الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

علاقات عربية جديدة بالصناعة في عصر العولمة

20 يوليو 2006 23:33
أمل المهيري: صدر حديثاً عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية العدد 82 من سلسلة ''دراسات استراتيجية'' بعنوان: ''الجديد في علاقة الدولة بالصناعة في العالم العربي والتحديات المعاصرة''· واستهل المؤلف علي محمود الفكيكي دراسته قائلاً إنه بعد قرابة نصف قرن من جهود المساعدة والحماية والتنظيم الحكومي، تمثلت الخصائص العامة لأوضاع الصناعة العربية كما هي في الثمانينيات من القرن العشرين بوجـود مشروعات حكومية خاسرة لا ينفع معها علاج غير التخلص منها بالبيع، وبيروقراطية معقدة تتضمن الكثير من القوانين والتشريعات، وكثير من القيود الإدارية التي تمنع فرص التقدم وتقمع سرعة الاستجابة، وإدارة اقتصادية ومالية حكومية وخاصة تستنفد الوقت والجهـد، وإدمان لدى إدارات المعامل الحكومية والخاصة على مساعدات الدولة والحماية· وقال إن الخصائص العامة لأوضاع الصناعة العربية تمثلت أيضاً في نوعيات إنتاج تخفق في تحقيق الوفاء بمتطلبات المستهلك الوظيفية والشكلية، وتعجز عن اللحاق بالتجدد في مطالب السوق وتجزؤ الطلب الذي انتشر في العالم في الوقت الحاضر، ورتابة ومحدودية عدد الأنماط والأنواع للمنتج الواحد، وتقادم المعامل وانعدام عملية التجديد التقني، وانعدام أعمال البحث والتطوير، وانعدام القدرة على منافسة المنتجات الأجنبية من حيث السعر والنوعية، وضعف التشابك الصناعي المحلي، وتخلف كمي ونوعي إداري وإنتاجي في أوضاع الصناعات الجانبية المغذية بالأجزاء والمدخلات وفقدان خاصية الإدامة Sustainability وكانت الدول العربية على اختلاف فلسفاتها الاقتصادية وأنظمتها السياسية قد نفذت برامج تصنيع وتنمية صناعية اشتملت على إقامة المشروعات الإنتاجية الحكومية والمختلطة والخاصة، وعلى تقديم الدعم والمؤازرة والمساعدات للصناعة بقطاعاتها العام والمختلط والخاص، مع تطوير البنى التحتية، وإجراءات تنظيم ورقابة اختلفت في الكثافة والشمول من دولة إلى أخرى، تبعاً لاختلاف طبيعة النظام الاقتصادي حراً كان أو موجهاً· إلا أن النتائج التي تمخضت عن تلك السياسات والجهود لم تدفع الصناعة في أغلب هذه الدول قدماً في مجالات تقدم صناعي أو مستويات تصنيع توازي أو تقرب مما أحرزته دول نامية أخرى غير عربية بدأت شوط التصنيع في الحقبة الزمنية نفسها التي بدأها العالم العربي كدول جنوب شرقي آسيا أو الهند أو دول أخرى· لذلك وبالتعاون مع صندوق النقد الدولي، بدأت الدول العربية منذ أواسط الثمانينيات بإدخال مبادئ عمل جديدة تمـس جميع جوانب الاقتصاد مما يؤدي إلى كثير من الجدية في علاقتها بالصناعة· واتخذت ضمـن ذلك إجراءات جديدة، تؤهلها لتأدية دور العامل المساعد في العالم العربي· ويمضي المؤلف قائلاً إن الدول العربية اليوم ترغب في ترقية هذه الأوضاع وأمثالها في الصناعة والإدارة وقطاعات الاقتصاد الأخرى· وبالتعاون مع صندوق النقد الدولي تأخذ الحكومات ببرامج إدارية تنموية تختلف عما انصرم قديماً، الجديد فيها تقليص الدور الاقتصادي الحكومي إلى أدنى حد، واعتماد قوى السوق والقطاع الخاص بدلاً من ذلك، وتحرير القيود التجارية وغير التجارية وإعادة هيكلة اقتصاداتها، وفتـح أسواقها للتجارة والاستثمار، واتخاذ كل إجراء يمكن أن يساهم في توفير مناخ موات· وهذا من شأنه أن يسهم في ترتيب علاقة جديدة للدولة