بان العمل هو كرامة الإنسان وعزه، فعلى الرغم من أن وضعنا المادي كان ممتازاً، لأنه يعمل بالتجارة، إلا إنه كان يحثنا على العمل وتطوير الذات بشكل مستمر· كان والدي متزوجاً قبل والدتي ولديه أربعة أولاد وبنت، وعندما تزوج أمي، أنجبت أربعة أولاد وثلاث بنات، أنا من ضمنهم· كنت في الثاني ثانوي عندما بدأت العمل في البنك، وقد كنت سعيدة بعملي سعادة لا توصف· بعد ستة أشهر من العمل، تقدم لخطبتي شاب ثري فتزوجته، وكنت معتقدة بأنني إنسانة محظوظة بذلك الزواج، ولا شيء ينقصني في هذه الدنيا· بعد الزواج مباشرة اكتشفت بأنني كنت مخطئة في تقديري، فالاختلاف الكبير بين طباع زوجي وبيني كان واسعاً، فأنا أحب العمل وأقدسه، ولا أحب أن أطلب شيئاً من أحد، وهو تربى على الكسل وعدم الرغبة في العمل، والاعتماد على أمه في كل صغيرة وكبيرة، فإذا احتجنا للمال يقول لي: خذي من أمي، وإذا أردنا الخروج يقول: اسألي أمي، حتى الطعام وطريقة اللبس ونوع العطور، كلها تحت ذوق أمه· لم يرق لي مثل هذا الوضع وبدأت بالتمرد، فحدثت المشاكل بيني وبين أمه، التي لم تكن تحبني منذ البداية حتى حدث الطلاق قبل أن أكمل سنة واحدة، فحمدت ربي أنني لم أحمل بطفل منه· عدت للعمل في البنك، وقد تميزت في عملي بشكل كبير، ثم جاءتني فرصة للعمل في جهة حكومية تضمن لي حقوقاً في نهاية الخدمة، فتركت البنك وتوظفت في إحدى محطات التلفزة المحلية في قسم المحاسبة، وقد أجدت عملي وتمت ترقيتي إلى محاسب أول، في تلك الفترة أكملت دراستي الثانوية ثم الجامعية، وكنت متوقعة بأن يتم تعديل درجتي ورفع راتبي بعد حصولي على الشهادة، ولكن ذلك لم يحدث، فبقيت أربعة عشر عاماً كاملة دون أن أحصل على ما استحقه من درجة، وقد كان يزعجني أن أجد شخصاً يتم تعيينه حديثاً، وهو غير مواطن ويكون راتبه بقدر راتبي أو أكثر، مع كونه حديث التخرج ولا يملك مثل خبرتي الطويلة، ذلك جعلني أشعر بالظلم وعدم الإنصاف، مما جعلني في توتر وعدم رضا قادني إلى التمرد والكلام والتعبير عن السخط بشكل علني، مما جعل المسؤولين يأخذون موقفاً مني، فصاروا يستفزوني بقرارات جائرة حتى كرهت البقاء في العمل، فقدمت استقالتي، فارتاحوا مني، وقاموا بتعيين وافد آخر أقل خبرة مني وأعطوه نفس راتبي، للأسف فهذا الحال سائد في مؤسساتنا، وهو ينتشر كالسرطان في الجسد· الزواج الثاني قبل استقالتي من عملي بعام واحد، تزوجت للمرة الثانية، كنت قد وصلت بتفكيري إلى حاجتي الشديدة للأسرة، ولان أكون أماً، وأن لا أقضي بقية حياتي لوحدي، فتزوجت وأنجبت ولداً وبنتاً، وبالتدريج شعرت بأنني لا أشكل محوراً مهماً في حياة زوجي، لأنه رجل متزوج ولديه التزامات كثيرة نحو زوجته وأولاده، لذلك لم يدم ذلك الزواج طويلاً· بعد استقالتي من عملي بقيت بلا عمل لفترة لأنني كنت مشغولة بالحمل والولادة ورعاية الأطفال ولكن بعد أن حدثت الخلافات بيني وبين زوجي، طلقني، عندها كنت مجبرة