الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«جنوب السودان»... عام على الاستقلال

8 يوليو 2012
قبل عام من اليوم، أصبح جنوب السودان أحدث دولة في العالم، غير أن هذا البلد لديه اليوم ثروة نفطية لا يستطيع تصديرها إلى السوق، ومواطنين فقراء لا يبدو أنه يستطيع إطعامهم أو إيواءهم، ونزاعاً مع الخرطوم لا يبدو أنه يستطيع إنهاءه. وبالطبع، فإن تحويل جنوب السودان الغني بالنفط، والذي تحيط به اليابسة من كل الجهات إلى بلد ناجح لم يكن أبداً أموراً سهلة. ولكن القيام بذلك وسط نزاع اقتصادي مع جاره ومنافسه السودان - نزاع حول كم من المال على جنوب السودان أن يدفعه للسودان مقابل ضخ النفط عبر أنابيب النفط السودانية وإلى الأسواق الدولية – كان مدمراً. ولو جاز تشبيه جنوب السودان بطفل رضيع، فيمكن القول إنه حرم من التغذية في العام الأول من حياته. والأدهى من ذلك هو أن جنوب السودان والسودان كانا قاب قوسين أو أدنى من خوض حرب شاملة، بعد أن قامت الطائرات السودانية بقصف قرى داخل أراضي جنوب السودان، في وقت قامت فيه قوات جنوب السودان بغزو بلدة هيجليج المنتجة للنفط. غير أن المحادثات بين السودان وجنوب السودان استُأنفت يوم الخميس الماضي في أديس أبابا، حيث منحت الأمم المتحدة البلدين مهلة شهرين لحل خلافاتهما، علماً بأن جولة سابقة من المحادثات كانت قد انتهت الأسبوع الماضي، بدون أن تحقق أي تقدم. وبالطبع، فإن جنوب السودان ليس أول دولة تولد وسط نزاع. فقد انفصلت الولايات المتحدة عن بريطانيا لأسباب تشبه كثيراً الأسباب التي دفعت جنوب السودان إلى الانفصال عن السودان: الإحساس بأن السادة المستعمرين كانوا يستفيدون من الثروة الطبيعية لأميركا أكثر من الأميركيين. ولكن وتماماً مثلما أن استقلال أميركا كاد يجهض على أيدي قوات بريطانية أحسن تسليحاً واستعداداً في "الحرب الثورية"، فإن جنوب السودان يدفع حالياً ثمناً باهظاً بسبب نزاعاته مع الخرطوم. فمنذ 2010، انتقل أكثر من 400 ألف شخص ينحدرون من أصول جنوبية إلى جنوب السودان، بينما بقي مئات الآلاف الآخرين في السودان. والعديد منهم ليس لديهم سكن، أو ماء، أو صرف صحي، أو رعاية صحية كافية. كما أنه لا توجد مدارس كافية لاحتواء الأطفال القادمين الجدد، وثمة عدد غير كاف من الوظائف للشبان والشابات الذين تركوا وراءهم حياة اقتصادية أحسن في مدن الشمال. وفي هذا الإطار، تقول الدكتورة ياسمين علي حق، ممثلة اليونيسيف في جنوب السودان في تصريح لها عبر البريد الإلكتروني: "إن أسس جنوب سودان يتمتع بالسلام والازدهار لا يمكن أن تكون قوية إلا إذا استثمرنا في المواطنين الشباب لهذا البلد الذين ينبغي أن يمثلوا أولوية بالنسبة للجميع وذلك حتى يستطيع الجيل المقبل لعب دور نشط ومهم في بناء هذه الدولة الجديدة"، مضيفة "أن أطفال هذا البلد يستحقون مستقبلاً أفضل ومن المهم أن يكون ثمة استثمار على المدى الطويل يترجم إلى مكاسب حقيقية بالنسبة لهم". وعلى رغم سوء الوضع، فإن الغرب لن يتخلى عن الدولة الجديدة التي أنفق الكثير من الوقت والرأسمال السياسي من أجل ولادتها، حيث تساعد المساعدات الغذائية مواطني جنوب السودان الفقراء على البقاء على قيد الحياة، وتنتشر الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة غير الحكومية عبر المناطق الريفية بواسطة مركبات رباعية الدفع من أجل مساعدة جنوب السودان على تطوير القدرة على بناء اقتصاد مستديم، وإدارة موارده، وحكم نفسه. ولكن قيود الواقع الاقتصادي المتمثلة في إدارة بلد تمثل صدمة كبيرة، حيث ارتفع التضخم في أسعار الوقود والمواد الغذائية خلال فبراير الماضي بـ21 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، ثم 80 في المئة أخرى في شهر مايو، وفق منظمة "أوكسفام" الخيرية، علماً بأن تضخماً بهذا الحجم يجعل المواد الغذائية العادية في غير متناول حتى الأشخاص الذين لديهم مدخرات. ونتيجة لذلك، فإن 9?7 مليون شخص يواجهون اليوم نقصاً في الطعام. وفي هذا الإطار، تقول هيلين ماكإلهيني، مستشارة السياسات في أوكسفام، في تصريح لها عبر البريد الإلكتروني: "إن مشاعر الفرح والابتهاج بمناسبة الاستقلال بدأ يغطي عليها اليوم واقع كفاح يومي من أجل البقاء على قيد الحياة"، مضيفة "بعض الأشخاص يعيشون على وجبة واحدة في اليوم، وضعف عدد الأشخاص الذي كانوا يتلقون المساعدات خلال العام الماضي هم في حاجة إليها اليوم. كما أن اللاجئين يعيشون ظروفاً مزرية في مخيمات على الحدود، حيث الماء غير متوافر بكميات كافية". حكام جنوب السودان -وجميعهم أعضاء في جيش تمرد سابق، "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، التي تحولت إلى حزب سياسي- يلفتون إلى أنهم يحظون بدعم الشعب، وأنهم سينهون المهمة التي بدأوها (يذكر هنا أن أكثر من 95 في المئة من الجنوب سودانيون صوتوا لصالح الانفصال في استفتاء أجري في يناير 2010). غير أن السؤال هو ما إن كان جنوب السودان يستطيع الصمود إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق ما مع السودان. والواقع أن هذا هو السؤال نفسه الذي تواجهه السودان نفسها. ذلك أن خسارة جنوب السودان كانت تعني خسارة 75 في المئة من احتياطيات النفط السودانية المثبتة، وهو ما رد عيله السودان بتخفيض في الإعانات وإجراءات تقشفية أثارت احتجاجات الطلبة في الشوارع خلال الأسابيع الأخيرة. ويوم الخميس، التقى مسؤولون من البلدين في أديس أبابا من أجل بدء محادثات حول نزاعي الحدود والعائدات النفطية. وفي هذه الأثناء، مازال مسؤولو جنوب السودان يستعملون لغة التحدي حيث نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن "أتيم ياك أتيم"، المتحدث باسم الحكومة، قوله: "إننا لن ننهار، بل سنصمد إلى أن يتم حل مشكلة النفط". سكوت بالدوف محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©