بالاقتصاد والصناعة· فرضت الظروف واعتبارات عديدة سياسية واجتماعية واقتصادية وفنية أن يكون للدولة دور إيجابي مباشر بالصناعة في العالم العربي، على اختلاف الأنظمة السياسية والاقتصادية السائدة فيه، وبغض النظر عن الفلسفة الاقتصادية المتبعة· وفي ظل هذه العلاقة فإن الدول قد قامت بتخصيص المبالغ للاستثمارات الصناعية المباشرة وغير المباشرة، مع وضع الخطط التنموية وإقامة الأطر المؤسسية والتشريعية وأنظمة وإجراءات ووسائل التشجيع والمساعدة، والتنظيم والرقابة أيضاً· وتطورت حصة الصناعة - في ظل سياسات التصنيع والتنمية الصناعية وإجراءاتها - في كل متغيرات النشاط الاقتصادي، فارتفعت حصتها في الناتج المحلي الإجمالي من أقل من 5% عام 1960 وما قبله إلى 9% عام 1985 ثم 12% عام ·1998 كما تطور دور الصناعة العربية في تغطية الصادرات الصناعية العربية من أقل من 5% في فترة ما قبل الستينيات إلى 17% عام 1985 ثم بين 30% و41% في الفترة 1990-·1997 تحول نوعي وقد برزت جملة من الاعتبارات والدوافع على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي خلال الربع الأخير من القرن العشرين، جعلت أمر التحول في محتوى علاقة الدولة بالصناعة بشكل خاص، وبالاقتصاد بشكل عام، في العالم كله أمراً مفروضاً على الحكومات العربية وغير العربية، وذلك باتجاه إنهاء دور الدولة كمنتج، وقصر دورها على المساندة وعلى الدور المساعد في عملية التنمية والتطور· وأبرز تلك الاعتبارات فشل المشروعات الحكومية في العالم كله· وتشمل الاعتبارات أيضاً فشل سياسات التنمية السابقة ووسائلها في تطوير القدرات التنافسية المحلية في الداخل والخارج، حيث إن نظام الحماية وتقييد عدد التراخيص وسعر الصرف المغالى فيه للعملة الوطنية، قد دفع المنظمين في القطاعين الخاص والعام إلى التواكل والاعتماد على الدولة في استمرار مشروعاتهم، كما ساهم في ترويج النشاطات الصناعية الريعية، ومن ثم لا مناص من الانتقال إلى علاقة تروج المنافسة والتسابق· كما تتضمن اعتبارات التغيير في علاقة الدولة بالصناعة إخفاق برامج المساعدات الرسمية والقروض الخارجية التي قدمتها الدول الصناعية إلى الدول النامية - بما فيها الدول العربية - في تحقيق نمو اقتصادي، واتضاح أن كل خطوة خطتها الدول المتقدمة نيابة عن الدول النامية إلى الأمام قد شكلت خطوتين إلى الخلف، وقد غذت المعونات بيروقراطيات العالم الثالث ودعمت الفساد وأبقت على الوضع القائم؛ ومن ثم فإن بناء اقتصادات السوق الحرة وتوفير مناخ استثمار ملائم سيدعمان النجاح ولا يضمنان الفشل· توقعات متفائلة ويمكن إجمال أهم التوقعات المتفائلة الناتجة عن التحول في علاقة الدولة بالصناعة بالآتي: أولاً: إن تحويل ملكية المشروعات إلى القطاع الخاص أو ما يعرف بالخصخصة مع تحرير القيود، يفترض أن يساعد على حفز النمو وتعجيل عملية التنمية· فهو يحرر المشروعات المعنية من الظواهر السلبية، بما فيها البيروقراطية والمركزية ويتيح مرونة في العمل وسرعة الاستجابة وخفة الحركة، ويسهل عملية اغتنام الفرص في محيط عالمي وإقليمي يحفل بالإنجازات التي تتحقق يومياً بتسارع مدهش· ومع تحسن أداء المشروعات المخصخصة وتحسن أرباحها يتوسع الوعاء الضريبي، ويدعم ميزان المدفوعات، ويرفع معدلات أجور العاملين؛ وهي نتائج شهدتها المؤسسات المخصخصة في عدد من الدول· ثانياً: إن إلغاء الحماية وتحرير التجارة وإلغاء قيود تراخيص التأسيس وتراخيص الاستيراد، يلغي ما