على البحث عن عمل مرة أخرى لأنفق على نفسي وأولادي· بعد بحث وعناء حصلت على وظيفة جيدة تحت مسمى ''مديرة توظيف'' في شركة خاصة كبرى، وكان المسؤول عني شخص أجنبي، وضعني برأسه وناصبني العداء، لأنه لم يرد أن يكون الموظف الذي تحت أمرته مواطناً، بل أراد أن يكون واحداً من نفس جنسيته أو من جنسية أخرى يستطيع أن يتحكم بها كما يريد، وبالطبع فقد صار يفتعل المشاكل بيننا، ويخطط بذكاء يفوق الوصف حتى يوقعني في الخطأ، فيكبر الخطأ ويعظمه ثم يعرضه على المسؤولين، من أجل وضعي في موضع الشك والمحاسبة المستمرة، لم يعجبني ذلك الوضع، فاستقلت من عملي وتركت له الأمر كله يتصرف فيه كما يشاء· عدت من جديد للبحث عن عمل، فوفقني الله لوظيفة جيدة في شركة خاصة كبرى، وكان مسمى الوظيفة ''مدير الموارد البشرية'' كان عملي ممتازاً، ولكن راتبي كان قليلاً قياساً بساعات العمل الطويلة، فلم يعد لدي متسع للبقاء مع أطفالي، حيث أعود آخر النهار وأنا متعبة، فأجدهم قد ناموا، وقد قضوا نهارهم كله مع الخادمة، مما كان يشعرني بتأنيب الضمير نحوهم، ولكني كنت مضطرة للبقاء في العمل لأنني بحاجة للراتب من أجل دفع الإيجار وراتب الخادمة والفواتير وغيرها من المصاريف· لم أفكر بترك العمل ولكني كنت أتمنى أن أجد عملاً أفضل براتب أكثر وساعات دوام أقل كي تتاح لي الفرصة للبقاء مع أطفالي لبعض الوقت، وقد جاءني الفرج عندما عرضت علي إحدى الشخصيات النسائية المعروفة وظيفة ممتازة، وهي ''مديرة إدارة'' في مؤسسة وطنية كبرى، فكان ذلك العرض فرصة ذهبية لي، فتركت عملي وتوظفت هناك· لسوء حظي، فإن ابنة خالة تلك المسؤولة التي ساعدتني في التوظيف، كانت تعمل كمساعدة لي، وبالطبع فإنني لم استوعب اللعبة، إذ كان الاتفاق بينهما على أن تتعلم ابنة أختها مني وبعد أن تسيطر على كل شيء تتم إزاحتي لتبقى هي في مكاني وتحصل على وظيفتي، بمنتهى الغباء علمتها كل ما أعرفه وساعدتها على إجادة العمل، بعد أن وضعت الخطط اللازمة لعدة سنوات مقبلة، وما أن سيطرت على الوضع حتى بدأت بافتعال المشاكل بيني وبينها حتى تمت إقالتي، فأخذت هي المنصب· الضربة القاسية أقوى الضربات التي تلقيتها، جاءتني من أقرب الناس إلي، من ابنة أختي، حيث ظلت تلح علي لوضع ما أملك من المال، وهو المال الذي حصلت عليه في نهاية خدمتي، ألحت علي كي أضعه لدى صديقتها التي تعمل بالتجارة لتشغيل المبلغ، وقد وعدتني بمبلغ شهري جيد، في وقتها فكرت بأنني قد لا أحتاج للعمل إذا حصلت على ذلك الراتب، وسأبقى مع أطفالي للعناية بهم والتفرغ لتربيتهم، وقد كنت مطمئنة لان ابنة أختي أخبرتني بأنها تضمن صديقتها ضماناً كاملاً، في حالة حدوث أي شيء فإنها ستعوضني المال بنفسها، فوثقت بها خصوصاً أن صديقتها من الشخصيات المعروفة، ولا يمكن أن يأتي الشك في ذمتها· وثقت بابنة أختي وأعطيتها كل ما أملك، وقد أعطتني مبلغاً شهرياً طيباً لبضعة أشهر، ولكن بعد أن ظهرت