يتمتع به المنتجون المحليون من وضـع احتكاري أو شبه احتكاري، ويسهم في خفـض الأسعار وتحسين الجودة ونقل التقنية ويدفع المنتجين المحليين إلى التطلع إلى الأسواق الخارجية، ويحولهم إلى الانتقال من قواعد الإنتاج والمقاييس المحلية إلى المقاييس والقواعد العالمية· ثالثاً: إن لتشريعات الاستثمار الخارجي وقبول الاستثمارات الأجنبية المباشرة دوراً في حفز النمو وتعجيل عملية التنمية، لما تضيفه من قوى إنتاجية إضافية، ورؤوس أموال وتقنية ومهارات إدارية، ووصول إلى الأسواق التي لم تكن متاحة من قبل؛ إضافة إلى مهارات حرفية وأساليب إدارة وتطبيقات تنافس دينامية لم تتوافر من قبل· رابعاً: يزيد إنشاء المناطق الحرة للصناعات التصديرية في توفير فرص العمل، وقد يوفر ارتباطات تجهيز وتعاقد من الباطن مع الصناعات الوطنية الواقعة خارج المنطقة الحرة، ويطور القدرات التصديرية· خامساً: يمكن أن يسهم الانضمام إلى منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في تطوير حجم التجارة البينية فيما بين الدول العربية، وما في ذلك من آثار إيجابية على مجمل متغيرات الوضع الصناعي العربي· سادساً: إن ترشيد أجهزة الدولة وتخفيض الأعباء الاقتصادية عنها من شأنه أن يدفعها إلى مزيد من التوجه نحو تطوير البنى التحتية، وتحسين أدائها في مجال الخدمات العامة، كما توجه القوى العاملة نحو حقول ونشاطات تكون فيها أكثر إنتاجية من عملها في الدولة· سابعاً: تسهل إقامة البورصات وتطويرها وتحرير المصارف وتخصيصها وزيادة عددها ورؤوس أموالها من توفير الأموال وزيادة تنوع الخدمات المصرفية الموضوعة تحت تصرف الصناعة، وتسهيل تنفيذ خططها· ثامناً: إن قبول المادة (13) من اتفاقية صندوق النقد الدولي بتحرير المعاملات الناجمة عن الاستثمار سيتيح نظرة متفائلة لمستقبل الاستثمار الصناعي وغير الصناعي في الدول المعنية· تاسعاً: إن تقليص، ثم إلغاء الدور الاقتصادي للدولة، مع الإجراءات المذكورة آنفاً سيسهم في توفير مناخ موات للاستثمار الصناعي والإنتاج، وتكون الدولة بهذه الإجراءات قد أدت فعلاً دور العامل المساعد على التنمية وحفز النمو· تعزيز الدور الجديد في ختام دراسته، أشار الباحث إلى أنه ابتغاء استكمال مستلزمات تفعيل الدور الجديد للدولة في الصناعة في العالم العربي، ينبغي توضيح عدة جوانب مثل: مازالت الدولة في عدد من الدول العربية من بينها مصر والعراق وليبيا ودول الخليج العربية واليمن والأردن وسوريا، تمتلك وتدير مشروعات صناعية أو تحتفظ بنسب من ملكيتها، كما هو الأمر في المشروعات المختلطة الوطنية، أو المشروعات العربية المشتركة أو مشروعات وطنية أجنبية· والأسباب والدوافع عديدة ومختلفة، منها مثلاً الرغبة في استخدام عوائد المشروعات الحكومية المتبقية في تمويل خزانة الدولة، أو لكونها مشروعات استراتيجية· ويقترح في هذا الصدد أن يستمر العمل ببرامج الخصخصة سعياً لزيادة كفاءة المشروعات المعنية، واستعمال حصيلة ضرائب الدخل عليها في تمويل الميزانية الحكومية، واستعمال بدلات بيع المشروعات للقطاع الخاص في مشروعات التنمية الاجتماعية· ويفضل تنفيذ برامج دراسات متابعة وتقييم كفاءة وأداء للمنشآت المحولة إلى القطاع الخاص بعد الخصخصة· وربما تكون الجامعات ومراكز البحث العلمي مؤسسات مناسبة للقيام بمثل هذه الدراسات، وتعد رسائل الدراسات العليا وأطروحاتها مناسبة في هذا المجال أيضاً·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©