مشكلة المحافظ، ضاعت الأموال، وتحولت القضية للمحاكم، وتنصلت ابنة أختي عن ضماناتها لي، فوقعت في الفخ وصارت أموري كلها في حالة ضياع كامل، فلم يبق معي سوى أربعة آلاف درهم أحصل عليها من طليقي كنفقة للولد والبنت، فلم يعد بمقدوري دفع الإيجار، فاضطررت للسكن في بيت والداي رحمهما الله، وهو للورثة، حيث تم تقسيمه إلى ملاحق صغيرة للإيجار، فسكنت في أحد تلك الملاحق المليئة بالأجناس البشرية المختلفة، فكرت في تقديم طلب للحصول على سكن حكومي، فذلك حق من حقوقي، فإذا حصلت على سكن سأحصل على إيجار الملحق الذي أسكنه، فيأتيني مبلغ يساعدني في المصاريف، فكرة جيدة، أسرعت في تقديم طلب للبلدية، بعد انتظار طويل، سألتهم: متى سأحصل على السكن؟ فقالوا لي: يوجد من هم أحق منك، هناك أناس ستسقط بيوتهم على رؤوسهم، انتظري دورك، ربما ستضطرين للانتظار لسنين· فكرت في أخذ مساعدة من الشؤون، ولكني كرهت تلك الفكرة، فأنا قادرة على العمل، ولدي شهادة وخبرة، لذلك قررت إعادة البحث عن عمل· حملت أوراقي ودرت بها على أماكن كثيرة، ثم أرسلت سيرتي الذاتية عبر الإيميل لأماكن متعددة، انتظرت طويلاً بلا فائدة، لا أدري ما السبب في عدم توظيفي، هل لان عمري وصل إلى الأربعين؟ أم لأن خبراتي كثيرة وهي أعلى من المستوى المطلوب؟ أم أن الوظائف الكبرى التي تناسب خبراتي لا تأتي إلا بالواسطة؟ لا أدري لأي من الأسباب لم أحصل على عمل· أخبروني بالله عليكم، في هذا الغلاء الفاحش من يستطيع العيش بأربعة آلاف درهم؟ الخادمة هربت بعد أن وجدتني غير قادرة على دفع راتبها ولم استطع إحضار غيرها لان ذلك يتطلب المال الكثير، الديون غمرتني إلى رأسي، استدنت من كل معارفي وصديقاتي، أريد أن أشعر بالحماية والأمان والاطمئنان، من حقي أن أحصل على عمل وسكن في بلدي بلا واسطة، حتى الوقفة المعنوية من أهلي فقدتها، كلهم وقفوا إلى جانب ابنة أختي ضدي، الكل يقف إلى جانب الشخص القوي، أخوتي يتهربون مني، فكلما زرت أحداً منهم، يعتقد بأنني جئت لأطلب منه المساعدة، فيتهرب من مواجهتي، أما طليقي والد أبنائي، فصرت أسميه ''بابا نويل'' لأنه لا يزور أولاده ولا يسأل عنهم إلا في الأعياد، إنهم لا يعرفون معنى كلمة ''بابا'' فأين الخوف من الله؟ وأين الشعور الأبوي بالمسؤولية؟ لا أريد أن أرمي حمولتي على أحد، أرفض الشعور بالذل والمهانة، القهر يقتلني وأنا أجد نفسي ضعيفة وعاجزة ولا أحد يقف إلى جانبي، حتى العلاقة بين الأهل صارت مبنية على المصالح، أتذكر حياتي السابقة، كنت في نشوة العمل وانتصاراته، كنت أعمل أكثر من عمل في وقت واحد، أترجم الكتب وأكتب المقالات، فأنا أجيد أربع لغات إجادة كاملة، أين ذهب كل ذلك؟ ولماذا أنا وحيدة ومنسية هكذا؟ مع كل خبراتي وطاقاتي، لا أدري كيف وصلت إلى هذا الحد، بلا عمل وبلا مال، التذلل للآخرين أقسى ما أمر به، فماذا أفعل
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©